مَنْ لا يعرف كوامي نكروما، إنه الزعيم الإفريقي الأبرز خلال فترة النضال ضد الاستعمار الإنجليزي، وتالياً رئيس جمهورية غانا بعد الاسقلال، ثم المنفِي قسراً منذ سنة 1966م عندما وقع انقلاب عليه دَعَمه الجيش، فآواه وعائلته الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذي كان حينها داعماً لحركات التحرر في إفريقيا والعالم، فمنحه بيتاً على ضفاف النيل، فاستقرت عائلته هناك لغاية الآن.
في العام 1957م وقعت عَيْنَيْ كوامي نكروما على فتاة مصرية آية في الجمال تعمل في أحد البنوك اسمها فتحية رزق. فقرر أن يتقدم لخطبتها إلاَّ أن والدتها عارضت تلك الزِيْجَة كَوْن نكروما أسْوَد البشرة ومن بيئة إفريقية مختلفة لا تتناسب والثقافة المصرية الحَضَريَّة. حينها، تدخل الرئيس عبدالناصر شخصياً لدى تلك العائلة، وشَفَع له أن يمرّ طلبه فتمت الزيجة بين كوامي وفتحية.
أسرد هذه المقدمة كي أضع القارئ في مشهد المقال الذي مناسبته سؤالٌ وُجِّهَ لنجل كوامي نكروما: جمال نكروما (وهو صحافي ومحرر الشئون الدولية بجريدة الأهرام ويكلي) قبل أيام عندما قابلته جيزيل خوري في بي بي سي عربي وسألته: هل تشعر بالعنصرية وأين (بسبب بشرته السوداء)؟
عندما سمع جمال هذا السؤال ضحك وقال: «هذا سؤال صعب» ثم سَرَدَ تجربته الشخصية مع لونه فقال: «خلال حفل استقلال غانا السنوي، دائماً ما يقوم السفير الغاني بتوجيه الدعوة إليّ». وفي إحدى المرات ولما دخل جمال نكروما إلى قاعة الحفل استقبله السفير الغاني في مصر قائلاً له: «أهلاً بأخينا الأبيض». فضحك جمال وقال له: «ولكن أنا في مصر أسْوَد» وفي غانا أبيض!.
أسرد هذه المحاورة وأنا متيقن أن الشعور بالتمييز موجود لدى مليار ونصف المليار من السُّود في هذا العالم. وهي على درجات متفاوتة من التمييز، بعضها فِعْلي يقوم على الضرب والاعتداء الجسدي، وبعضها لفظي يقوم على الشتيمة والازدراء، وبعضها بالإيماء والنظرات وإشاحة الوجوه عنهم وما يفعله ذلك من ألم نفسي في أؤلئك البشر.
قبل فترة قرأت لطالبة كونغولية تدرس في إحدى الدول العربية أمراً محزناً. تقول إن زملاءَ لها يتجنبون رفقتها في الأماكن العامة أو التعامل معها. ووصل الحال أن البعض يرفض الانضمام إليها حين يتم التقاط صورة سلفي معها، بينما البعض الآخر يوافق ولكن بشرط عدم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، والسبب أنها فقط صاحبة بَشَرَة سوداء! إنه لأمر فظيع!
وإذا أردنا الحقيقة والإنصاف، فإن هذه الممارسات لم تكن يوماً أمراً مختصاً بعوامّ الناس، بل ساهم «أدعياء العلم» في تأسيس ثقافة الكراهية هذه ضد السود. وليس بعيداً عنا أحد علماء الطبيعة والأحياء في جامعة هارفاد خلال القرن التاسع عشر وهو لويس أجاسيز الذي خَرَجَ بنظرية «الأنواع الثمانية» في الجنس البشري والتي تختلف عن بعضها تماماً. وكان ذلك تأكيداً لثقافة الرِّق الكريهة التي كان الرجل الأبيض بطلها، وبالتالي كانت آراؤه تثبّت الفوقية الاجتماعية ضدهم في أوروبا.
لقد كان الاعتقاد عندهم أن الإنسان الأسْوَد لا يرقى إلى كونه إنساناً بل هو في أقصى حدوده «سلالة حيوانية متقدمة». وكانت المبادئ الخاص بحقوق الإنسان لا تُطبّق على هؤلاء كونهم ليسوا بشراً، لأن جمجمتهم لا تَسَعَ إلى ما كانت تَسَعه الجماجم الأخرى التي يمتلكها الرجال البِيْض (كما كان يقول أجاسيز). لذلك كان الشعور السائد حينها أن تعليم هؤلاء هو خسارة مادية لا مبرر لها كونه جهداً ضائعاً.
ولا أعلم إن كان أجاسيز عندما قال ذلك قد سَمِعَ بالمهندس والمخترع الأميركي رونالد إل. جونز وهو رجل أسْوَد؟! أو هل سَمِعَ برجل أعمال اسمه مارك إيه. بوش كوَّن ثروته بذكاء وعصامية، وهو أيضاً أسْوَد؟! أو هل تناهى إلى سمعه اسم العالم الكبير مارك هانا، أحد مؤسسي سيليكون غرافيكس أو فون هاليارد الذي أصبح من كبار مديري ديزني التنفيذيين لمهارته وإبداعته التي أبهرت الكثيرين، وكلاهما أسْوَد البَشَرَة؟!
هناك عالِمٌ عظيم اسمه ماليغابورو ماغوبا، لم تمنعه بشرته السوداء ولا جمجمته من أن يكون من أعلام الطب في جنوب إفريقيا. وهناك عالِمَة مبدعة اسمها جورجيا م. دنستون لم تقف بشرتها السوداء حائلاً من أن تصبح بارعة في علم الوراثة البشري والمناعة، وهي أيضاً مؤسِسَة المركز الوطني للجينوم البشري في جامعة هوارد في براونوود بولاية تكساس.
ومن الطرافة أن نقول هنا أن أجاسيز حتماً لم يُدرك حكيماً اسمه لقمان بن عنقا وهو عبدٌ نوبي أسْوَدٌ «عظيم الشَّفَتَيْن مُشَقَّق القدمين». ولم يُدرك شاعراً فحلاً قال عنه جرير أنه أشعر أهل جلدته وبليغاً لا يُضاهى اسمه نصيب بن رباح أبو محجن، وهو أيضاً عبد أسْوَد. وهو حتماً لم يسمع بنافع بن أبي نعيم الليثي أحد القراء السبعة المشهورين، وهو كذلك رجل أسْوَد! فكيف يمكن لأجاسيز وغيره من دعاة التمييز أن يُفسِّروا لنا هذا من أناس لهم بشرة سوداء؟!
نعم، هناك انتقال للخصائص عبر البيولوجيا لكن لم يكن ذلك سوى جزء من الصورة، أما الجانب الأكبر فهو ذلك الكامن الذي لم ينتقل. وكما تقول دنستون: «العِرْق هو تصنيف اجتماعي يستند إلى خصائص متعلقة بالنمط الظاهري» وما عدا ذلك هو مجرد هراء. فالصحيح أن الناس أسوياء، قبل أن تتحكم فيهم القوانين الاجتماعية المجحِفة. وفي مثل هذه المواقف تظهر النفس على حقيقتها، ويُختَبر الشعار.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4895 - الأحد 31 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الثاني 1437هـ
قد لا يعرف الأبالسه من المبلسين ولا من أولاد الجنيه ولا أولاد من كما قالها الشعراوي أبناء الأيــــه؟؟؟ فلا مصر تعرف عروبتا ولا الأرض تتكلم عربي إلّا أن مصر أم الدنيا ولا يعرف البعض فيها طريق الآخرة من الأولى؟؟؟
مبدع في طرح الفكرة
للأسف هذا الواقع العنصري ليس في الغرب وحده بل حتى في المجتمعات المسلمة
اقتراح
اقترح على الأستاذ الكاتب محمد عبد الله محمد أن يصدر كتابا يجمع فيه جميع مقالاته التي نشرت في الصحيفة لما لها من غنى فكري ومعرفي .. يستفيد منه القارئ المتابع ويحتفظ بها .. فالشهادة لله أن جميع مقالاتك رائعة وذات مخزون علمي متنوع .. أرجو أن يحوز هذا الاقتراح على الكاتب ويرى النور قريبا .. إلى مزيد من العطاء يا أستاذ محمد
النبي ادم
اعتقد الكثير من العنص ريمون لا يعلمون ان ابونا ادم كان اسود. اتمني من الكل ان يتذكر ان دائمة ان اي لكل البشرية اساسها اسود.
معظم حكومات الغرب تساهم في زرع العنصرية وبالذات بريطانيا وامريكا وفرنسا يزرعونها ثم يوهمون العالم بمحاربتها
الفرق
الذي يفرق بين الناس سواء كان ابيض اواسود اويفرق اويطن واويلعن اويسب في اي من المذاهب هذا ايضا يفرق بي الاسود والابيض اعلموا رب العالمين لا يفرق وانتم ايها البشر تفرقون حسبي الله ونعم الوكيل فيكم ايها المغرضين
دائمة هي كتاباتك المفيدة والإنسانية أستاذ محمد