العدد 4894 - السبت 30 يناير 2016م الموافق 20 ربيع الثاني 1437هـ

«قيمة الرواية» لبيتر بوكسال... ويل سيلف أخطأ: الرواية تزدهر

استمدَّت قوَّتها من هشاشتها...

د. هـ. لورانس - ويل سيلف - بيتر بوكسال
د. هـ. لورانس - ويل سيلف - بيتر بوكسال

تقرأ لارا فيغيل، من صحيفة «الغارديان»، في عددها ليوم السبت (23 يناير 2016)، كتاب الناقد والمحرِّر وأستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة ساسكس بيتر بوكسال «قيمة الرواية»، وتعرِّج على محاورته المليئة بالاحترام والتقدير للنظرية الأدبية في القرن العشرين، وهو إذ يقف على بعض ما يردِّده المنظرِّون في الفن الروائي، لا يكون صدى لتلك الأصوات، بقدر ما يذهب في المحاججة بالدقة التي عُرف بها، واتكائه المعرفي الذي أنجز ما يشبه المسح لأعمال قرن من الرواية الأوروبية والأميركية. ويظل مؤمناً بأن الأدب العظيم يحظى بقيمته إلى يومنا هذا. يتناول بوكسال أسماء مهمة في المشهد الروائي الغربي، من ديفو، ميلفيل، بيكيت، وولف، وديليلو. يتمكَّن في كثير من رؤاه من إقناع نقَّاد ظلوا على مواقفهم المتصلِّبة في نظرتهم إلى الرواية الواقعية، وتلك التجريبية. تستشف فيغيل من مراجعتها لكتابه أنه ينزع إلى الاعتقاد بأن القصص تمكِّننا من معرفة المزيد عن عالمنا.

وفي متن ما يطرح يتقاطع مع القائلين بموت الرواية، استدراجاً إلى مقولة موت الكتاب في جانب من تلك الرؤية، وفي المحصِّلة موت الفن. وأن الملخصات التي يقدِّمها موقع «أمازون» لن تنجح في تثبيت تلك القناعة. هنا أهم ما ورد في مقال فيغيل.

في مقال كتبه في العام 1925 بعنوان «لماذا الرواية مطلب»، احتفى ديفيد هربرت لورانس (11 سبتمبر/ أيلول 1885، وتوفي في 2 مارس/ آذار 1930) بالرواية باعتبارها «الكتاب المشرق للحياة». ووفقاً لكلامه، وحده الروائي يفهم أن هناك الكثير من الحياة في متناول اليد التي يكتب بها، كما هو الحال مع العقل الذي يفكِّر به، وحيث العلم والفلسفة امتيازان للعقل لمواجهة أية مسألة، بتحويل العقل المرْءَ في أحايين كثيرة إلى «شخص ميِّت في الحياة»، تبعث الرواية «حياة المرْء ضمن جوانبها الشاملة».

اعترف لورنس نفسه بأن الكتب لا تشكِّل الحياة، لكنه أصرَّ على أنها الرعدات التي تملأ كل الفضاء الكوني من حولنا تماماً كالأثير؛ ما يجعل الإنسان الحيَّ يرتعد وهو يتلمَّس مكانه في حيِّز من الوجود المُلِحِّ. الوجود الذي لا فكاك منه.

سيلف وموت الرواية

بعد ما يقرب من قرن من الزمان، أعلن الكاتب والروائي الإنجليزي ويل سيلف موت الرواية. واستناداً إلى سيلف، توافُرُ كتلة آخذة في توسُّع الأدب على شبكة الانترنت يحول بيننا وبين تخيُّل أي شيء أصلي، كما هو دون أن يمسسه تدخُّل خارجي. أوجد اختفاء الحدود بين المجال العام الديمقراطي والمجال الخاص، انعكاساً على العقل في قدرته التخيُّلية على المشاركة المتواصلة مع أدب الخيال.

الآن شرَع بيتر بوكسال في الدفاع عن الرواية في مواجهة اتهامات سيلف، من حيث الاتكاء الجزئي على لورانس. بوكسال يدَّعي أن الرواية هي مناسبة بشكل مثالي لالتقاط الحياة في القرن الواحد والعشرين. ويجادل بشكل مقنع أن «سيلف» يتجاهل حقيقة أن الرواية - تاريخياً - هي النوع الذي استمدَّ قوَّته - على وجه التحديد - من هشاشته، من تلك الرعدات التي وصفها لورنس.

بالنسبة إلى بوكسال، نحن نُواجه الآن لا مادية العالم الافتراضي على الانترنت، وعلى نحو متزايد، في الوقت نفسه الذي نواجه فيه المادية المُخيفة لتغيُّر المناخ. الرواية، كما يزعم بوكسال، ماهرة وغريبة في استكشاف هذا التناقض، لأنها كشكل، يتم ابتداعها بفرضية أنها يُمكن أن تحتويَ على مادة الحياة (الهيئات، المكان والزمان)، في حين أيضاً أن الماديَّ الوحيد المتبقِّي يتحدَّد في مجموعة من الكلمات على الصفحة.

في خمسة فصول أنيقة، هنالك تقسيم بين الفن والمادة، أو الشكل والمضمون، ويستكشف بوكسال الطريقة التي احتفى بها الروائيون على مدى القرون الخمسة الماضية لقدرة القصة الخيالية على تقويض نفسها دون أن تفقد أياً من قوَّتها. فهو يقدِّم حجَّة متينة للرواية بوصفها النوع القادر على التقاط أقل الجوانب التي يُمكن تحديدها من تجربتنا. وفي الفصل المخصَّص للزمن، يُشير إلى أنها قادرة بشكل فريد على استحضار تجربة تجري في الوقت الراهن، مع الحفاظ على شكل المُخطط الزمني ثابتاً، عبْر أُسلوب مُحْكم يتم به عرْض الأحداث.

الثورة النظرية في القرن العشرين

هذه الملخَّصات لا تُنصف إشكال الجدَل الذي يذهب إليه بوكسال، من حيث تميُّزه برفض تقديم هذا النوع من الأقوال المُعمَّمة بشكل مقصود كما هو الحال في مقالات لورانس وسيلف.

هذا الكتاب (قيمة الرواية) بموضوعه في النقد الأدبي بليغ بشكل غير عادي؛ بحيث تبدو كل عبارة فيه قادرة على أن تُحدث فروقها الدقيقة، ويتم استدراج كل ملاحظة للدخول إلى حوار دقيق مع ما سبقها، وكل ما تم استخلاصه من النثر - عبْر الشواهد التي يشتغل عليها - يُشعرك أنه مكتوب بسهولة، وبالنتيجة هو سهْل لحظة قراءته.

على امتداد محاور الكتاب، يتحاور بوكسال باحترام مع النظرية الأدبية (نظرية الرواية، بصنفيْها التّقليدي والجديد، واستجوابها، مكونات الرّواية، من اللغة ومستوياتها، الزّمن، الحيّز، أشكال السرد، علاقة السرد بالزمن، والشبكة السّرديّة)، متولياً أيضاً التصدِّي للأفكار والأطروحات، وليس الاكتفاء فقط بصدى ما يردِّده المنظِّرون. يعتقد بوكسال بأننا تعلَّمنا دروساً مهمَّة من الثورة النظرية في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع ذلك، فهو يعتقد بأنه لايزال من المُمكن أن نرى الأدب العظيم وهو يحظى باستتباب قيمة له، وليس مجرَّد قيمة نفعية كتلك التي تطالب بها هيئات التمويل، تلك التي لها الآن الكثير من التأثير على التعليم العالي.

بهذه المُعالجة، يُقدِّم بوكسال سلسلة رائعة من القراءات المُذهلة لمجموعة من النصوص. وهو كما في الأصل يناقش القدِّيس أوغسطين وكذلك بول ريكور. وفي ارتياح يذهب إلى روايات ديفو أو ميلفيل وكذلك بيكيت، وولف أو ديليلو. بذلك، هو يمثل تحدياً في إقناع النقاد الذين أبدوا موقفاً متصلِّباً بين الرواية الواقعية (التقليدية) والأخرى التجريبية. كل يأتي من النزوع نفسه لسرْد القصص التي تمكِّننا من معرفة المزيد عن عالمنا.

في تجنُّب الأعراف الواقعية

يشير بوكسال إلى أن الرواية الواقعية التقليدية كانت دائماً تنتقد إجراءات المحاكاة الخاصة بها، وهي دائماً واعية لنفسها بأنها مجرد رعدات في وسط ينتشر فيه الضوء. روبنسون كروزو، تتمحور روايته التي هي عبارة عن سيرة ذاتية تخيلية، حول شاب انعزل في جزيرة ما، وحيداً لمدة طويلة دون أن يقابل أحداً، وبعد سنوات يقابل أحد المتوحِّشين الذي علَّمه بعض ما وصل إليه الإنسان المتحضِّر من تقدّم فكري وجعله خادمه. في نهاية القصة يعود كروزو مع خادمه إلى أوروبا حيث العالم المتحضِّر. ديكنز، تروي شخصيته الأولى للقارئ بعناية حالة الرواية بوصفها قصة مكتوبة. على العكس من ذلك، تجنّبت الرواية الحداثية الأعراف الواقعية جزئياً من أجل أن تكون أكثر واقعية.

في وقت نسمع فيه الكثير، ليس فقط أحاديث وكتابات عن موت الرواية، ولكن أحاديث وكتابات عن موت الكتاب، تبدو الانتقادات نفسها وقد أصبحت حديثاً عن موت الفن، تم استبداله بسهولة عن طريق ملخصات للقارئ على موقع «أمازون»، وهذا هو العمل المهم. وكقارئة رعناء، كنت أود لو أن ثمة بهجة خالصة أكثر بكثير في الكتاب يمكن للقراءة أن تتيحها، ومن دواعي سروري أن بوكسال نفسه، بطريقة قراءته عبْر قرون من النتاجات، قد التمس طريقه الواضح.

بيتر بوكسال

كاتب وأكاديمي بريطاني. يعمل أستاذاً لمادة اللغة الإنجليزية في جامعة ساسكس. تتركَّز أعماله حول الأدب المعاصر، والنظرية الأدبية والحداثة الأدبية. محرِّر لمجلة ذات حضور راسخ تُعنى بالنظرية الأدبية، تُعرف بـ «الممارسة النصيِّة».

كان المحرِّر الرئيس لكتاب «ألفُ كتاب وكتاب علينا قراءتها قبل أن نموت»، ويتضمَّن توصية بعدد من الأعمال الإبداعية التي أنتجها مؤلفون أحدثوا تغييرات كبيرة على ملايين القراء في العالم، بالموضوعات والقصص والتجارب التي عالجوها في أعمالهم، ويتضمَّن الكتاب المذكور، سيَراً ومؤلفات، مع مجموعة من الرؤى النقدية الرصينة تتناول تفاصيل الأعمال الروائية، كما يستعرض ويراجع بأدوات نقدية رصينة الحَبكات والشخصيات فيها، مع مادة ثرية ترتبط بتاريخ تلك الكتب، والتي يعدُّها النقَّاد من بين الأكثر أهمية بين جميع الأعمال الروائية والمسرحية. يلعب بوكسال على تنويعة من تلك الأعمال التي توزعت على الاتجاهات الرومانسية والكلاسيكية، وكذلك الخيال العلمي، وصولاً إلى الأعمال الإبداعية الحديثة.

ومن بين المؤلفات التي يشير إليها الكاتب: «جزيرة الذهب»، لروبرت لويس، «موت إيفان الرهيب» لتولستوي، مغامرات شارلوك هولمز لآرثر كونان، «ألف ليلة وليلة»، «رحلات جيلفر»، «الأحمر والأسود» لستاندال، «أليفرتوست» لتشارلز ديكنز، «الكونت مونت كريستو» لألكسندر دوماس، «الأوقات الصعبة» لتشارلز ديكنز، «مدام بوفاري» لغوستاف فلوبير، «قصة مدينتين» لتشارلز ديكنز، «الجريمة والعقاب» لفيدور دوستوفسكي، «الحرب والسلام» لتولستوي، «السكِّير» لأميل زولا، «آنا كارينا» لتولستوي، بلوغاً إلى الروايات التي رأى المؤلف أنها خلاصة الإبداع في القرن العشرين: «دكتور زيفاغو»، لبرويس باسترناك، «طبل الصفيح» لغونتر غراس، «المزاح» لميلان كونديرا، «مئة عام من العزلة» لغارسيا ماركيز، «العرَّاب» لماريو بيزو، «منعطف النهر» لنابيول، «اسم الوردة» لألبرتو إيكو، «سنة وفاة ريكاردو رتس» لخوسيه ساراماغو، «المريض الإنجليزي» لميشيل أونداتجي، «فيرونيكا تقرِّر أن تموت» لباولو كويليو، «ذهب مع الريح» لمرغرييت ميتشل، «الغثيان» لجان بول سارتر، «لمن تقرع الأجراس» لهيمغواي، «القوة والتألُّق» لغراهام غرين، «الغريب» لألبير كامو، «مزرعة الحيوانات» لجورج أوريل، «1984» لجورج أوريل، «الشيخ والبحر» لهمنغواي، «صباح الخير أيها الحزن» لفرنسوا ساجان، «أجنحة الحمامة» لهنري جميس، «الأم» لمكسيم غوركي، «الأعقاب الحديدية» لجاك لندن، «الموت في فينيسيا» لتوماس مان، «ليل ونهار» لفرجينا وولف، «الثعلب» لديفيد هربرت لورنس، «القلعة» لفرانز كافكا، «ذكري الأشياء القديمة» لمارسيل بروست، «عشيقات الليدي» للورنس، «وداعا للسلاح» لهيمنغواي، و «الزوجات» لفرجينا وولف.

ولبوكسال كتاب «تاريخ أكسفورد للرواية»، (المجلد السابع)، وكتاب «الرواية البريطانية والأيرلندية منذ العام 1940»، ومشروعه على أبرز الأعمال الروائية المعاصرة، في كتابه «روايات القرن الواحد والعشرين»، وصدر عن مطبعة جامعة كامبريدج في العام 2013، و «قيمة الرواية»، وصدر عن مطبعة جامعة كامبريدج أيضاً.

ويل سيلف

اسمه الأصلي، ويليام وودارد سيلف، مؤلف إنجليزي من مواليد 26 سبتمبر 1961، كتب للصحافة، كما إنه شخصية تلفزيونية معروفة.

له تسع روايات، وخمس مجموعات تضمُّ قصصاً قصيرة في مجال الخيال، وخمس مجموعات قصصية قصيرة تحوي موضوعات أخرى. تُرجمت أعماله إلى 22 لغة. دخلت روايته «مظلَّة» ضمن القائمة المختصرة لجائزة مان بوكر. معروف عنه أنه صاحب خيال ساخر، وبشع، وخيالي، وتدور أحداث قصصه في الغالب داخل العاصمة (لندن)، وتتضمَّن موضوعاته غالباً المرض العقلي والمخدّرات والطب النفسي.

مساهم منتظم في الكتابة إلى عدد من الصحف ودور النشر، من بينها «الغارديان»، «هاربرز»، «نيويورك تايمز» و «لندن ريفيو أوف بوكس». يكتب حالياً عموداً في «نيو ستايتسمان»، وعلى امتداد سنوات كان كاتب عمود في صحيفة «الأوبزرفر»، و «التايمز» و «إيفيننغ ستاندرد».

غلاف ألف كتاب وكتاب
غلاف ألف كتاب وكتاب
غلاف قيمة الرواية
غلاف قيمة الرواية




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً