نظم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة اليوم الاثنين (1 فبراير/ شباط 2016) ندوة بعنوان "العمالة السائبة في دول مجلس التعاون الخليجي: التحديات والحلول"، بفندق الريجنسي، بمشاركة نخبة من الباحثيين المتخصصين والمهتمين في هذا المجال. وألقى رئيس مجلس أمناء مركز "دراسات" خالد الفضالة كلمة افتتاحية رحب فيها بالمشاركين وأشار في كلمته أن هذه الندوة تأتي ضمن سلسلة الندوات التي ينظّمها مركز "دراسات" حول التحدّيات التي تواجهها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وأشار الفضالة في كلمته إلى أنه منذ مطلع السبعينيات، أدت حزمة من العوامل والمتغيرات إلى تدفق كبير للعمالة الأجنبية نحو دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تأتي في مقدمتها الزيادات الكبيرة في معدلات النمو الاقتصادي وذلك بسبب الارتفاع المتصاعد في إيرادات النفط. وأنه رغبة في الاستفادة من ذلك الواقع فقد شرعت دول المجلس في إقامة مشروعات وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتطلب موارد بشرية كبيرة، لذا كان خيار استقدام العمالة الأجنبية أمراً لامفر منه، وأصبحت دول المجلس من أكثر الدول في العالم جذباً واستعانة بالقوى العاملة الوافدة. مؤكداً أن العمالة الوافدة تستحق كل التقدير لما ساهمت به في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال العمل في مختلف القطاعات.
ويضيف الفضالة أنه مثلما كان لهذه العمالة ومازال دور حيوي في إرساء البنية التحتية والإسهام في النهضة الحضارية المعاصرة لدول المجلس، فإنها أيضا أدت إلى بروز آثار وتداعيات سلبية على صعد متعددة وأبعاد متشابكة، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً. حيث أنه مع تقادم الزمن تحولت قضايا العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون إلى هاجس يؤرق الحكومات والرأي العام والمجتمعات، حيث كان الهدف الرئيسي من استقدامها يندرج ضمن الأهداف الاقتصادية، إلا أن التفاعلات التي أثارتها والتداعيات الناجمة عن تزايدها، باتت تشكل خطراً يهدد أمن واستقرار دول المجلس في الحاضر والمستقبل، ولاسيما وإن حجم العمالة الأجنبية أصبح من الضخامة، بحيث أمست تشكل النسبة الغالبة لقوة العمل ونسبة عالية من السكان. وأنه قد بلغت قيمة التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى بلدانها نحو 100 مليار دولار العام 2014.
من جانب آخر، قال الفضالة إن وفي ظل التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية المعاصرة، أمست قضايا العمالة الأجنبية أداة للضغط السياسي والاقتصادي من جانب بعض الدول المتقدمة ومن الدول المصدرة للعمالة والمنظمات الحقوقية الدولية، ووسيلة للتدخل في شؤون وسياسات دول المجلس بدعوى انتهاكها لاتفاقات العمل الدولي وحقوق الانسان.
وأوضح أن الندوة تسلط الضوء على العمالة السائبة، والتي يطلق عليها في أيضاً العمالة غير الشرعية، والتي تنتشر في بلدان العالم الغنية، والتي إما أنها قد دخلت إليها بصورة غير قانونية أو أنها استمرت في البقاء رغم انتهاء صلاحية إقامتها. وعلى الرغم من عدم وجود احصاءات رسمية لحصر هذه الظاهرة، إلا أن ثمة أعداد كبيرة من العمالة السائبة في دول مجلس التعاون. حيث بدأت ظاهرة العمالة السائبة كحالات فردية ثم ترعرعت في ظل بيئة حاضنة ومواتية ومساعدة لتبرز في السنوات الأخيرة كظاهرة ذات تأثير كبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني.
وأضاف أنه تبرز خطورة العمالة السائبة من أنها عمالة غير مسيطر عليها، حيث إنها لا تخضع لضوابط في حركتها وانتقالها وممارستها للعمل، بالإضافة إلى عدم وتوفر إحصاءات أو بيانات دقيقة عن أعدادها ونوع المهن التي تمارسها والأموال التي تحصل عليها، مما يؤدي إلى ضعف سلطة الدولة عليه ، بحيث يصبح تعقبها أو محاسبتها أمراً صعباً ومكلفاً. وأنه بالنظر إلى الحجم الكبير من العمالة السائبة في دول مجلس التعاون فإن وجودها يؤدي إلى زيادة في حجم تحويلات الأجانب إلى الخارج، وهو ما يفقد دول المجلس أموالاً طائلة. حيث تشير بيانات البنك الدولي التقديرية الى حجم هذه التحويلات، والتي تتراوح من 4 في المئة إلى أكثر من 10 في المئة من إجمالي الناتج القومي. والتي لو صرفت داخل دول المجلس لارتفعت معدلات النمو في إجمالي الناتج القومي بحسب تلك التقديرات. ومن جهة أخرى، يعد الاقتصاد الخفي في دول مجلس التعاون الخليجي معضلة حقيقة والتي تقدر بعض الدراسات نسبته بأنه يفوق 19 في المئة في من حجم الاقتصاد في دول مجلس التعاون. وتعد العمالة السائبة المصدر الأبرز لتكوين الاقتصاد الخفي لحد كبير في دول المجلس. حيث تقدم العمالة السائبة خدمات بأسعار تنافسية تتضرر منها المؤسسات الوطنية على وجه الخصوص، وتواجه منافسة غير عادلة. لذا أنه في واقع الأمر فإن الأنشطة التجارية الخفية للعمالة السائبة تساهم في صعوبة الوصول لإحصاءات اقتصادية صحيحة ودقيقة وشاملة بما في ذلك القيمة الصحيحة للناتج المحلي الإجمالي. حيث أنه ليس من المستبعد أن يكون الرقم الفعلي للناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون أعلى من ما هو معلن.
وأكد أنه تحاول دول مجلس التعاون معالجة ظاهرة العمالة السائبة بشتى الأساليب ومختلف الوسائل، بما فيها الترحيل أو المحاكمة وفق الإجراءات المناسبة، ومنحها بين الحين والآخر فترات سماح لتعديل أوضاعها أو لمغادرة البلاد. إلا أنه ما تزال دول الخليج العربي في محاولات دائمة للتخلص من العمالة السائبة أو إيجاد حلول واقعية لها، حيث أصبحت اليوم خطراً حقيقياً على الأمن القومي والأمن الاقتصادي، والامن الاجتماعي. وقال سعادته بأن هذا هو ما دفع غرفة التجارة والصناعة بمملكة البحرين إلى التعاون مع مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "درسات" إلى إعداد دراسة حول هذه الموضوع وتناولها التناول العلمي الرصين وصولاً لوضع حلول يمكن من خلالها التوصل إلى تحقيق آثار ونتائج ذات مردود ايجابي على اقتصاد مملكة البحرين. وتنبع أهمية تناول هذا الموضوع من الإدراك المتنامي بخطورة ظاهرة العمالة السائبة وضرورة التصدى لها في الوقت الحاضر بخطط مدروسة وآليات واضحة وأدوار محددة لمختلف الجهات ذات الصلة بها.
كما أشار الفضالة إلى أن أهمّ قناعة يمكن الخروج بها من تاريخ دراسة لسياسات هجرة الأيدي العاملة هو أنّ الهجرة غير الشرعية للعمّال أمر حتميّ الحدوث مهما كانت سياسة التعامل معها. وهنالك محركات يمكن من خلالها فهم ظاهرة الهجرة عموما وهجرة العمالة تحديدا، لذا فمن الضروري إمعان النظر في طبيعة القوى المحركة لها ومراقبتها وذلك بسبب تعرض هذه القوى لعملية تطور وتغيير باستمرار، حيث أن ما كان يعد محركاً دافعا للهجرة بالأمس قد لا يكون هو نفسه ما يدفع للهجرة الى هذا البلد أو الإقليم اليوم، كما أنه قد لا يستمر في المستقبل. حيث أنه منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم كانت هناك خمس قوى أساسية محركة للهجرة في العالم هي: أولاً: الفجوة في مستويات الأجور وفرص العمل بين البلدان الفقيرة والغنية، ثانياً: الصراعات الإقليمية وعدم الاستقرار السياسي في البلدان النامية، ثالثا: نسبة الشباب في سكان البلدان المرسلة والمستقبلة للعمالة، رابعاً: أعداد المهاجرين الى البلدان المستقبلة للعمالة، وخامساً: انخفاض تكاليف النقل والسفر. لذلك بإمكاننا فهم كيف يخاطر العديد من الناس بأمنهم الشخصي، وحتى بحياتهم في محاولاتهم للدخول إلى الدول الغنية.
وقال إنّ حلّ المشكلات التي تتعلق بهجرة الأيدي العاملة تحتاج من أصحاب المصالح أن يكونوا على دراية تامة بأنه ليس هناك حلّ جذري وشامل لوقف الهجرة غير الشرعية للأيدي العاملة، أو حل مشكلة العمالة السائبة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تبنّي بعض السياسات التي تمّ وضعها لحلّ تلك المشاكل عالمياً سيحمل معه بعض المخاطر التي ربما تأتي بنتائج عكسية؛ بسبب التعقيدات في عملية هجرة العمالة. كما يعدّ حلّ مشكلة الهجرة غير الشرعية للعمال والعمالة السائبة في مملكة البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي أصعب بكثير من الاقتصادات المتقدّمة الأخرى، بسبب أهميّة العمالة الأجنبية فى سوق العمل الخليجي.
لذلك، يجب أن تنظر تلك السياسات فى أي خطوة يتم اتخاذها برؤية واقعيّة. حيث أنه من الصعوبة بمكان حلّ مشكلة العمالة السائبة بشكل تام، إلا أن يمكن لبعض الإجراءات أن تقوم بالقضاء عليها تدريجيّاً. علاوة على ذلك، يجب على صنّاع القرار تحقيق التوازن بين الرغبة فى إحداث تغيير في سوق العمل، مع الرغبة في تجنّب حدوث زعزعة لاستقرار لبعض القطاعات الاقتصادية. وعلى صعيد مجلس التعاون، فنعتقد بضرورة أن يقوم مجلس التعاون بوضع إستراتيجية تعاون شاملة ومتكاملة تشتمل على الخطط والإجراءات العملية ذات الرؤية الواضحة والجادة في التنفيذ.
وتناولت جلسات الندوة محاور عديدة مهمة اولاً في الجلسة الأولى تطرقت كيف يتضرر أصحاب الأعمال من ظاهرة العمالة السائبة؟ ما هي الخسائر التي تتراكم للشركات المنضبطة التي تتنافس مع الشركات غير المنضبطة؟ هل يعاني المستهلك من جودة منخفضة حينما يشتري خدمات العمالة السائبة؟ هل يشتكي العامل الأجنبي المنضبط من التنافس مع العامل الأجنبي غير المنضبط؟ الى أي مدى تواجه العمالة السائبة الخداع لإقناعهم بمغادرة بلادهم الأصلية؟ هل تفقد الحكومة إيرادات ملحوظة بسبب العمالة السائبة؟
في الجلسة الثانية، ناقشت الندوة معالجة مشكلة العمالة السائبة عبر سياسات داخلية للدول الخليجية حول: التشدد في تطبيق القانون على الحدود، العقوبات للعمالة المخالفة للقانون، العقوبات للشركات والأفراد الذين يتعاملون مع العمالة السائبة تسهيل الانضباط عبر تحرير الأسواق، تحفيز العمالة السائبة على العودة الى دولتهم الأصلية بعد انتهاء العقد.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة، فقد تناولت معالجة مشكلة العمالة السائبة عبر التنسيق مع الدول المصدرة للعمالة تطرق فيها طرح النموذج الفلبيني: هل هو ناجح، وهل يمكن تطبيقه في الدول الأخرى؟ مكافحة استغلال الوسطاء لخداع العمالة الوافدة ، سبل توعية العمالة الوافدة مخاطر الهجرة الدولية للأيدي العاملة، التعاون الأمني الدولي ودوره في مكافحة العمالة السائبة.
من جانب آخر، فتوضح الكلمة المفاهيمية التي تم توزيعها على المشاركين في فعاليات الندوة بأنه طالما يتكرر مشهد النزوح العمالي وربما الهجرة نحو البحث عن فرص العمل والشواغر الوظيفية في العديد من بلدان العالم ذات النمو الاقتصادي المتصاعد، وتشكل دول مجلس التعاون مناطق جاذبة للعمل ووجهة لهؤلاء الّذين يسعون لكسب الرزق نظراً لما تتميز به دول المجلس من مستوى اقتصادي مرتفع، بالإضافة إلى ثقافة شعبها الترحابية والمضيافة. حيث أنه منذ قديم الزمان يسعى البشر إلى الهجرة بحثاً عن حياة أفضل، ولا نبالغ بالقول بأن الولايات المتحدة الأميركية - وهى أقوى دول العالم في وقتنا الحالي - تأسّست على أفواج من المهاجرين الذين تركوا بلادهم سعياً إلى فرص اقتصادية أفضل. وقد أصبح ضغط هجرة الأيدي العاملة إلى الولايات المتحدة الأميركية ضخماً جداً؛ مما أدّى إلى قيام الحكومة الأمريكية بإغلاق حدودها، وتطبيق نظام معقّد من شأنه أن يحدّ من عمليّة هجرة الأيدي العاملة المتدفّقة إلى أميركا. وعلى الجانب الآخر، تقوم أنظمة هجرة الأيدي العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي بتسهيل الهجرة المؤقتة للأيدي العاملة، إذ من المفترض أن يعود الموظفون إلى بلادهم بعد انتهاء عقود عملهم. حيث تُعدّ أنظمة العمالة المؤقتة مميزة بالنسبة لدول الخليج؛ حيث تقوم بملء الفجوات الكبيرة الموجودة في سوق العمل دون أن تطلب أي التزامات طويلة المدى من قبل الدولة المضيفة، فيما يخصّ المساعدات الاجتماعية الحكومية. وتتميز أيضاً هذه الأنظمة بالمرونة أكثر من الأنظمة المستخدمة في الأنظمة الاقتصادية المتقدّمة الأخرى؛ ممّا يجعلها مرغوبة أكثر من غيرها؛ حيث إنّ نقص العمالة دائماً ما يكون غير متوقّع وعابر.
وأعرب المشاركون في الندوة عن خالص شكرهم وتقديرهم لاستضافة وتنظيم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات" لهذه الندوة المهمة.