شهدت المنطقة العربية منذ أوائل القرن العشرين خاصة منذ بداية القرن الحادي والعشرين حركة منظمة لنهب وتدمير تراثها الحضاري، وبخاصة في مجال الآثار وذلك نتيجة خمسة عوامل رئيسية أولها عدم الوعي الشعبي من ناحية، وطغيان الحكومات، وتخلف فكرها الحضاري من ناحية أخرى. وثانيها تعرض المنطقة منذ تدهور حضارتها لسيطرة الاستعمار بصور متنوعة بلغت ذروتها في الحدة والجبروت منذ احتلال العراق عام 2003، ونهب متاحفه ، وثالثها ظهور «داعش» فجأة من العدم بفكر بالغ التخلف، ارتباطاً بذكرى معاهدة سايكس بيكو المشهورة عام 1916 والسعي لإعادة تقسيم المنطقة العربية في صورة جديدة منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، ورابعها دور الأثريين الغربيين والمستشرقين الذين نقبوا عن الآثار والتراث في باطن الأرض العربية وما فوقها من فكر ساهم فيه أكبر علماء العرب والمسلمين وقدموا اكتشافات عظيمة ومبهرة وروجوا لها من ناحية، ثم نهبوا البعض منها وشوهوا التراث الثقافي من ناحية أخرى، حيث أبرزوا السلبيات وتجاهلوا الإيجابيات ومساهمة الحضارة العربية الإسلامية في التراث الحضاري العالمي، وخامسها بروز فكر عربي إسلامي متخلف من بعض المثقفين والحكام فلم يهتموا بالآثار والتراث رغم أن الإسلام وفي أهم مصدر له القرآن الكريم دعا المسلمين ليسعوا في الأرض وينقبوا فيها ليكتشفوا آثار الأمم السابقة، ويدرسوها، ويأخذوا منها العظة والعبرة.
والواقع إن دورالأثريين والمستشرقين الغربيين ساعد في اكتشاف الحضارات السومرية والآشورية وحضارة تدمر وعاد وثمود وسبأ ناهيك عن حضارات بابل مصر ودلمون وغيرها في هذه المنطقة. وقد عجزت شعوبنا العربية عن الحفاظ على تراثها وحمايته والاستفادة منه لولا جهود المكتشفين والمستشرقين وهي جهود لم تكن بريئة في بعض الأحيان؛ ولكن ينبغي الإقرار بأن بعضها كان من أجل العلم والاستفادة منه للإنسانية بضم التراث العربي إلى التراث العالمي الإنساني. بعد أن أهملته شعوبنا وحكامنا عبر العصور الإسلامية التي طرأ عليها التدهور والتخلف الفكري والحضاري والابتعاد عن القيم والفكر الإسلامي الصحيح.
ولقد استمتعت بالاستماع للمحاضرة القيمة للكاتب والباحث السياسي رضي السماك في جمعية تاريخ وآثار البحرين التي يترأسها عيسي أمين الذي عرفته خبيراً في الطب و الثقافة و تاريخ المنطقة، خاصة تاريخ البحرين، كما عرفته إنساناً متواضعاً دمث الأخلاق بعيداً عن حب المظاهر والدعاية، فهو بحق نموذج فريد في المثقف الحق والمسلم الصادق، والإنسان المتفاني من أجل الهدف السامي وعلى نمطه مع اختلاف الأجيال. يسير الكاتب السياسي والباحث رضي السماك الذي عرفته منذ عدة سنوات، واكتشفت كثيراً من مواهبه البحثية وتميزه عن كثيرين في الموضوعية والحيادية والمنهج العلمي، ونشرت له مجلة الدراسات الاستراتيجية التي كان يصدرها مركز البحرين للدراسات والبحوث سابقاً عدة دراسات متميزة، وكان يبحث عن موضوعات أهملها كثيرون مثل دور المجمع العسكري الأميركي في المنطقة العربية، ومن أحدث مقالاته عن دور مصر في تمثال الحرية الذي أهدته فرنسا للولايات المتحدة ونشر المقال في صحيفة «الوسط» قبل أيام قلائل. وفي هذا السياق جاءت محاضرته القيمة وبحثه الدؤوب عما أهمله بالنسيان أو بالتجاهل كثير من الباحثين.
ولقد أثارت المحاضرة شجون الحاضرين عندما عرض بالصور حالة النهب والسلب التي تعرضت لها حضارة العراق ومتاحفها، وحضارة سورية وتدميرها من قبل الجهلة الذين يسمون «داعش» وهم من سلالة هولاكو الذي سبق ودمر بغداد ومن أحفاد الاستعمار الذين نهب تراث هذه المنطقة بل هم أكثر العالمين جهلاً رغم أنهم للأسف يحملون ثوباً إسلامياً ليستر عوراتهم؛ ولكن هيهات فقد اكتشفهم العرب والمسلمون ، كما اكتشفوا من سار على نهجهم ممن عاثوا في الأرض فساداً باسم الإصلاح أو الدين أو باسم محاربة «داعش» وهم في التخلف العقلي، والفكر الطائفي سواء، والإسلام بريء ممن دعا بدعوى الجاهلية وقسم المسلمين طوائف وشيعاً.
وأعتقد أن علماء المسلمين جميعاً عليهم مسئولية سيحاسبون عليها يوم القيامة لعدم تصديهم بقوة لمثل هؤلاء المفسدين في الأرض من مختلف الأقطار، ومختلف الطوائف.
ومن هنا فإنه يجب على المثقفين جميعاً، وممن يؤمنون بالعروبة والإسلام وقيمه الصحيحة، العمل من أجل الإسلام الحق بإخلاص بعيداً عن الخلط بين الدين والسياسة ومآربها، وحقاً قال الشيخ محمد عبده المصلح الإسلامي المصري في بداية القرن العشرين عندما سئل عقب عودته من فرنسا كيف وجدها؟ فقال «وجدت في فرنسا إسلاماً بلا مسلمين وفي بلادنا مسلمين بلا إسلام». إن الإسلام الحق هو قيم ومبادئ وسلوكيات قبل أية أمور أخرى، وهذا شأن كافة العقائد والأديان.
فالإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله (ص) هو دعوة للمحبة والتسامح والاعتدال، ولعل من بساطة الإسلام وتسامحه أن دخل الكثيرون في دين الله أفواجاً ولم يدمر آثار مصر أو فارس أو الهند أو بابل وآشور أوتدمر، أما طغاة العصر الحاضر فهم يدمرون الآثار بدعوى أنها أصنام ويتمسحون في إبراهيم عندما دمر الأصنام ومحمد عندما كسر الأصنام حول الكعبة وهم لا يفهمون ما الفارق بين الأصنام والتماثيل التي هي من إبداعات الحضارة الإنسانية في هذه المنطقة، ولا يفهمون الفارق بين دعوة الإسلام لمعرفة آثار الشعوب والأمم السابقة وبين فكرهم المتخلف في تدمير هذا التراث بصورة وحشية والإساءة البالغة للفرق والإثنيات، وأصحاب العقائد السابقة. في حين أن الإسلام دعا لاحترام أصحاب تلك العقائد. كما أوصى الخلفاء الراشدون جنودهم بعدم المساس بالزرع أو المرأة أو الأطفال أو كبار السن أو الرهبان في صوامعهم في الحرب. وهذا ما أرسى دعائم الإسلام وفكره قبل الدعوات للقانون الدولي الإنساني المعاصر، كما أقام التسامح بين الأديان والطوائف في صحيفة المدينة أقدم دستور إسلامي، وأكد على وحدة الوطن والولاء له والدفاع عنه؛ ولكن الجهلة أخذوا كلمة الأمة خارج سياقها، وحولوا الإسلام إلى كهنوت، وحركات سرية تخريبية طامعة وساعية للسلطة.
لقد أبرز المحاضر رضي السماك قيام بعض المثقفين والخبراء العرب بالسعي لاستعادة التراث المنهوب، وفي مقدمة هؤلاء التجربة المصرية التي سعت لاسترداد الكثير من قطع الآثارالمنهوبة؛ ولكنه من ناحية أخرى بعد أن عرض لنتائج الدمار من «داعش» الإرهابية المخربة تأسف على استعادة أي تراث منهوب إذا كان الغرب يحتفظ به في متاحفه الحديثة ويقدمه بصورة لائقة للعالم، وأنا أشاركه في هذا الحزن والأسى، وفي ترك تراثنا المحتفظ به عالمياً في متاحف برلين أو لندن أو باريس أو نيويورك وغيرها حتى نستيقظ من سباتنا العميق، ونتخلص من الدعوات الجاهلة لتدميره، ونتعلم كيف نحافظ عليه، أي حتى نسمو حضارياً ويدرك حكامنا ومثقفونا ونخبنا السياسية أو بعضهم على الأقل قيمة تراثنا فهو ذاكرة أوطاننا، وحتى يهتم به الإعلام العربي الذي ما انفك عن الجري وراء نشر الفضائح، وترديد الخلافات بدلاً من الدعوة لكلمة سواء تعزز صفوفنا وتقوي مواقفنا ومكانتنا.
إن بعض إعلامنا للأسف أخذ من الغرب أسوأ ما فيه مثل البرامج الحوارية التي تثير الخلافات والفرقة والانقسام وترك ما لديه من علم ومعرفة. فهل يستيقظ العقل العربي قبل فوات الأوان؟!
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 4895 - الأحد 31 يناير 2016م الموافق 21 ربيع الثاني 1437هـ
كلمات تخرج من القلب
الاسوأ في ذلك كله تدمير عرى التواصل و تفكيك العلاقات الاجتماعية و النسيج الوطني للمنطقة و زد على ذلك نهب ما يستطاع حمله و تفجير و تكسير ما لا يحمل. و اليوم فإن دور المجموعات الثقافية التوعية و تسليط الضوء على هذه المآسي إلى جانب تثقيف المجتمع بخطورة الحروب على الامة.
في عام 2003 أعلن بوش الابن عن حرب صليبية جديدة على العالم الإسلامي و اليوم هي جلية للمتأمل فحرب في العراق وسوريا و ليبيا و اليمن و فلسطين و محاولة اشعالها في مصر و غيرها كل هذه تفسير لكلمة بوش و ان لم تكن مباشرة من الصليبين.