العدد 4893 - الجمعة 29 يناير 2016م الموافق 19 ربيع الثاني 1437هـ

الاستيطان على الساحل الغربي في الحقبة العيونية: سبسب وصدد

مخطط لعين اصخاري والقنوات المرتبطة بها (متحف البحرين الوطني)
مخطط لعين اصخاري والقنوات المرتبطة بها (متحف البحرين الوطني)

المنامة- حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

ذكرنا في الحلقة السابقة، أن الاستيطان على الساحل الغربي، في الحقبة الإسلامية، بدأ مع بداية السيطرة العيونية على البحرين، أي قرابة القرن الحادي عشر. ومن المناطق المهمة التي ذكرت أنها كانت مسكناً للعيونيين على الساحل الغربي هي كرزكان. وبالإضافة إلى ذلك، فهناك مواضع أخرى ذُكرت في مخطوط شرح ديوان ابن مقرب العيوني، وتقع على الساحل الغربي، وهي سبسب وصدد. وما ذكر نصاً في شرح الديوان هو مسجد سبسب الذي يقع في صدد؛ حيث أن الأمير العيوني علي بن الحسن بن عبدالله بن علي العيوني قد قتل في مسجد سبسب من قرية صدد من جزيرة أوال على يد أخيه الزير بن الحسن، وكان ذلك عام 1179م (الجنبي وآخرون 2012، ج5: ص 2989).

هذا، ومازال اسم صدد معروف حالياً كمسمى لقرية تقع على الساحل الغربي، وكذلك يوجد هناك مسجد معروف باسم مسجد سبسب، إلا أنه لا يقع في قرية صدد بل في قرية داركليب، المجاورة لقرية صدد حالياً. وربما كانت المنطقة الساحلية بأكملها، التي تشمل صدد وداركليب، تعرف باسم صدد ثم صغرت حدود الاسم ليقتصر على منطقة صغيرة بعينها. وقد كانت صدد بمثابة ميناء في الماضي، وكانت بها أملاك وبساتين للأمراء العيونيين، كما كان لهم أملاك في المنطقة المجاورة أي قرية كرزكان. وبذلك يكون ميناء صدد قريب بالنسبة لمساكنهم، وكذلك مسجد سبسب الذي اعتاد الأمراء العيونيون الصلاة فيه.

صدد وعين اصخارى

لقد كانت صدد قديماً، من المناطق الزراعية، وكانت أراضيها تسقى عبر نظام القنوات التحت أرضية والتي ترتبط بعين ضخمة تعرف باسم عين اصخارى. وتشير نتائج التنقيب الآثارية إلى أن أقدم اللقى الآثارية، التي تعود للحقبة الإسلامية، والتي عثر عليها بالقرب من عين اصخارى تعود للقرن الحادي عشر الميلادي، أما اللقى الآثارية الإسلامية التي عثر عليها في قرية صدد، فتشير النتائج إلى أن تلك اللقى تعود للفترة ما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين، أي في فترة سيطرة الدولة العيونية على البحرين (Larsen 1983, appendix 2)، وهذه النتائج تؤكد أن تلك المناطق المذكورة في شرح الديوان هي ذاتها المعروفة حالياً.

يذكر أن Bibby قام بتتبع نظام القنوات والعيون المرتبطة بها، والقريبة من قرية صدد وداركليب، وقد وصفها وصفاً جميلاً وذلك في كتابه «Looking for Dilmun» (Bibby 1970, pp. 51-53)، (وانظر الترجمة «البحث عن دلمون»، ترجمة العبيدلي 1985, ص 98 – 100). والمرجح أن العيون التي كان يقصدها Bibby هي عينا الحكيم واصخارى، وإن العين التي وصفها في كتابه هي عين اصخارى. وقد وصف Bibby هذه العين، بالعين الضخمة البيضاوية الشكل والتي يبلغ طولها قرابة مئتي ياردة (قرابة 182 مترا) وأن عمقها قد يصل إلى 20 أو 30 قدماً، ولها، من الداخل، مجموعة درجات تنحدر إلى قاعها (انظر مخطط العين). وعندما زار Bibby هذه العين في نهاية الخمسينات من القرن المنصرم كانت العين قد جف ماؤها، ونما بداخلها النخيل والأشجار وأصبحت، بحسب وصف Bibby، كواحة أو حديقة جميلة، مازال الماء يتدفق فيها ويجري في «تجاويف الصخور صافياً مثل البلور، في جريان دائم من العيون التي في الأعماق، يتدفق في سلاسل من الجداول بشلالاتها المصغرة تتساقط على صدوع الصخر».

ويتابع Bibby وصفه هذه العيون التي يصفها بالحدائق «لقد كانت هذه الحدائق هي العيون التي غذت القنوات بالماء، ولكنها لم تعد تمدها به. فقد انخفض مستوى الماء، ولم يعد ينبع إلا بقدر البخر السطحي من البرك المتكونة. ويمكن رؤية مدخل القناة في أحد أركان ذلك السياج، وقد علت قاعدتها بما لا يزيد عن قدم فوق مستوى الماء، ولكنه لم يعد ينساب فيها. وكان واضحا في بعض الأحيان أن الماء منخفض إلى درجة لم يعد بالإمكان فيه أن يعاود انسيابه أبداً، وفي أحيان كان كل المطلوب تنظيف القناة بالاستفادة من المدخنات التي بنيت دون شك لأجل هذا الغرض، فيعاد فتح القناة للري مرة أخرى. ولكن ذلك لم يتم. فعلى نهاية المنحدر الذي يمتد لمسافة ميل واحد، وحيث تقوم القرى التي كانت القناة تخدمها، فإن الزراعة -إذا كانت لاتزال قائمة- تتم ممارستها بالاعتماد على حفر تحفر إلى الطبقات التي تحوي الماء وباستعمال المضخات العاملة بالبنزين».

وقد أثارت هذه القنوات عدة تساؤلات عند Bibby الذي كتب متعجباً «ان تلك القنوات وبالعيون التي في مصادرها تشكل معضلة لعلماء الآثار، ولا تختص المعضلة بالعمر بقدر ما تختص بالعمق. وذلك للاختلاف في المستوى بين سطح الرمال خارج الجدران الواقية وبين سطح البساتين (أي العيون) الصخرية الداخلية. هل تم حفر الرمال باستخدام اليد لكل هذه المنطقة الهائلة من الصخر الصلد والينابيع المتفجرة هناك، والتي يبلغ ارتفاع الرمل بها ما يقارب العشرين قدماً؟». وقد أدت هذه التساؤلات لترجيح البعض أن هذه القنوات حفرت في فترة قديمة جداً، ربما فترة دلمون المبكرة، وأن الرمال تراكمت على هذه القنوات بفعل الزمن (الهاشمي 1979).

سَبْسَب ومسجد سَبْسَب

ذكر في مخطوط شرح ديوان ابن مقرب العيوني «مسجد سبسب»، وربما يكون المقصود هو المسجد المعروف اليوم بهذا الاسم والذي يقع في قرية داركليب. وأما سبسب فقد زعم البعض أنها كانت قرية قديمة، وقد ذكر سبسب سالم النويدري في بحثه «معجم مناطق البحرين» والذي نشر في المجلد الثاني من كتاب «موسوعة تاريخ البحرين»، وجاء فيه أن سبسب كانت قرية قديمة وأنها كانت تقع جنوبي قرية (داركليب)، وفيها مزار (الشيخ محمد السبسبي) أحد علماء البحرين في العصور السابقة». كما ينقل الجنبي عن مخطوط (تاريخ المدن والجزر السواحلية في الخليج الفارسي) الذي ألفه محمد إبراهيم كازروني في الفترة (1871 – 1885م)، وقد ورد في هذا المخطوط اسم قرية «سَبْسَب» والتي تقع في جزيرة أوال، وجاء عنها إنها بلدة قديمة وبها مسجد فخم ينسب بناؤه إلى الإمام الحسن المجتبى -عليه السلام- وذكر أن أحد خواصه -أي الإمام الحسن- مدفون فيه (الجنبي وآخرون 2012، ج5: ص 2990).

وقد علق الجنبي على قول كازروني السابق حول أن مسجد سبسب المذكور بني من قبل الإمام الحسن عليه السلام، بقوله:

«فهو -على ما يبدو لي- من باب إسقاط الأسماء المتشابهة على بعضها وهو كثيرٌ في المنطقة، ويتراءى لي أن الذي بنى هذا المسجد ربما يكون الأمير الحسن بن عبدالله بن علي العيوني، والد الأميرين علي والزير ابني الحسن المذكورين هنا من قبل صاحب النبذة، ولعل قول الكازروني في هذا المخطوط عن مسجد سبسب، أن أحد خواص الأمام الحسن مدفون فيه، ربما يكون المعني هو الأمير علي بن الحسن بن عبدالله العيوني قتيل أخيه الزير في هذا المسجد» (الجنبي وآخرون 2012، ج5: ص 2990 - 2991).

بالطبع، لا بد من جعل مساحة بسيطة لاحتمال أن مسجد سبسب المذكور في شرح الديوان غير مسجد سبسب الحالي، وأن سبسب في واقع الأمر اسم منطقة نسب لها المسجد. أما والد الأمير المغدور؛ أي الحسن بن عبدالله بن علي فهو من وحد الدولة العيونية من جديد، وهو الذي ضربت النقود العيونية باسمه والتي كانت تحمل نقش «لا إله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله». إلا أن بعد وفاته تناحر أبناؤه على الحكم وبدأ الضعف يدب فيها.

الخلاصة

أن الساحل الغربي للبحرين بدأ الاستيطان فيه، في الحقبة الإسلامية، منذ القرن الحادي عشر الميلادي، وقد اشتهرت في تلك الحقبة عدة مناطق ذكرت في شرح ديوان ابن مقرب العيوني وهي: كرزكان وسبسب وصدد. كما أن نتائج التنقيبات الآثارية تشير إلى أن بقية قرى الساحل الغربي تم استيطانها، في الحقبة الإسلامية، في فترات متقاربة بعد القرن الثاني عشر الميلادي.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً