العدد 4897 - الثلثاء 02 فبراير 2016م الموافق 23 ربيع الثاني 1437هـ

«مال مُبْهَم» لجين ماير... عن ثروة الأخَوين كوتش وتمويل الحملات الانتخابية

جين ماير
جين ماير

ما الذي يدفع كاتبة ذات حضور كبير ومهم في الأوساط الصحافية الأميركية (جين ماير) إلى أن تُفْرد كتاباً يتتبَّع أدوار وخبابا تراكم الثروة، والعلاقات المتداخلة والمعقَّدة لاثنين من كبار أثرياء أميركا والعالم؟ كتابها الأخير «مال مُبْهَم»، مليء بالكثير من كشف الأسرار، وتوغُّل في الكشف عن مصادر ثروة الأخَوين كوتش: تشارلز وديفيد. عن الأموال التي يتم ضخها في الحملات الانتخابية الرئاسية، والعوائد المترتبة على ذلك. عن استغلال الثغرات في القانون الأميركي، وخصوصاً ذلك الذي يختص بجمع الأموال، من دون أن يشترط كشف الذين من ورائها.

لنبدأ من العام الجاري (2016)، إذ تشير الأنباء إلى أن الشبكة السياسية التي التي يُشرف عليها الأخوان كوتش، تنوي إنفاق نحو 900 مليون دولار لدعم المرشحين المحافظين في انتخابات العام 2016. الحديث هنا عن اليمين الأميركي المتمثل في الحزب الجمهوري.

مراجعة للكتاب في صحيفة «نيويورك تايمز»، تم نشرها يوم الثلثاء (19 يناير/ كانون الثاني 2016)، نورد أهم ما جاء فيها.

كان العام 1980، عامَ الأمل بالنسبة إلى المحافظين في أميركا، ولكنه كان أملاً يتضاءل بعد سنوات من الفشل المستمر على مستوى القاعدة الشعبية. لم يكن الجمهوريون مسيطرين على أي من المجلسين في الكونغرس، ولم يحظوا بالأغلبية في المجالس التشريعية للولايات لربع قرن من الزمن؛ فيما كان معظم الحكَّام من الديمقراطيين منذ العام 1970.

لم يتحدَّد الأمر في عدم قدرة الحزب الجمهوري على الفوز بالانتخابات، ولكن أولئك الذين كانت لديهم أقوى القناعات الأيديولوجية - «مسار المحافظين» كما يحبُّون أن يُسمُّوا أنفسهم - ظل صوتهم خافتاً حتى داخل صفوف الحزب الجمهوري.

إلا أنه مع نهاية ذلك العام حدث أمران. الأول، كما نعلم جميعاً، تم انتخاب رونالد ريغان رئيساً للبلاد. والآخر كان حدثاً خاصاً تماماً والذي لم تتم ملاحظة أهميته ولسنوات. قرَّر الأخوان تشارلز وديفيد كوتش، الثريان جداً، واللذان يملكان شركة نفط مقرُّها كانساس، إنفاق مبالغ ضخمة لانتخاب المحافظين في جميع مستويات الحكومة الأميركية. ترشَّح ديفيد كوتش لمنصب نائب الرئيس في العام 1980، ولكن عندما انتهت الحملة، قال إنه مُصمِّم على عدم السعي للحصول على وظيفة عامة مرة أخرى، فذلك لن يكون ضرورياً. كما خلص هو وأخوه إلى أنه يمكنهما أن يستثمرا في حملات الآخرين، ليكون ذلك أساساً لشراء الطريق المؤدِّية بهم إلى السلطة السياسية.

خطْف الديمقراطية الأميركية

بعد ثلاثين عاماً، بشَّرت الانتخابات النصفية للعام 2010 بنظام سياسي، يمكن أن يتمخَّض عنه تغيير؛ لأن الأخوين كوتش قضيا سنوات عديدة يخططان من أجل تحقُّق ذلك. بعد التصويت في تلك السنة، هيمن الجمهوريون على المجالس التشريعية للولايات، وكانوا يسيطرون بأغلبية واضحة على مناصب حكَّام الولايات، كما استطاعوا الهيمنة على غرفة واحدة من الكونغرس، وكانوا في طريقهم إلى كسب الأخرى.

كان الأخوان قد جمعا وأنفقا مئات الملايين من الدولارات من أجل خلق أغلبية على توافق مع توجهاتهما؛ وقد نجحا في ذلك. ليس من خلال استطلاعات الرأي فحسب: فقد ساعدا في تمويل وتنظيم شبكة متداخلة من مراكز البحوث والبرامج الأكاديمية ووسائل الإعلام التي تجاوزت بكثير الإمكانات التي وضعتها المعارضة الليبرالية.

تلك هي هيمنة المحافظين التي تطرَّقت إليها جين ماير في «مال مُبْهَم». وُضع الكتاب بلغة واضحة وغير عاطفية إلى حدٍّ كبير، ولكنه يُقرأ كما لو أنه تولَّد عن غضب هادئ. تعتقد ماير أن الأخويْن كوتش، وعدداً صغيراً من الطبقة الثرية المتنفِّذة المتحالفة معهما، قد خطفوا الديمقراطية الأميركية، وذلك باستخدام أموالهم؛ ليس فقط للتنافس مع خصومهم السياسيين، ولكن لإغراقهم عن طريق تلك الأموال.

أحد كتَّاب «نيويوركر»، قال إن ماير قضت خمس سنوات في العمل على كتاب «مال مُبْهَم»، والذي كان انطلاقة من مقال عن أسرة كوتش نشرته في «نيويوركر» العام 2010. لم يتفق تشارلز ولا ديفيد كوتش على الحديث معها، وكذلك فعل العديد من أهمِّ الشخصيات في الشبكة السياسية التابعة إليهما، إذ لم يكونوا متواجدين أساساً للحديث بالنيابة عنهما؛ لكنها استطاعت الوصول إلى مئات المصادر التي أعربت عن رغبتها في الحديث، من بين تلك المصادر، نشطاء في حملة للمحافظين منذ فترة طويلة، وزملاء في العمل ومعارضون سياسيون وخبراء في التمويل السياسي. بعض تلك المصادر التي تحدثت تم تسجيل ما أدلت به، فيما رفض البعض الآخر ذلك الإجراء، ولكن كل ما في كتاب «مال مُبْهَم» يُظهره كعمل لافت وموثَّق بشكل جيد.

مصرف يمنح المال للمرشحين!

تمَّ فعلاً إنجاز عدد من الكتب حول الأخوين كوتش، تناولت استثمار شبكتهما المالية التي تم تسخيرها في إحداث تغيير في السياسة الأميركية. كتبت ماير عن حياة اللاعبين الرئيسيين في وقت مبكر، وعن أصل ثرواتهم، وكذلك الهواجس الشخصية والمراوغات، ودور هذه العملية بقدرتها على الانتقاء؛ إذ ليس من السهْل الكشف عن الأعمال الداخلية للمؤسسة السياسية والتي هي سريَّة أساساً.

في رأيها، أن الذي أوجده الأخوان كوتش وحلفاؤهما، هو عبارة عن مصرف سياسي خاص قادر على منح كميات غير محدودة من المال إلى المرشحين المفضَّلين، مع ضمان عدم الكشف عن مصدر تلك الأموال.

في العام 2011، عندما كان رئيس مجلس النواب جون بوينر (جون بَينر ولد في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1949. سياسي أميركي ينتمي للحزب الجمهوري. تولى منذ العام 2007 زعامة الأقلية الجمهورية في مجلس النواب. وبعد حصول الحزب على الأغلبية في المجلس في نوفمبر 2010، أصبح في 5 يناير 2011 رئيسًا للمجلس) يائساً من الحصول على أصوات الجمهوريين لمنع الحكومة من التخلُّف عن سداد ديونها؛ ما دفعه للذهاب إلى مقابلة ديفيد كوتش في مانهاتن لطلب مساعدته. «استغرق ذلك سنوات» كما كتبت ماير، ولكن الأخوين «أصبحا مركزاً منافساً على السلطة بالنسبة إلى مؤسسة الحزب الجمهوري».

«مال مُبْهَم» يروي قصة شخصية عن عائلة كوتش بقدر كبير من التفصيل. الأب المهندس، الذي كوَّن ثروته من بناء مصافي النفط. حدثت انتقالة في وقت مبكر لكل من تشارلز وديفيد كوتش باتجاه الاقتصاد التحرُّري، ضمن شبكة من التنافس بين الأخوة الأربعة في الأسرة، والتي انتهت بمواجهات قانونية مؤلمة استمرت لسنوات.

النفاذ من كوَّة في القانون

كما سلَّطت ماير بعض الضوء على المتآمرين الذين ساعدوا كوتش في بناء الحركة التي امتدَّت في انتشارها، لتذهب إلى أبعد من السياسة الانتخابية. ريتشارد ميلون سكيف، وريث «ميلون» بكل ثروتها المصرفية، والكثير من الثروات التي تأتَّت من نفط الخليج. جون م. أولين، والذي كانت مؤسسة عائلته تعمل في مجال الكيميائيات، المستفيد الأكبر من مشتريات الأسلحة الاتحادية، ركَّز على استحداث وظائف لأعضاء هيئة التدريس من المحافظين في عدد من الجامعات العريقة. الأخوان برادلي، هاري وليند، استخدما حصيلة اندماج شركة الالكترونيات التابعة إلى الأسرة مع روكويل الدولية لضمان الاكتتاب في مجموعة متكاملة للنشر وبحوث المشاريع المشتركة.

كان الهدف الرئيسي هو الفوز في الانتخابات. وفي تلك الحملة، كانت القوانين الاتحادية في صالح الأخوين كوتش وحلفائهم. تلك القوانين التي لم يلعبوا دوراً في إصدارها. أحدها يتعلق بقانون الإيرادات الداخلية والتي تسمح في مادتها 501 (ج) (4) للمنظمات بتكريس نشاطها الظاهري لـ «الرعاية الاجتماعية»، لكنها سمحت بالانخراط في السياسة الانتخابية بشكل أساسي وبطريقة غير مُنظمة. المادة نفسها لا تشترط الكشف عن مصادر تمويل تلك المنظمات، وأدَّت تلك المادة وحدها إلى جلب كميات أموال ضخمة من المانحين الذين كانوا حريصين على المساهمة ولكنهم متردِّدون في كشف هوياتهم والجهات التي ينتمون إليها. كانت المادة القانونية المذكورة كوَّة تم التمكن من النفاذ منها منذ إقرارها في مطلع القرن العشرين، إلا أنه تم منحها مرونة وحيوية في العام 2010 بقرار من المحكمة العليا، التي أزالت - تقريباً - جميع القيود المفروضة على تمويل الحملات الانتخابية من الشركات، وعزَّزت جانب عدم الكشف عن هوية أصحابها.

إنتاج النفايات السامَّة

ما الذي كانت تُروِّج له كل تلك المنظمات والجهات المانحة، سوى انتخاب مرشحِّي الحزب الجمهوري، والبلوغ بهم إلى البيت البيضاوي؟ البدء بعقيدة السوق الحرة. «لقد غيَّرت مبادئ السوق حياتي»، كما أعلن تشارلز كوتش في تسعينات القرن الماضي «وقادت كل شيء أقوم به» ويبدو أن مثل ذلك الكلام صحيح في العام 2016، كما هو الحال ساعة إطلاقه في ذلك الوقت.

وكما كانا شرسيْن في الدفاع عن أفكار السوق الحرة، يتصرف الأخَوان كوتش أيضاً وبشكل ملموس بناء على مصلحتهما الذاتية، كما تقول ماير. صنع الأخوان كوتش ثروتهما من تجارة الكربون؛ وقاما بتنويع مصادر تلك الثروة إلى أبعد من ذلك مع مرور السنوات، ولكن الضريبة القاسية على الكربون يمكن أن يكون لها تأثير كبير. تشير ماير إلى تقارير E.P.A (وكالة حماية البيئة) والتي حدَّدت قاعدة بياناتها المتعلِّقة بمصانع كوتش في العام 2012، باعتبارها أكبر منتج للنفايات السامة في الولايات المتحدة. وتورطت «صناعات كوتش» في قضايا قانونية على مر السنوات وصلت إلى المحكمة الاتحادية، في قضايا تتعلق بالإهمال، وفي أحايين حدَّدت تقارير الأوضاع بأنها وصلت إلى درجة التسبُّب في القتل بسبب عدم الالتزام بالمتطلبات التي تحول دون تلوُّث الهواء والمياه. انتهى الأمر في بعض تلك القضايا إلى دفع عشرات الملايين من الغرامات لتسوية تلك الحالات والقضايا.

أكثر من بقعة ضوء

يُشار إلى أن تشارلز كوتش، صاحب أعمال أميركي وله مساهمات في الأعمال الخيرية. شريك في ملكية «صناعات كوتش» مع شقيقه ديفيد. يمتلك تشارلز 42 في المئة من المجموعة العملاقة، وهو ما يجعله أحد أغنى أغنياء العالم. أما شقيقه دافيد، فهو من مواليد 3 مايو/ أيار 1940. صاحب أعمال أميركي وناشط سياسي ومهندس كيميائي، وشريك مع شقيقه الأكبر تشارلز في الشركة الصناعية. يعتبر من أكبر أثرياء العالم حيث احتل في العام 2013 المرتبة السابعة في قائمة أغنى أغنياء العالم.

وبالنسبة إلى مؤلفة الكتاب، جين ماير، فقد ولدت في مدينة نيويورك. والدتها، ميريديث، وكانت رسَّامة. أما والدها وليام ماير، فهو مُلحِّن. جدُّها الأكبر إيمانويل ليمان، أحد مؤسسي بنك ليمان براذرز.

تخرَّجت في العام 1973 في فيلدستون. وحين كانت في المدرسة الثانوية، أمضت سنة في مدرسة بيدالس الراقية في هامبشاير بإنجلترا. تخرَّجت في العام 1977 في جامعة ييل الأميركية، وتابعت دراستها في جامعة أكسفورد.

بدأت ماير مسيرتها الصحافية في ولاية فيرمونت، بالكتابة إلى صحيفتين أسبوعيتين صغيرتين هما: «ويذرسفيلد» و «بلاك ريفر تريبيون»، قبل أن تنتقل إلى صحيفة «روتلاند هيرالد» اليومية. بعد انتقالها إلى واشنطن العاصمة عملت كمراسلة لـ «واشنطن ستار»، لتنضم بعدها إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» في العام 1982، والتي عملت لديها لمدة 12 عاماً، وهي الفترة التي اصبحت فيها أول مراسلة صحافية في البيت الأبيض، لتتبوأ لاحقاً منصب كبيرة الكتَّاب ومحرِّرة الصفحة الأولى.

عملت كمراسل حربي ومراسل أجنبي للصحيفة، حيث كتبت تقارير عن تفجير ثكنة أميركية في العاصمة اللبنانية (بيروت)، وحرب الخليج، وسقوط جدار برلين، والأيام الأخيرة للشيوعية في الاتحاد السوفياتي السابق. تم ترشيحها مرتين من قبل الصحيفة لجائزة بوليتزر عن الكتابة الصحافية التحليلية. لها مساهمات أيضاً في «نيويورك ريفيو أوف بوكس»، «واشنطن بوست»، «لوس أنجليس تايمز» و «أميركان بروسبكت».

تشارلز كوتش  - ديفيد كوتش
تشارلز كوتش - ديفيد كوتش
غلاف الكتاب
غلاف الكتاب




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً