العدد 4891 - الأربعاء 27 يناير 2016م الموافق 17 ربيع الثاني 1437هـ

تعلمت الدرس

في مناوبة لي في أجنحة الأطفال، دخل ولد في الثانية من عمره تشكو والدته من «نعاسه الزائد»، إضافة إلى حركته المترنحة، وهو ما يعرف طبياً بالـ «ataxia». خلال استفهامي عن التاريخ المرضي تبين أن السيدة كانت تواظب على إعطاء الطفل «أدوية للزكام» 3 مرات يومياً على الأقل في الأيام القليلة السابقة! طلبت منها أن تريني الأدوية فأخرجت صندوقاً حوى 3 زجاجات لمستحضرات ما يعرف بمضاد الهيستامين (anti-histamine) كانت قد ابتاعتها بتوصيات من بعض الأقارب. توصلنا كفريق طبي إلى أن سبب أعراض الطفل هي الجرعات المتكررة والزائدة لهذه الأدوية، فشعرت والدته بأنها قد أضرت به من حيث لا تدري بسبب تلك التوصيات.

«التسوق» بين العيادات والصيدليات بحثاً عن أدوية لعلاج أمراض شائعة ليس بالأمر الغريب، وهو يتجلى بشكل أكبر في عالمنا العربي نتيجة قلة الوعي بأسباب وطرق علاج مثل هذه الأمراض، التي عادة لا تحتاج إلا لقليل من الوقت كي تتلاشى أعراضها. ولعل ظاهرة التسوق هذه تبدو أكثر شيوعاً في مجال طب الأطفال، لاسيما في فصل الشتاء، حيث تنشط كثير من الفيروسات المسببة لعدوى الجهاز التنفسي وما يصاحبها من أعراض الزكام والسعال، فتجد الآباء يتسابقون على شراء مستحضرات خصصت لعلاج هذه الأعراض من دون الرجوع لاستشارة الطبيب المختص.

الكثير من هذه الأدوية تنتشر في الصيدليات الخاصة ومراكز التسوق، ويمكن شراؤها من دون وصفة طبية، وهو ما تستغله شركات التصنيع الدوائي لعرض بضاعتها بطرق ابتكارية تجبر المريض على «التسوق»، وهو ما يزيد الأمور تعقيداً في كبح جماح هذه الظاهرة.

لذا فالمناط بالمرضى أو ذويهم مراجعة الطبيب المختص قبل استعمال أي دواء لبيان مدى فاعليته في العلاج، لاسيما أن سوء استعمال بعض الأدوية قد يؤدي إلى أعراض جانبية تكون نتائجها سلبية على المريض كما حدث لابن تلك السيدة.

عولج الطفل، ولله الحمد، وخرج من المشفى بعد يومين تقريباً، لكن قبل مغادرته سألت والدته عن صندوق الأدوية ذاك، فقالت لي «رميته في الزبالة.. فقد تعلمت الدرس»!

د. عبدالله تقي

طبيب أطفال، مستشفى الفروانية، دولة الكويت

العدد 4891 - الأربعاء 27 يناير 2016م الموافق 17 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً