بدءاً من الأسبوع المقبل، ستهتمُّ هذه المساحة بتقديم ما يقترب من «بورتريهات النصوص» أكثر من اقترابها وتركيزها على الوجوه والأسماء؛ دون أن يعني ذلك أنها ستكون بمعزل عنها.
ليست جديدة مثل تلك الكتابة؛ إذ سبق الاشتغال عليها في «الوسط»، وتحديداً في صفحاتها اليومية في مراحلها الأولى، وملحقها الأسبوعي بداية انطلاقها، في محاولة للاقتراب من بعض الأعمال المهمَّة، مع التفات إلى صنَّاع النصوص، أولئك الذين تكرَّست نصوصهم وتكرَّس حضورهم في المشهد الثقافي والإبداعي، وتم تصنيفها/ تصنيفهم ضمن الصفوف الأولى؛ وحتى أولئك الذين لم ينجوا من تصنيف مُؤذٍ تبعاً لمزاج هنا، أو تصفية حسابات هناك، وذلك ربما هو ما لم ينل اهتماماً من التجربة الأولى، على رغم أنها لم ترْمِ من وراء ذلك تعميق ذلك التكريس، أو إهمال أصوات كانت تتقدَّم بقوَّة وثقة، وأنجزت فيما بعد نصوصاً وآثاراً لا يمكن تجاوزها؛ علاوة على أن تقديم وقراءة واستعراض كثير من الإصدارات البحرينية، على الأقل في الذي نشهد، يكاد يكون حكْراً على منابر دون أخرى، وإن توافرت مثل تلك القراءات، إلا أنها تظل في حدود الانطباع، دون ملامسة حقيقية لقيمتها، واستجلاء فنياتها، وكمِّ الإدهاش الذي تكتنز به.
مثل تلك البورتريهات هي ما نحتاجه اليوم. هل هو الغياب الذي يكمن لنا من وراء سهو ونسيان، ذلك الذي نصحو عليه وقد ترك الأمكنة ناقصة، لها من الشجا الكثير مما يمكننا قراءته، ونعود محمَّلين بندم هو بمثابة مئونة لما تبقَّى لنا من أعمار؟
نحتاجها لاستيعاب حضورهم الذي نشهد، قبل أن ننشغل بالغياب الذي وإن منحنا رؤية مُضاعفة، إلا أنها تظل ناقصة أيضاً بغياب نص الحضور: حضورهم.
أعني أيضاً، أولئك الذين لم يبرحوا الحضور، ولكنهم اتخذوا مكاناً قصيِّاً لاعتبارات لا تحتاج على كبيرِ فطْنة كي نستوعب خيارهم، في ظل الشائع من الفتْك، والساري من أوبئة طالت قيَم النظر والتعاطي، وأبسط درس يمكن للإنسان أن يتعلَّم منه: أن يكون إنساناً بعلاقاته دون منٍّ أو أذى، وألاَّ يجد في الفتك نصه الضروري الذي به يحيا ويتنفس، ويجد ضالَّته في الحياة.
الخوف من الغياب ذاك، هو الذي يجعل لحضور أي منا معنى. حضور يعبِّر به عن عالمه والناس والأشياء، بما تمثِّله من قيمة مضافة، يجب أن يُقبض عليها قبل أن يختطفها مثل ذلك الغياب الذي لم نمرِّن أرواحنا على التعامل معه وكأنه لم يكن. يكتب العراقي سعدي يوسف ما يشبه البورتريه الذي أعنيه هنا، عن صديقه المصري أمل دنقل بعد طعْن الغياب، وهو بذلك يكتب نصَّه في غيابه «أردْت أن أسرَّك بأنني مُتعب، حدَّ أنني وددْت لو استطعت منك اقتراباً، عسانا نقرأ ما يحدث الآن قراءة أخويْن... غير أنني لا أريد أن أزيدك من أمري رهَقاً. يكفيك ما أنت فيه، يكفيك ما تحمله من أثقال هذا التراب. فلننتقل إلى زمنك، آن الحنان والحنين».
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4893 - الجمعة 29 يناير 2016م الموافق 19 ربيع الثاني 1437هـ