رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن التقليد الأعمى لما اعتبره «سراب الغرب»، يُفسد الأخلاق الراسخة، ويصل إلى الفرد المثقف، وإلى المجتمع، فتتغيّر رجولة بعض رجاله، وأنوثة بعض نسائه.
وقال القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (5 فبراير/ شباط 2016)، إن: «التقليد الأعمى ووصف الإمَّعَة، وجهان لعملةٍ واحدة، وهما في الوقت نفسه لا يقتصران على السُّذَّج والرّعَاع من الناس فحسب، بل إن وصف الإمَّعَة يتعدّى إلى ما هو أبعد من ذلك، فكما إنه يكون في الفرد، فإنه كذلك يكون في المجتمع بفكره وعاداته وتقاليده وسلوكه، وقد يكون في العامّي والمتعلّم والمثقف والكاتب والإعلامي والمنتسب إلى العلم».
وذكر أن «المجتمع المسلم إذا كان إمَّعَة يلهث وراء سراب الغَرْب ليُؤلّف نفسه على خُلُق جديد ينتزعه من المدنية الأجنبية عنه وعن دينه وتقاليده، فإن عليه أن يدرك جيّداً أن الخُلُق الطارئ لا يرسخ بمقدار ما يُفسِد من الأخلاق الراسخة، فتتغيّر رجولة بعض رجاله، وأنوثة بعض نسائه، كل ذلك بسبب الاندفاع المحموم وراء المجهول في ساحة التقليد الأعمى مهما كان لهذا التقليد من دواعي زُيِّفت أو زُيِّنت ببريقٍ وتزويقٍ ولَمَعانٍ يأخذ بلُبّ النُّظَّار لأول وَهْلة، فلا يلبث ويتلاشى سريعاً».
وأضاف «وإذا كان المجتمع في قَرَارة نفسه يوحي إلى أنه لابد للأمة في نهضتها أن تتغير، فإن رجوعنا إلى ديننا العظيم وشِرْعة المصطفى (ص)، أعظم ما يصلح لنا من التَّغَيّر وما نصلح به منه.
وأوضح أن «الإمَّعَة هو الذي لا رأي له، فهو الذي يتابع كل أحد على رأيه ويتبع كل ناعق، ولا يثبت على شيء، ضعيف العزم، كثير التردّد، قلبه مَحْضِن للشك والرِّيَب، وهذا هو الإمَّعَة المَمْقُوت».
وأردف قائلاً: «ولسائل أن يسأل فيقول: هل أحوال المجتمعات المعاصرة، تستدعي الحديث عن التقليد الأعمى والإمَّعَة؟ وهل هو من الكثرة بحيث يجب التحذير منه؟ فالجواب: نعم، لاسيما في هذا العصر الذي كثر فيه موت العلماء، واتخاذ الناس رؤوساً جُهّالاً، والذي فشا فيه الجهل، وقلّ فيه العلم، ونَطَق الرُّوَيْبِضَة، وقَلَّت فيه المَرْجَعِيّة الدينيّة وهَيْمنتها على الفتوى الصحيحة السالمة من الشوائب والدَّخَن، بل أصبح فيه الحديث والنطق من دَيْدن الرُّوَيْبِضَة، وهو الرجل التافِه يتكلّم في أمور العامة. ولا جَرَم، فإن مجتمعاً هذا واقعه لفي حاجة لمثل هذا الطَّرْح».
وأفاد بأن التقليد الأعمى، هو أن يقلد الإنسان، إنساناً آخر في معتقده أو عبادته أو سلوكه وأعماله وأقواله، دون علم أو حق أو بصيرة أو دليل، ولذلك نهى القرآن الكريم عن هذا التقليد الأعمى، وذم أصحابه وأتباعه، وبين خطورته على الأفراد والمجتمعات في الحياة الدنيا والآخرة.
وتابع «كما نهى الشرعُ الحنيف المسلمين عن تقليد غيرهم من الأمم المخالفة، أو التشبه بهم، وهذا النهي ليس عامّاً في كل أمورهم ، بل هو فيما كان من أمور دينهم وعقائدهم، وعباداتهم وشعائرهم، وأعيادهم وعاداتهم، واحتفالاتهم ومجونهم وخلاعتهم، وخصائصهم التي يتميزون بها، ففي حضارة غير المسلمين النافع والضار، فلا ينبغي أن نترك النافع منها، ونأخذ الضار».
وبيّن أن «المذموم من التشبه بهم هو ما يخالف تعاليم ديننا أو ما يكون سبباً في اندثار الدين ودروس شرائعه وفساد أهله، أما ما لم يكن كذلك كالأنظمة الإدارية والمشاريع التي تعود بالخير والنفع على المسلمين، والمنجزات العلمية والمخترعات التى تقوي شوكة المسلمين، أو تيسر أمور المعاش، وتحقق المصالح الشرعية، كعلوم الكيمياء والفيزياء والفلك والطب والصناعة والزراعة والإدارة وأمثال ذلك، فكل هذه العلوم وغيرها ليست مذمومة، بل قد تستحب أو تجب حسب المقاصد التي تؤدي إليها هذه الوسائل فإن الوسائل لها أحكام الغايات».
وقال: «لقد أمرنا الإسلام بإتباع الدليل من كتاب الله ومن سنة رسوله (ص)، واستخدام العقل في معرفة الحق من الباطل، والخير من الشر، والخبيث من الطيب، في جميع شئون الحياة، وجعل في ذلك الفوز والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة».
وذكر القطان أن «من ينظر إلى واقع حياتنا اليوم، يجد أن من أسباب مشاكلنا وصراعاتنا، وفساد كثير من أعمالنا وأخلاقنا وسلوكياتنا، التقليد والتبعية لغيرنا بالباطل... ولم يقف أحدنا مع نفسه يسأل: هل هذا العمل صحيح أم خطأ... حق أم باطل... حقيقة أم خرافة؟ أمر الشرع به أم نهى عنه؟ ولكن لأن فلاناً قام به، أو الشيخ الفلاني أمر به، بدون تفكير، فيلغى العقل ولا يسأل عن الدليل الشرعي وصحته) فنحن نقوم به ونقلده، وهكذا أصبحت الكثير من الأعمال والسلوكيات والعادات في حياتنا، ولو خالف ذلك أوامر الشرع وأحكام الدين وفضائل القيم والأخلاق».
ولفت إلى أن «من أثار التقليد الأعمى والمآسي التي جنتها الأمة أفراداً وشعوباً ودولاً، ضياع الحق، وتحكيم الأهواء، وتمييع القيم والمبادئ، وفساد العمل، والاستمرار في الطريق الخطأ، وقتل الإبداع، والتبعية والانهزامية، ولذلك قلدنا غيرنا من أمم الأرض من حولنا فيما هو سيئ من السلوكيات والأخلاق والمظاهر والعادات، ولم نأخذ أجمل ما عندهم وأفضل ما لديهم حتى في أمور الحياة، ووسائل الحضارة، وما يمكن أن تنتفع به البشرية، ولذلك لم نعد أمة منتجة كما كانت أمتنا عبر قرون من الزمان، يستفيد من عطائها وإنتاجها العالم وأمم الأرض من حولها، فأصبحنا أمة مستهلكة في جميع نواحي الحياة بسبب التقليد والتبعية لغيرنا... بل لقد بلغ تقليد هذه الأمة لغيرها منتهاه، فها هي الفرقة والاختلاف والنزاع والشقاق وظهور العصبيات الطائفية والقومية التي تلقي بظلالها على مسرح الحياة».
وقال: «اليوم تسفك الدماء، وتهتك الأعراض، وتستباح الحرمات في بلاد الإسلام، وتقام الحروب بسبب التفرق والاختلاف، والتنافس على الدنيا، وظهور العصبيات الجاهلية والطائفية وأضحى الوطن رغم مساحته الشاسعة وخيراته الكثيرة لا يتسع لأبناء الوطن الواحد، فقد ضاقت القلوب على بعضها البعض، فضاقت الأوطان».
وتساءل إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي: «لماذا لا نقلد أعداءنا على الأقل، في وحدتهم وتعايشهم واحترامهم لبعضهم البعض، والتزامهم بالقانون والنظام والمؤسسات، ونبذهم للحروب والعنف والإرهاب والتي أدركوا خطرها على مجتمعاتهم بعد تضحيات كبيرة وحروب أدركوا خطرها وآثارها على شعوبهم وبلدانهم».
العدد 4900 - الجمعة 05 فبراير 2016م الموافق 26 ربيع الثاني 1437هـ