العدد 4892 - الخميس 28 يناير 2016م الموافق 18 ربيع الثاني 1437هـ

أكاديمية «الأوسكار»... درس في تقليم العنصرية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تابع الملايين من محبي السينما خلال هذا الأسبوع، الجدل الدائر في الولايات المتحدة، حول استبعاد ذوي البشرة السمراء من جوائز الأوسكار العالمية.

في تلك البلدان، يثير «التمييز» حساسيةً شديدةً لدى الأكثرية، فتبدأ بالحديث والاعتراض واتخاذ موقف، فالمساواة بين البشر قيمةٌ مقدسةٌ، و»تكافؤ الفرص» من المبادئ التي أسهمت في تقدّم تلك الشعوب وتطور تلك البلدان. والمبدأ بسيطٌ ومنطقيٌ جداً: من يقبل ممارسة التمييز ضد غيره اليوم، عليه أن يقبل بالتمييز ضده حين تنقلب الأمور والمعادلات.

بدأت تنفطر خيوط اللعبة العام الماضي، فاللجنة ذات أغلبية بيضاء كاسحة، أشبه بحلقةٍ عرقيةٍ مغلقة، وأغلبهم فوق الستين عاماً، كما أن بنيتهم الفكرية تستبطن في اللاوعي فكرة الاستعلاء الأوروبي القديمة. فلم يكن غريباً أن تميل غريزياً إلى اختيار البيض، رموزاً للتفوّق في أحدث الفنون التي أنتجتها العقلية الإبداعية الغربية.

لو حدث ذلك في أيٍّ من بلداننا لما أثار اعتراضاً أو استنكاراً، لأننا شعوبٌ اعتدنا على التمييز بكافة أشكاله وأنواعه؛ الديني والمذهبي والعرقي والقبلي والمناطقي وحتى اللوني، مع أن أغلبية شعوبنا العربية سمراء بالوراثة. ولو حدث عندهم مرةً واحدةً لحُسب سقطةً يمكن اغتفارها، لكن عندما تكرّر للمرة الثانية هذا العام، فإنه أثار زوبعةً كبرى، فانبرى ممثلون عالميون كبار للإعلان عن مقاطعتهم الحفل.

المسألة تحوّلت إلى موضوع رأي عام، على مستوى الصحف والقنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، لتثير المزيد من الأسئلة الاستنكارية: فمن هم هؤلاء الذين يعبثون بثقافتنا ويتحكمون في مؤسساتنا ويمارسون التمييز العنصري ضد بعض مكوّنات شعوبنا؟ ولماذا يغامرون بتحطيم أحد علامات نموذجنا الحضاري القائم على التعدّدية والذي ظللنا نتباهى به على بقية الشعوب الأخرى منذ الستينيات؟

تحت هذه الضغط، اضطرت «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة»، المعروفة عالمياً بـ «الأوسكار»، للإعلان عن «تدابير» تضمن «زيادة التنوع بين الناخبين» الذين يختارون الفائزين، في محاولة لامتصاص موجة الغضب العام بعد الإعلان عن لائحة الممثلين المرشحين للجوائز، والتي جاءت خالية من الممثلين السود. ورئيسة الأكاديمية شيريل ايزاكس أصدرت بياناً للإعلان عن تغييرات أدخلت على قواعد العضوية والتصويت، بعد تعرضها للانتقادات بسبب تركيبة أعضائها العرقية، والتي نادراً ما تعترف بنجاح ممثلين أو مخرجين من غير البيض. بل إن أحد الأسباب التي أثارت حنق الكثيرين، أن أعضاء الأكاديمية الـ7000، يحتفظون بعضويتهم مدى الحياة، وهو من أكبر العوامل المسبّبة للجمود والتخلف وانهيار الأمم والحضارات. فالأمم لا يمكن أن تشق طريقها نحو التطور على أيدي من بلغوا سن التقاعد، مهما كانت حكمتهم وخبرتهم في الحياة، بل تتقدّم الأمم بحيوية الشباب وإبداعاتهم وأفكارهم المتجدّدة.

هذه الواقعة كشفت ظهر «الأوسكار»، فقيل الكثير عن هذا «النادي الذكوري الأكثر انعزاليةً في هوليوود». وهو ما دفع الأكاديمية للإعلان عن إجراءات ستبدأ بتنفيذها العام الجديد، بإطلاق حملة عالمية لضم أعضاء جدد أكثر تنوعاً، إلى جانب الأعضاء القدامى المتكلّسين، بهدف مضاعفة عدد أعضائها الإناث وغير البيض؛ إلى جانب إسقاط حق التصويت من العضو الذي يتوقف عن النشاط السينمائي لمدة 10 أعوام (ولو كانت 5 أو حتى 4 أعوام لكانت أفضل)!

هذه نتيجة حساسيتهم المفرطة تجاه التمييز العنصري، أما شعوب أخرى، فيشكّل التمييز ركناً أساسياً من تفكيرها ودينها وسياساتها، حتى أصبح ظلم الآخرين وتجويعهم وقتلهم على الهوية... جزءًا من سيكولوجيتها وتركيبتها النفسية المريضة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4892 - الخميس 28 يناير 2016م الموافق 18 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:14 ص

      أنا أقولها بكل صراحة أني أحب أمريكا البلد الذي درست فيه و أعود لزيارته دائما ففي هذا البلد لا يوجد إسلام و لكن يوجد أخلاق و عدالة الإسلام، مشكلتنا أننا ننظر و نحكم على هذه البلد بدون تجربه حقيقية و من زاوية السياسة الخارجية فقط و علاقتها مع إسرائيل. الواقع الذي عشته شخصيا أن العنصريه و إن كانت موجوده في أمريكا فهي محاربه على جميع الأصعدة ولا مجال المقارنه مع أي بلد عربي أو للأسف أي بلد إسلامي، في أمريكا تستطيع أن تكون مسلما حقيقيا بالقول و الفعل فالمجتمع هناك لا يقبل الظلم داخليا على الأقل.

    • زائر 2 | 11:29 م

      العنصرية في كل مكان ا...

    • زائر 1 | 11:12 م

      البشرية تبحث عن مصادر العنصرية لتقضي عليها ونحن كمسلمين اولى من غيرنا بذلك لأن أهم مبادئ ديننا هي محاربة التمييز الطبقي والعنصري .
      لكن للأسف المسلمين حاليا اسم فقط

اقرأ ايضاً