مع نبل المشاعر التي عبر من خلالها الكثير من المغردين والناشطين في فضاء الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي عن تضامنهم التام مع شهداء تفجيرمسجد الإمام الرضا في الأحساء كحال التضامن مع كل الجرائم الإرهابية التفكيرية، إلا أن ذات الأصوات القبيحة المتلذذة بسفك الدماء تحوم بشيطنتها ضمن محاولة فاشلة لإثارة النعرات الطائفية الخبيثة.
ومن اليسير متابعة حجم ذلك التضامن من خلال حسابات التغريد «تويتر» أو تطبيق الصور «انستغرام» أو واجهة الكتاب «فيس بوك» حيث عبر الآلاف من الخليجيين والعرب والمسلمين عن حزنهم وتضامنهم مع ذوي الشهداء تارة، والتعبير عن الغضب (لعدم التعامل بحزم مع مصدر فكر الدواعش وعموم الإرهابيين، ومن يحرضهم ويغذيهم ويمولهم ويحميهم)، غاب مغردون كبار لهم صولات وجولات من مشايخ دين وإعلاميين وكتاب، حتى أن أحد أشهرهم (تعريفًا) كتب تغريدة في خضم الحدث الدامي: «عدت من البرازيل إلى الرياض وسأحدثكم غداً عنها وعن أحوال أهلنا فيها بما يسركم»!
الدعوة والدعاة
وانتشر مقطع لحظة القبض على الإرهابي الذي فجر المصلين في مسجد الإمام الرضا «ع» في قرية محاسن بالأحساء بالمنطقة الشرقية في صلاة الجمعة (29 يناير/ كانون الثاني 2016)، قناة (elnady tv) على اليوتيوب، فيما نوعت القنوات الفضائية في تقاريرها المقاطع المصورة والمنقولة، لكن أحد المشايخ المشهورين وهو سعد البريك، أبعد التهمة عمن ينتسبون إلى الإسلام مؤكداً أنه لا يوجد ولا حديث ولا أثر يدعو لقتل المخالف في ملته أو عقيدته ما دام لم يخرج على المسلمين بالاعتداء عليهم، زاعماً أن كل العلماء والدعاة حذروا من الاعتداء على الأنفس وأن إسقاط الحدث على الدعوة والدعاة هي محاولة غبية لمحاصرة النور حتى لا يقتحم الظلام، لكن الكثير من المغردين اعترضوا ورفضوا ما طرح على اعتبار أن السواد الأكبر من الدعاة في السعودية وعموم الخليج وفي العالم العربي والإسلامي التزموا الصمت ولم يخرج منهم (إلا الضعيف من المواقف)، وإن أولئك الدعاة غالباً ما يعترضون على الفعل وطريقة القتل، ولا يختلفون على أساس ومصدر فكر هؤلاء المجرمين ومنبعهم ومن يغذيهم وهنا الخطر الأشد.
القاتل والمحرض والعلاج
وأعاد عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان وأستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء والمشرف العام على شبكة رسالة الإسلام الشيخ عبدالعزيز الفوزان أن المقصود بالحادث الإجرامي ليس قتل عدد من السنة أو الشيعة، وإنما تفجير الأوضاع في السعودية وإثارة الفتنة الطائفية، وربط تغيردته بمقطع من مقابلة في إحدى القنوات الفضائية في يوم الحادث، فيما كان طرح الكاتب توفيق السيف مباشراً: «تفجير مسجد محاسن... تفجير الأحساء: القاتل معروف والمحرض معروف والعلاج معروف وما تخفيه الأيام من بلاء معروف أيضاً لمن أراد صلاحاً أو إصلاحاً».
بناء جيل جديد
وكان للإعلامي، رئيس تحرير برنامج (أكشن يا دوري) وليد الفراج عبارة قصيرة كتب فيها: «لماذا تفجير مسجد الاحساء؟ إنه التعايش الذي نعيش به ويستفز المتطرفين منذ 1400 عام... بلادنا أقوى وشعبنا أكثر حكمة»، لكن فاعلية تلك التغريدة كانت ممتدة إلى مطالبة الكثير من المغردين المعتدلين بالمطالبة ببناء جيل جديد من مرحلة الروضة ينبذ الكراهية والتطرف، وهذه مسئولية وزير التربية والتعليم، فيما ذهب آخرون إلى السخرية من هشاشة التعامل مع الخطاب التكفيري المتطرف حتى أن حوادث تفجير المساجد كأنها مهرجانات للكلام الممجوج المكرر عن الوطن والأخوة والمحبة ونبذ الطائفية، ثم يعود الطائفيون أنفسهم لذات التحريض والعمل الشيطاني لا حسيب ولا رقيب.
بيوت للقتل والترهيب
وعلى نحو قريب، استشهد الإعلامي محمد أبوعبيد من قناة (العربية الحدث) بالآية القرآنية: «في بيوت أذن الله لها أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه»، لكن يأبى الإرهاب إلا أن يجعلها بيوتاً للقتل والترهيب. في حين اختار المغرد السعودي عبدالله الودعاني الدوسري رفض أن يكون الترويج للحادث الإجرامي على أن المستهدف فيه هم (الشيعة)، ومن يقول ذلك إما جاهل أو حاقد مأفون حسب وصفه، فالمستهدف هي (السعودية) واستقرارها، والمغرد محمد الأحمد، فني صيانة أجهز تحكم بشركة (أرامكو) نشر في حسابه خبر إصابة عمه في الحادث الإرهابي مع صور الإصابة ليتفاعل معه مغردون من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية متمنين لعمه وللمصابين الشفاء وللشهداء الرحمة.
بين المقتول والقاتل
واعتبر الصحافي السعودي، محمد آل عبدالكريم في تغريدته أن تفجير- محاسن استهداف للوطن وليس لطائفة، وتناول حساب التغريد (الفوز الحساوي) لطالبة علوم سياسية وإدارة عامة بجامعة الكويت : «الاحساء هي رمز من رموز التعايش السلمي بين المذهبين، لذلك لا تستغرب هذا الفعل الخبيث الذي يستهدف زعزعة المنطقة»، وقال الشيخ أحمد موسى جمعة إمام وخطيب جامع بدولة الإمارات العربية المتحدة: «جاء في الحديث الصحيح، يقول المقتول لله: يارب هذا قتلني، فيقول الله جل وعلا للقاتل... تعست، ويُذهب به إلى النار»، ولعل ما طرحته امتثال أبو السعود، ناشطة سعودية مهتمة بالشأن العام يمكن أن يكون داخلاً في إطار المطلب الأعم لحماية دول الخليج والدول العربية والإسلامية من مخاطر إرهاب (داعش وأخواتها) فقد كتبت: «إنما بداية الإرهاب الطائفي يوم تُرك المحرضون يصولون ويجولون شتماً وتكفيراً لا رادع يلجمهم، ولا قانون يجرمهم»... وهنا بيت القصيد.
العدد 4894 - السبت 30 يناير 2016م الموافق 20 ربيع الثاني 1437هـ