قالت الأمم المتحدة الثلثاء (9 فبراير/ شباط 2016) إن مئات آلاف المدنيين قد تنقطع عنهم إمدادات الطعام إذا حاصر الجيش السوري المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المعارضة للنظام في مدينة حلب، محذّرةً من موجة هائلة جديدة من النازحين الفارين من العملية العسكرية التي تجري بغطاء جوي روسي.
وقالت مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد بثينة شعبان الثلثاء إن هدف الجيش من العمليات العسكرية الجارية في شمال البلاد هو تأمين الحدود مع تركيا وإعادة بسط سيطرته على مدينة حلب، مضيفةً أنها لا تتوقع نجاح الجهود الدبلوماسية ما دامت هناك دول "تدعم الإرهاب في سورية".
وشنت القوات السورية المدعومة بضربات جوية روسية ومقاتلين إيرانيين ومن حزب الله، هجوماً كبيراً على ريف حلب الذي تتقاسم حكومة دمشق والمعارضة السيطرة عليه منذ سنوات. ويُعد الهجوم الذي يستهدف تطويق حلب -التي كانت يوماً كبرى المدن السورية ويقطنها مليونا نسمة- من المحطات الفارقة في الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات التي أودت بحياة ربع مليون شخص وأدت إلى تشريد 11 مليوناً آخرين من منازلهم. وأدى القتال إلى انهيار أول محاولة لإجراء محادثات سلام منذ عامين، ودفعت المقاتلين المعارضين للنظام للحديث عن احتمال خسارة قاعدتهم الشمالية بشكل كامل.
وتخشى الأمم المتحدة أن يقطع تقدم القوات الحكومية الطريق الوحيد المتبقي بين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب ومعابر الحدود التركية الرئيسية والتي كانت شريان حياة للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الانسانية في نشرة عاجلة "إذا قطعت الحكومة السورية وحلفاؤها طريق الفرار الوحيد المتبقي للخروج من شرق مدينة حلب فهذا سيعزل 300 ألف يعيشون في المدينة عن أي مساعدات إنسانية ما لم يتم التفاوض على نقاط دخول عبر الخطوط". وأضاف "إذا استمر تقدّم قوات الحكومة السورية حول المدينة تقدّر المجالس المحلية أن ما بين 100 و150 ألفاً سيفرون نحو عفرين والريف الغربي لمحافظة حلب".
وقال المرصد السوي لحقوق الإنسان ونشطاء إن الضربات الجوية استمرت مستهدفة تل رفعت وعندان وبلدات أخرى في ريف حلب، في الوقت نفسه الذي أعلنت وزارة الداخلية السورية أن انتحارياً فجر سيارة ملغومة عند نادٍ لضباط الشرطة في حي سكني في دمشق يوم الثلثاء ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى. وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء إن الانفجار أسفر عن مقتل ثلاثة وإصابة 14 شخصاً. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ثمانية ضباط شرطة قُتلوا في التفجير كما أصيب 20 آخرون على الأقل. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسئوليته عن الهجوم. ورغم تكرار الهجمات بقذائف المورتر والصواريخ في دمشق إلا أن هجوم الثلثاء يعد أول تفجير من نوعه خلال أشهر بقلب العاصمة.
وتستضيف تركيا 2.5 مليون سوري وهو أكبر تجمع للاجئين في العالم، لكنها تغلق حتى الآن حدودها أمام موجة النزوح الجديدة وهو ما يصعب مهمة إيصال مساعدات يحتاجها الفارون بشدة. وعبرت شاحنات تنقل مساعدات ومعدات بناء الحدود عند معبر أونجوبينار يوم الثلثاء بينما دخل عدد قليل من سيارات الإسعاف تركيا. وظل المعبر مغلقاً أمام عشرات الآلاف من اللاجئين الذين أقاموا في خيام على الجانب السوري من الحدود.
وقال خالد (30 عاماً) وهو يحاول العودة إلى حلب لإنقاذ زوجته وأبنائه: "نحن السوريون سنقع بين نارين إذا لم تفتح تركيا أبوابها. سيكون علينا الاختيار بين القصف الروسي أو داعش". وحثت الأمم المتحدة أنقرة الثلثاء على فتح الحدود ودعت الدول الأخرى إلى تقديم مساعدات لتركيا.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن عدد اللاجئين المتدفقين على تركيا قد يصل إلى مليون شخص إذا استمرت الحملة العسكرية الروسية والحكومية السورية على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وأشار إلى أن تركيا تسمح بدخول اللاجئين السوريين "بطريقة محكومة"، وإنها سمحت حتى الآن بدخول عشرة آلاف لاجئ من نحو 50 ألف شخص وصلوا إلى حدودها في موجة التدفق الأخيرة.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي في بيان أنه بدأ توزيع الحصص الغذائية على الموجة الجديدة من النازحين عند بلدة أعزاز السورية على مقربة من الحدود التركية. وقال جيكوب كيرن مدير برنامج الأغذية في سورية: "الموقف هش للغاية في شمال حلب مع تنقل الأسر بحثاً عن الأمان". وأضاف "نحن قلقون للغاية نظراً لأن مسارات الدخول والامداد من شمال حلب إلى شرقها والمناطق المحيطة مقطوعة الآن لكننا نبذل كل جهد لتوفير ما يكفي من طعام للمحتاجين وإدخاله عن طريق نقاط عبور الحدود التي لا تزال مفتوحة من تركيا".
وتسببت العملية العسكرية للجيش السوري حول حلب فضلاً عن تقدمها أكثر على الأرض في الجنوب، بنسف محادثات السلام الأولى منذ نحو عامين الأسبوع الماضي. ويتوقع أن تلتقي القوى الدولية يوم الخميس في مدينة ميونيخ الألمانية في محاولة لإعادة إحياء المحادثات، لكن الدبلوماسيين لا يملكون نظرياً أي أمل باستئنافها وسط استمرار العملية العسكرية للجيش السوري المدعومة من روسيا. وحث وزير الخارجية الأميركي جون كيري روسيا الثلاثاء على الانضمام للجهود الرامية لوقف إطلاق النار. وقال للصحافيين "أنشطة روسيا في حلب والمنطقة تزيد من صعوبة الجلوس إلى مائدة (التفاوض) وإجراء حوار جاد". وقالت الفصائل المسلحة المعارضة إنها لن تحضر المفاوضات ما لم ينفذ وقف لإطلاق النار.
واتهمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل روسيا هذا الاسبوع بقصف المدنيين في انتهاك لقرار لمجلس الأمن الذي وافقت عليه موسكو في ديسمبر/ كانون الأول. وتقول روسيا إنها تستهدف تنظيم "داعش"، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إنه لا توجد أدلة ذات مصداقية على مقتل مدنيين.