شدد الأمين العام السابق لجمعية المنبر التقدمي حسن مدن، أنه «لا يمكن لأحد مهما كانت عبقريته أن يتوقع كيف ستسير الأمور في بلدان الربيع العربي بعد سنة أو سنتين، لأن بعض الأحداث تفوق التوقعات»، واصفاً اتهام حركات الربيع العربي بأنها مدفوعة من الخارج بـ «السخيف».
وأضاف مدن في ندوة عقدت بمقر جمعية وعد في أم الحصم مساء الأربعاء (3 فبراير/ شباط 2016)، تحت عنوان «ثورات الربيع العربي بين النجاح والفشل»، «لذلك نحن بحاجة إلى تقييم ما جرى في الربيع العربي، حيث إننا الآن لسنا تحت ضغط الحدث، ولدينا فترة زمنية تسمح لنا بالنظر إلى الوراء بصورة أوسع، رغم أن الأمر لا يخلو من تعقيدات واختلافات في وجهات النظر».
وأردف مدن «كتبت مقالة مؤخراً بشأن الوضع السوري، قلت فيها إن النظام اليوم ليس بوسعه القضاء على المعارضة، وليس بوسع الأخيرة القضاء على النظام، وبالتالي يجب أن نعوّل إلى مقاربات توقف الحرب الأهلية، وأصابتني ردود فعل متباينة، جانب منها من المتعاطفين مع النظام والقول إنه سيهزم هذه الفصائل، وجانب آخر من مؤيدي الحراك الجاري في سورية، وتأكيدهم أنها ليست حرب أهلية بل ثورة وطنية».
وتابع «عندما أقول لا انطلق ولا أتقاطع مع من يقول إن ما جرى ليس سوى أكذوبة أو مؤامرة أميركية أو غيرها، وأيضاً نجد أصداءها وصلت إلى بعض الشرائح في المجتمع، بسبب النتائج المحدودة لانتفاضات الربيع العربي، أؤكد أن ما جرى كانت انتفاضات وثورات عبرت عن حالة الإحباط مما أصاب الشعوب العربية من انسداد الأفق، وثورات على الاستبداد والقمع والتضييق على الحريات السياسية، هناك أنظمة أطبقت على الشعوب على مدار عقود طويلة، وقد قامت هذه الثورات على قيم الحرية والعدالة والكرامة، مع التأكيد أن العديد من هذه الثورات انطلقت بصورة عفوية، ولم تكن من تنظيم أحزاب، وإنما عبرت عن حالة من الاحتقان الشعبي الموجود في الواقع العربي».
وأكمل «ولا أعتقد أنه كانت صدفة أن باكورة الربيع العربي انطلقت من تونس ومصر، أنا أرى أن هذين البلدين هما من أكثر الشعوب نضجاً من الناحية السياسية، هناك مجتمع مدني قوي، وخاصة في تونس فإن المجتمع المدني يحظى بمساحة واسعة من الاستقلالية رغم محاولات زين العابدين بن علي الهيمنة عليها».
وواصل مدن «ولذلك يمكن القول إن ما جرى في تلك البلدان كان تعبيراً عن نضج هذه الشعوب، صحيح أن هناك فقراً وجوعاً وبطالة في هذه البلدان، بل إن الباعث المباشر للربيع العربي في تونس كان حرق البوعزيزي نفسه بسبب لقمة العيش، إلا أنه سرعان ما تحولت هذه الحركات إلى حراك من أجل الكرامة والحرية».
وذكر أنه «ربما هذه الشعوب خسرت العديد من المكتسبات الاجتماعية والسياسة التي كانت الأنظمة الاشتراكية والشمولية توفرها، إلا أنها أيضاً رفعت من مستوى الحريات فيها، وإن كانت هذه المنطقة لاتزال عصية على الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية، وأعتقد أن من حق هذه الشعوب الحصول على الديمقراطية شأنها شأن بقية الشعوب الأخرى».
وأشار إلى أن «هناك من القوى والثورات المضادة من القوى المتضررة مما حدث، تصور هذا الحراك بأنه مدفوع من الخارج، ولكن هذا منطق سخيف، لأنه لا يمكن لأي لـ «تويتر» أو «الفيسبوك» أو أي من وسائل التواصل الاجتماعي أن تؤدي إلى ثورة ما لم تنضج ظروفها الاجتماعية والسياسية الجارية في المجتمع، وأعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دور «المنشورات» التي كانت توزع في فترات الخمسينيات وما قلبها أو بعدها، ولكن كانت توزع بنسخ محدودة، فيما الآن هذه الوسائل يمكن أن تصل في لحظة واحدة، ولكن التغيير لا يحدث إلا عندما يكون المجتمع جاهزاً لها».
وأوضح مدن «نحن اليوم أمام حالات متنوعة ومختلفة من الحراك الذي حدث أيام الربيع العربي، ولكل دولة صفاتها وسماتها التي يختلف بحسب مجتمعها عن غيرها من الحالات، وبحسب المحيط الجيوسياسي المحيط بها، إذ لا يمكن أن نضع مصر وتونس في خانة سورية وليبيا ولا اليمن والبحرين في خانة أولئك، ولا يمكن أن نضع المغرب في خانة مع هؤلاء، لكل بلد حالة خاصة».
وأردف «هذا التقسيم يسمح لنا بتقييم حالة كل دولة على حدة، بعض الدول رفعت شعارات مثل إسقاط النظام وقد أثبتت الأحداث خطأ هذا الشعار في عدد من الدول، وأنا أتحدث هنا عن رفع مثل هذه الشعارات في تلك اللحظة».
وواصل «بالنسبة إلى القوى المحركة إلى هذه الثورات، فقد جرى حديث طويل عن الشباب، ولاشك أننا عندما كنا شباباً كنا أكثر حماساً وقوة وتضحية مما نحن عليه الآن، ولكننا كنا أقل خبرة، كل الأمور الخيرة التي قدمها الشباب خلال ثورات الربيع العربي هي محل احترام، ولكن لا يمكن أن تقوم ثورة بدون قيادة سياسية».
وشدد على أن «العمل المنظم يحتاج إلى أحزاب، والثورة هي لحظة تاريخية تتوافر فيها ظروف الثورة، ولكن هذه اللحظة التاريخية لم تأتِ مقطوعة عن نضالات الأجيال السابقة، أنا هنا أتكلم حتى عن حال البحرين، فكم من المناضلين ضحوا بحياتهم وأعمارهم في السجون والمنافي وهم يعملون من أجل النضال الوطني، ووجود الحالة الشبابية في الانتفاضات الشعبية هي حالة طبيعية، فكم كانت أعمار من شاركوا في انتفاضة 1965، ومن شارك في دعم نضال الهيئة الوطنية في الخمسينيات».
ولفت إلى أن «القوى الوطنية والتقدمية واليسارية لم يعودوا بالقوة التي كانوا بها بالسابق، وهذه حالة ليست مختصة بالبحرين في غالب الدول العربية، وعلى رغم ذلك إلا أنها لم تتخلف من الالتحاق بهذه الحراكات والوجود في الميادين والساحات، ولكنها لم تكن بالموقع الذي يمكنها أن تصبح قوى فاعلة في هذه الانتفاضات بما تمتلكه من رؤية لا تمتلكها القوى الأخرى، ومنها الحركات الإسلامية بسبب حداثة عملها السياسي مقارنة بالحركات اليسارية الأخرى، وقد كانت القوى الوحيدة التي كانت منظمة نوعاً أثناء هذه الانتفاضات كانت القوى الإسلامية».
وتابع مدن «بالنسبة إلى رفع شعار إسقاط النظام، أنا أتصور أن الكثير من الشباب لم تكن لديه رؤية لما بعد إسقاط النظام، وأزعم أن القوة الوحيدة التي كانت تعرف ماذا ستقوم به بعد إسقاط النظام كانوا هم الإخوان المسلمون في تونس ومصر، أما الحراكات الأخرى ومنها ما جرى في البحرين فلم تكن قادرة على الإجابة عن هذا الأمر».
ومن جانبه، قال القيادي في جمعية وعد، عبدالله جناحي: «سأحاول أن أكثف رؤية الباحث اللبناني أديب نعمة، الذي أصدر كتاباً مهماً بعنوان (الدولة الغنائمية والربيع العربي)، حيث أشار للأسباب المباشرة لثورات الربيع العربي وهي تمس المستويات السياسية، والاقتصادية - والنفسية والنفس - اجتماعية».
وأضاف جناحي «من الخطط التي استفادت منها الأنظمة الاستبدادية من بعضها البعض لمواجهة أي ثورات أو انتفاضات قادمة، إطالة الصراع قدر الإمكان وتجنب الإرباك والانهيار السريع كما حدث في مصر وتونس، وتجنب العزلة واستفزاز الرأي العام العالمي بقوة (كما فعل القذافي) والحفاظ على مستوى من العنف المستمر لكنه ضمن سقفاً لا يستدعي ردود فعل الأطراف الدولية (عندما استخدم السلاح الكيمائي دفع القذافي الثمن وكذلك النظام السوري)، وتجنب تقديم تنازلات على الطريقة اليمنية وعدم الدخول في مسارات غير معروفة النتائج من شأنه أن يضعف موقعه ويفقد السيطرة على الوضع، ومنع تشكيل ميدان أو ميادين رمزية للحراك الشعبي ومنع التجمعات المركزية والاعتصامات مهما كان الثمن، ومنع الإعلام المستقل التواجد في الميدان واعتماد رؤية واحدة (إرهابيون يعتدون على المواطنين وعلى النظام والدولة) والاستمرار في تعزيز هذه الرواية منذ اللحظة الأولى، واتخاذ قرار حاسم لا رجعة عنه بالمواجهة حتى النهاية والتهديد بالمزيد من العنف وعدم استقرار المنطقة بهدف تخويف الأطراف الإقليمية والدولية غير المؤيدة للضغط الزائد على النظام، واستخدام كل الوسائل لدفع المواجهة الداخلية إلى مواجهة مسلحة وتحويل المواجهة الداخلية إلى مواجهة خارجية (دولية) مما يحسن ظروف المواجهة في مصلحة النظام، والأولوية في تقديم التنازلات هي للأطراف الدولية والإقليمية والتمسك حتى الرمق الأخير بعدم تقديم تنازلات للمعارضة الداخلية، وإطالة المواجهة لأقصى فترة ممكنة والاعتماد على الدعم الخارجي كما على قدراته المؤسسية من أجل جعل طول أمد الصراع في مصلحة النظام وزيادة الإرباك في صفوف الخصوم الداخليين والخارجيين».
وأكمل «هناك عوامل أخرى أثرت في نجاح أو فشل الثورات والانتفاضات في الربيع العربي، ومنها التعدد والتنوع في التكوين السكاني فكلما كان النسيج الاجتماعي متجانساً ساعد ذلك على توحيد القوى، ويساهم في إزالة الالتباسات السياسية / الهوياتية الفرعية والانقسامات العمودية التي تعطل التغيير المنشود».
وأردف جناحي «يلعب توافر موارد مالية وافرة دوراً في تعزيز قدرة النظام على اتخاذ خطوات استباقية أو الاستجابة للمطالب الشعبية المعيشية ما يؤدي إلى امتصاص النقمة الشعبية قبل أن تتحول إلى انتفاضة طويلة أو متوسطة المدى مثلما حدث في (المغرب، وبعض دول مجلس التعاون)، ووجود تاريخ من الحروب الداخلية والاحتلال يلعب دوراً كبيراً في إشاعة مناخ من الحذر ويمنع من إمكان الحراك الشعبي العفوي، حصل ذلك في فلسطين والعراق ولبنان وإلى حد ما في الجزائر».
وواصل «وقد استخدم النظام في هذه الدول أثناء اندلاع ثورات الربيع العربي هذا الخوف من تكرار الحروب الدموية الداخلية إعلامياً وعملياً».
وذكر أنه «في ضوء هذا التحليل لواقع وخصائص ثورات وانتفاضات الربيع العربي، لابد أن نطرح السؤال المعروف (ما العمل؟) وقبل الإجابة عن هذا السؤال نؤكد بأنه لا يمكن توقع المستقبل بدرجة مقبولة من الدقة في الوقت الراهن لهذه المجتمعات العربية، ليس بسبب قصور المنهجيات، بل بسبب طبيعة المرحلة نفسها التي تتسم بدرجة عالية من اللااستقرار، ووجود عدد كبير جداً من الفاعلين الداخليين والخارجيين، كما يتعلق بدرجة البرغماتية الكبيرة جداً التي تبديها الأطراف السياسية الفاعلة في التكيف مع المتغيرات».
وأكمل «ومع ذلك نستطيع القول بأن الجواب عن سؤالنا (ما العمل ؟) يندرج ضمن «ما ينبغي أن يكون» كحل ضد «ما هو كائن»، وذلك من خلال خلق قناعة وإيمان من قبل جميع الأطراف الفاعلة في مجتمعاتنا بوجود خارطة طريق واضحة الملامح والخطوات للخروج من الأزمات والبدء في إصلاح حقيقي».
وأشار جناحي إلى أن «أسباب فشل ثورات الربيع العربي (ماعدا تونس نسبياً) عديدة، ولكن في اعتقادي أن السبب الرئيسي هو غياب خارطة طريق بين جميع مكونات الشعب بأحزابه وشرائحه الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الاقتصادي وغيرها، وفي هذا المقام يقدم الباحث اللبناني أديب نعمة في كتابه رؤية عميقة جديرة الاسترشاد بها كخارطة طريق لجميع البلدان التي اندلعت فيها ثورات وانتفاضات وحراك شعبي كبير».
وأوضح أن «العنوان الأكبر لهذه الخارطة المنشودة هو الشعار المشترك للتحركات الشعبية وهو «بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة» التي نرى فيها بديلاً ونقيضاً لنمط الدولة الغنائمية في بلداننا، وهذه الدولة الإرثية التي تعتبر البلاد وثرواتها وأهلها غنيمة لها، هذه الدولة الغنائمية التي تضيع فيها الحدود بين الشخص والمؤسسة، وبين العام والخاص، وبين الوظائف الإدارية والسياسية للدولة، وبين الجمهور والمملكة أو الإمارة أو الجمهورية، وبين التقليد والحداثة، وفيها تجبي الدولة الريع لزيادة ثروات الحكام، وتوزع حصة منه على الرعايا بحسب درجة القرابة والولاء لمركز القرار، وبما يخدم استقرار الحكم، بغرض إعادة إنتاج علاقات الولاء والتبعية، واستبعاد إمكان بناء علاقات المواطنة القائمة على الحق والرقابة والمساءلة. والعناوين الفرعية لهذه الخارطة هي ذات الشعارات التي رفعتها هذه الثورات والانتفاضات والمتمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهي شعارات هتفت لها كل الحناجر من المغرب حتى اليمن والبحرين، مستخدمة أحياناً المفردات نفسها دون تعديل».
وبيّن أن «ضمانات نجاح خارطة الطريق، هي أنه يجب عدم التعسف في الإجراءات الانتقالية، بحيث تعطل أو تؤثر سلباً على ما له طابع تأسيسي، وتجعل التأسيسي محكوماً بمصلحة انتقالية لحظية، وكذلك يجب عدم التعسف في الإجراءات التأسيسية، بحيث تؤثر سلباً أو تعطل المسار التكويني المستقبلي، الذي يتطلب اتخاذ كل ما يلزم لحماية ديناميته الخاصة من أي تقييد محكوم لمصالح سياسية وتوازنات لحظية.
وشدد على أن «تكون الغاية النهائية لهذه الخارطة الوصول إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية وسيادة القانون وغير ذلك».
كما أوجب «احترام الاختلاف النوعي فيما بين المراحل الثلاث (الانتقالية والتأسيسية والتكوينية) سواء على صعيد المدى الزمني المطلوب لإنجاز كل منها، والالتزام بقواعد العمل والوظائف والأهداف الخاصة بكل مرحلة وعدم الخلط فيما بينها، وعدم تضمين المرحلة الانتقالية ما قد يحدد مسبقاً نتائج المرحلة التأسيسية ومضمون النصوص، وكذلك عدم تضمين النصوص التأسيسية ما يؤدي إلى تعطيل عملية التحويل الأشمل للمجتمع، أو يوجهها بشكل مسبق في وجهة معينة، ويمنع لاحقاً تكوّن وجهات نظر وموازين قوى مغايرة وتحولها إلى أكثريات مقررة.
وتابع «ويتمثل التحدي الكلي الأكثر أهمية في احترام جميع الأطراف للتوازن والتكامل بين البعد الانتقالي والبعد التأسيسي والبعد التكويني، ومن شأن الإخلال بهذا التوازن أن يدخل المجتمع في تعقيدات كثيرة تؤدي إلى تدخل القوى المضادة لإجهاض مشروع الإصلاح وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
وأفاد «ويترافق مع هذه المراحل العمل على تحسين مستوى معيشة غالبية السكان الفقراء، والعمل على تبديل السياسات الاقتصادية والاجتماعية المسئولة عن تعميق الهوّة الاجتماعية والمناطقية وإفقار الطبقات الوسطى، وتهميش دور العدد الأكبر من رجال الأعمال، واستمرار زيادة معدلات البطالة».
وختم جناحي بأن «القوى الحية في المجتمع إذا ما توحدت في مثل الرؤى والأهداف تمكنت خارطة الطريق التي يتم التوافق عليها أن تكون سكة قطار وبوصلة للوصول إلى مجتمع الحق والعدالة والمساواة والحرية والديمقراطية».
العدد 4899 - الخميس 04 فبراير 2016م الموافق 25 ربيع الثاني 1437هـ
الدولة المدنية الحديثة تحتاج لجمعيات مدنية تقبل جميع أطياف الشعب وتكون نواة للبرلمان مدني يكون فيه الشعب مصدر السلطات هذا المتبع في الدول العريقة في الديمقراطيه