وقفة تأمل مسئولة في بُعد معالجاتها ومرئياتها ضمن حوار مسئول جرى في سياق اجتماع نوعي نظمه المجلس الأعلى للبيئة في يوم الخميس 14 يناير/ كانون الثاني 2016 لتنسيق الجهود ومناقشة متطلبات وضع خطة مشتركة لتنظيم فعاليات شهر البيئة، الاجتماع ضم نخبة من نشطاء العمل المدني البيئي، يمثلون القطاعات النسائية والشبابية وممثلين من الجمعيات والفعاليات الناشطة في المجال البيئي «جمعية البحرين للبيئة وجمعية أصدقاء البيئة وجمعية الشباب والبيئة ونادي باربار» ويتميّز الاجتماع بنوعية الحضور والرؤى والمقترحات الواعية التي جسدت الموقف المسئول لنشطاء العمل المدني البيئي في الالتزام بدعم إنجاز أهداف المشروع الوطني البيئي.
السؤال المحوري الذي يجسد معضلة استراتيجية في خطة إنجاز أهداف المشروع الوطني البيئي، السلوك غير الرشيد في العلاقة مع البيئة وضعف الوعي البيئي للمجتمع ذلك ما أشار اليه الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للبيئة محمد مبارك بن دينة وبين إننا في حاجة إلى إيجاد الوسائل العملية لتغيير واقع الوعي البيئي، وتحسين السلوك البيئي للمجتمع، ونرى أن ذلك مطلب مهم، ويتطلب خطوات برامجية وإدارية مؤسسة الأبعاد والأهداف الاستراتيجية يجري وضعها بناءً على دراسة علمية قويمة المناهج البحثية لواقع الحالة بمشاركة جميع الشركاء، يمكن بفعلها تشخيص المخارج المنهجية للبناء المؤسسي والبرامجي التوعوية، وبناء القدرات البيئية للتمكن من إنجاز الأهداف الوطنية للتنمية المستدامة.
البيئة أمانة وصون معالمها مسئوليتنا المشتركة ذلك هو المبدأ الاستراتيجي الذي ينبغي إدراكه وتأكيده في واقع الممارسات، وذلك ما جرى التأكيد عليه في سياق الإجابة على الملاحظات بشأن الآثار السلبية على واقع المحيط البيئي للإنسان بسبب السلوك غير الرشيد والممارسات غير المسئولة في ثقافة العلاقة مع نظافة الأماكن العامة، ويمثل ذلك الواقع العامل المحفز للبحث في تبني أنشطة نوعية لشهر البيئة، يمكن أن تساهم في ترك الأثر الإيجابي على التفاعل الاجتماعي مع الأنشطة البيئية وتعزيز الثقافة البيئية للمجتمع وبناء السلوك البيئي الرشيد في العلاقة مع معالم النظام البيئي.
المعضلة الرئيسية التي تستجدي البحث والتمعن في محددات مفاصل معالجاتها، وتشخيص مخرجات حلها، الثقافة غير المسئولة في الالتزام بقواعد الحفاظ على نظافة ونقاء المحيط البيئي للإنسان، والبحث عن الإجابة على سؤال ما العمل لحل مشكلة الخلل في السلوك الفردي وضعف قيم مفاهيم الالتزام بمبادئ العلاقة مع النظافة العامة من الجانب الأخلاقي كثقافة قيمية، والجانب القانوني كأداة تحذيرية وتأديبية وردعية أيضاً؟ وهل ينبغي الارتكاز على مبادئ القانون وفرض الالتزام في عدم تلويث المحيط البيئي للإنسان لقمع هكذا ممارسات؟ أم نحن في حاجة إلى الاشتغال على بناء الثقافة البيئية وتنمية الوعي البيئي للمجتمع لتعديل السلوك وتعزيز ثقافة الالتزام بالمبادئ القانونية بشأن الحفاظ على نظافة ونقاء المحيط البيئي للإنسان؟
البحث عن الإجابة على رزمة الأسئلة المطروحة جرى في سياق الإبحار في محيط من المعلومات بشأن ثقافة الالتزام بالقواعد القانونية، والقيم الأخلاقية التي تنظم مسارات السلوك البيئي للمجتمع، وجرى في سياق ذلك طرح جملة من حقائق الممارسات غير الرشيدة للفرد والمجتمع وتتمثل تلك الحقائق في الممارسات غير السليمة في رمي المخلفات في المنتزهات العامة، وأماكن الراحة كما هو عليه واقع الحال في ما نشهده من أكوام المخلفات التي يتركها مرتادو دوحة عراد، وأشجار القرم في سند، وكورنيش سترة ومواقع التخييم في الصخير، ومواقع التواجد الاجتماعي الأخرى، وكذلك المظاهر غير الحضارية للمخلفات التي نشهدها في معظم سواحل البحرين إلى جانب مظاهر رمي المخلفات من شبابيك المركبات في الطرقات والأماكن العامة.
بالطبع لايمكن اقتصار معالجة المشكلة المطروحة في حدود ما جرى تشخيصه من حقائق المخالفات سابقة الذكر وحسب، بل ينبغي أيضاً أن لا نغفل الجانب الأكثر خطراً على الأمن الصحي والبيئي للمجتمع، إذ إن هناك مصادر أخرى للتلوث تتميز بشموليتها في التأثير السلبي على صحة البيئة والإنسان، وتتمثل في مخلفات البناء وحضائر الحيوانات، وفضلات المطاعم والمراسم الاحتفالية بمختلف أنواعها التي يجري رميها في المواقع المهجورة والقريبة من المناطق السكنية وكذلك في بيئات السواحل، إلى جانب ما يجري إطلاقه من أدخنة في الغلاف الجوي وما يجري تفريغه من المياه العادمة في البيئة البحرية، وكذلك التلوث الضوضائي الذي صار معضلة عصرية خطيرة تواجه مجتمعنا المحلي.
ما جرى طرحه من مرئيات متباينة في شأن المنهج الذي ينبغي اتباعه للتمكن في الحد من المخالفات البيئية، تؤكد بعضها على أن تطبيق قواعد القانون لم تجد نفعاً في منع ما نشهده من مخالفات ما يؤكد ضرورة تنمية الوعي البيئي للمجتمع للتمكن من تعديل السلوك، وتغيير المفاهيم المغلوطة في العلاقة مع معالم البيئة، فيما يرى فريق آخر أهمية الاستفادة من فرق العمل التطوعية، وتعزيز فاعلية الرقابة البيئية للحد من المخالفات البيئية.
ليس هناك خلاف على أن المخالفات البيئية حقيقة ملموسة، وأن قواعد النهي عن ممارسة الأنشطة الضارة بالبيئة والإنسان حقيقة مؤكدة في الشرع الإسلامي والقانون الوضعي، وإن ذلك الخلل يؤكد على ضرورة بناء الوعي البيئي للمجتمع لتغيير واقع الحالة، بيد أن القانون المؤسس في معاييره الردعية والرقابية والمبني على أسس مبدأ الشفافية في التطبيق لايمكن الاستغناء عن وجوده ويبقى الضمانة الاستراتيجية في ردع المخالفات، وتحسين السلوك البيئي للمجتمع وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4899 - الخميس 04 فبراير 2016م الموافق 25 ربيع الثاني 1437هـ