بات علينا جميعاً أن ندخل مرحلة ترتيب أولوياتنا، الأولويات التي تعني المفاضلة في المهام والمسئوليات وفق الأولى فالأولى، لأن الوقت يجبرنا أن نزن حياتنا في ميزان أي الكفتين أرجح، تحديد الأولويات بحاجة إلى ثقافة ليست مبنية على الطوارئ والواقع المفترض، إنما تبنى على قناعة بأنها أساس النجاح في الحياة.
ترتيب الأولويات هو تنظيم إيجابي قائم على التخطيط وتقديم ما هو مهم وعاجل على ما هو مهم وغير عاجل وعاجل غير مهم، وهذه المصفوفة القائمة بين الأهمية والعجلة تؤدي إلى توفير المال والجهد واستثمار الوقت فيما ينفع. يشار إلى أننا مجتمعات أنفقنا وقتنا في أعمال غير مهمة وغير عاجلة، حتى أصبح مجتمعنا مفخماً بسلوكيات وعادات نحسبها أولويات وهي في حقيقتها مدارات للنفس والمجتمع من حولنا.
جميعنا يتمنى لحياته الأفضل وبلوغ الراحة والدعة وتحقيق الأمنيات، الأمنيات التي مهما اختلف مسارها ووسائلها لكن غايتها واحدة وهي التميز في المال والجاه والمنصب وامتلاك أدوات الرفاهية مهما اختلفت المسميات، وأصبحت المفاضلة فيمن يبلغ تلك الأمور، فتسابق الناس، ومعها تضاءلت جوهر الإنسانية، وأصبحت أولوياتنا طيلة حياتنا مرتبطة بتلك الأمنيات، ونكرس جهدنا وطاقاتنا لتحقيقها، وتأخذنا الحياة، وننسى من حولنا، ولِمَ خُلقنا من أجله، ونصارع الزمن الذي لا نملكه، ويبقى السؤال من يحدد أولوياتنا؟ هل هي ثقافة الناس السائدة؟ أم الأنا وحب الذات؟
المرحلة القادمة مع شد الحزام، بدأ الناس بالتفكير في وضع خطة اقتصادية لعوائلهم وإعادة ترتيب أولوياتهم لفترة غير معروفة درجة انحدارها ومدتها، وإلى أين تصل الأمور فيها، هي مرحلة مهمة لاختبار قدرتنا في وضع أولوياتنا، ليس على المستوى المعيشي فقط، على رغم أهميته إذ إنها عامل مساعد، لأن مجتمعاً مفخماً بالكماليات والدعة لا يعصر ولا ينتج، وأيضاً مجتمع مدقع بالفقر هو محط للجهل والرذيلة، لذا لا يجرفنا الزمان إلى هذا أو ذاك، ولا يكن همُّنا المقاتلة من أجل الحياة دون كرامة لكي نعيش، هنا تأتي تحديد الأولويات، وهو مفهوم شبه غائب عنا في التطبيق العملي، لأن نصدم بعائق قاعدة الترتيبات بمعنى على أي أساس يعتمد الإنسان ترتيب أولوياته، هل على أساس القيمة أم الحاجة، على السهل المتيسر، أم على الأقل مخاطرة، الناس مختلفون في ترتيب أولوياتهم باختلاف قدراتهم وإمكانياتهم ونظرتهم للحياة وإيمانهم وثقتهم بربهم، فمنهم يبني ترتيب أولوياته على الإستراتيجية المبنية على القيمة أي إعطاء الأولوية للعمل بالأمور ذات القيمة العالية التي تبني الذات الانسانية، وهناك من يعتمد استراتيجية المخاطر الأكبر بمعنى التي فشلها ربما يتكرر وتأجيلها يضاعف فشلها كونها تحتاج إلى طاقة وتكرار، فيبدأ بها أولاً، وآخرون ركنوا إلى استراتيجية من الأسهل إلى الأصعب، ومنهم من يبدأ بالأولويات التي تحقق نجاحاً مضموناً حتى ولو وجد الأهم منها، ومنهم من يرتب أولوياته بما يتوافق مع المجتمع من حوله، ووفقاً لما يراه ويخطط له الآخرون، ومنهم من يطبق استراتيجية البدء بالأولويات الداعمة التي لا تكون لها قيمة حقيقية بحد ذاتها؛ لكنها تساعد في تحقيق أولويات أخرى أكثر أهمية، وأخيراً يأتي من لا يرتب أولوياته، فيبدأ بكل ما يطرأ عليه من العاجل الملحّ بدون قياس تأثيره وأهميته. ومع هذا يبقى لكل إنسان أولوياته لكن كيف يرتبها ترتيباً سليماً هو أصل النجاح، ومن لا يعيرها اهتماماً يصبح كمن يسير بغير هدى.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4891 - الأربعاء 27 يناير 2016م الموافق 17 ربيع الثاني 1437هـ