قدم الباحث والكاتب رضي السماك في محاضرة استضافتها جمعية تاريخ وآثار البحرين بعنوان تساؤلي: «تدمير الآثار العربية... إلى أين؟» دعوة إلى صيانة الهويات الوطنية، محذراً من أن تشظي الهوية الوطنية الجامعة إلى هويات فرعية دينية وطائفية، يعرّض النسيج الوطني إلى التفتيت.
وذهب السماك في محاضرته إلى أن العرب والمسلمين سبقوا الغرب في الاهتمام بالآثار منذ زمن مبكر، وإن كان هذا الاهتمام جنينياً ولم يتطور بعد إلى علم متكامل الأركان والمنهجية مثلما جرى على أيدي الغرب بالصورة التي نعرفها الآن، فقد احتفظ العباسيون بتحف تاريخية من مخلفات الأمويين، وخصص الفاطميون بيوتاً للتحف الأثرية عُرفت بـ «الخزائن»، وفي دمشق كانت هناك أُلفة وعناية بالآثار الكبيرة ومواقعها في عهود الأيوبيين والمماليك والعثمانيين يُمنع من التعدي عليها.
وألقى الضوء على الدول العربية التي تتعرض راهناً لكارثة تدمير آثارها مستعرضاً النموذج العراقي والنموذج السوري بتفصيل دقيق متناولاً بالشرح المدن والمواقع الأثرية التاريخية الشهيرة التي تعرضت للتدمير، ليؤكد على أنه مع أهمية كل التشريعات والمبادرات التي تمت على الصعيد الدولي بوجه خاص والصعيدين الوطني والعربي والدولي بوجه عام، إلا أن الشعوب ذات الحضارات العظيمة تبقى هي المؤهلة وحدها بأن تكون الحصن المنيع في الدفاع عن كنوز تراثها الروحي والثقافي، مستشهداً بقول الباحثة السورية بغداد عبدالمنعم: «إن الحرب على الإنسان لا تنفك أبداً عن تراثه، والقتل كما يتوجه إلى الحياة، يتوجه أيضاً بالدرجة نفسها من القصد والعنف إلى عقله وتحديداً، إلى ذاكرته الحضارية والتراثية».
وأضاف قوله إن هذه الذاكرة الحضارية لا يمكن إحياؤها وتحصينها في اعتقادنا إلا إذا امتلك الشعب وعياً يجعلها ذاكرة جمعية واحدة تؤمن بوحدة الآثار والتراث لوطنها عبر كل المراحل التي مر بها تاريخ هذا الشعب، ماضياً وحاضراً، والإيمان بأن هذه المنجزات العبقرية الحضارية لأي شعب عربي هي جزء لا ينفصم من حضارتنا العربية الإسلامية المشتركة وهذه بدورها جزء أيضاً من الحضارة البشرية العالمية بمجملها عبر تعاقب الحقب والمراحل التاريخية، لافتاً إلى أن هذا الأمر لا يتحقق لشعوبنا العربية إلا في تبلور هوياتها الوطنية وليس في ظل تشظي الهوية الوطنية الجامعة إلى هويات فرعية دينية وطائفية.
وشدد على أنه في ظل تفتتٍ كهذا تغدو كل طائفة مهووسة بإبراز هويتها الفرعية - بما في ذلك البحث عن إعلاء قيمة تراثها وتاريخها الانعزاليَين وكراهية ما عداهما من تراث وتاريخ مكونات النسيج الوطني الواحد الجاري تفتيته - ولا شك في أن الدولة العربية تلعب دوراً محورياً مهماً في تحقيق هذه المهمة أو وأدها ولاسيما في ظل تكريس مبدأ المواطنة روحاً وتطبيقاً أو تغييبها.
العدد 4899 - الخميس 04 فبراير 2016م الموافق 25 ربيع الثاني 1437هـ