العدد 4890 - الثلثاء 26 يناير 2016م الموافق 16 ربيع الثاني 1437هـ

ثلاثة شعراء بحثوا عن الشعر في «الجدوى والأكاذيب النبيلة والبعد اللامرئي»

«مجاز للثقافة» تساءلت في ندوتها الحوارية: «الشعر... لماذا؟»...

الندوة الحوارية التي نظمتها مجموعة مجاز للثقافة بعنوان : «الشعر.. لماذا؟»
الندوة الحوارية التي نظمتها مجموعة مجاز للثقافة بعنوان : «الشعر.. لماذا؟»

المقشع - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

قد يكون لزاماً على الشعراء أن يقفوا (في حيرة)! أو لنقل، يلزمهم أن يبحثوا عن إجابة ذات عمق منطقي حين يسألهم أحد : «الشعر... لماذا؟»، وفي حضرة الشعر والسؤال، صال ثلاثة من الشعراء وجالوا في محيط الجدوى وخيال الأكاذيب النبيلة وبصرية البعد اللامرئي.

الشعر في عالم اليوم

وفي الندوة الحوارية التي نظمتها مجموعة مجاز للثقافة بعنوان : «الشعر.. لماذا؟» مساء (الاثنين 25 يناير/ كانون الثاني 2016) في مساحة (مشق للفنون) بالمقشع، تحدث ثلاثة من الشعراء هم: كريم رضي، أحمد رضي وأحمد العجمي، وأدارها الناقد زكريا رضي الذي استهل اللقاء بمقدمة صاغها في محيط السؤال عما إذا كان لايزال للشعر ضرورة في عالم اليوم، ولاسيما في خضم الموجة المذهلة لثورة المعلومات وعالم الإعلام الجديد وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي التي ضغطت القصيدة إلى بيت من الشعر، وحولت الرواية إلى قصة قصيرة، لكنها مع ذلك، جعلت السواد الأغلب من الناس يعيشون أحداث العالم لحظة بلحظة، وهنا، نسأل عن جدوى الشعر في عالم اليوم.

كرم «الشعر» وبساطته وتواضعه

والإجابة الأولى جاءت على لسان الشاعر كريم رضي، الذي اختار صبغة خاصة لإجابته بالقول: «أهمية الشعر تنبع من أنه من الكرم بمكان بحيث يسمح لنا أن نطرح هذا السؤال عليه؟ فنحن لا نطرح سؤالاً من قبيل لماذا ننام؟ لكن لكرم الشعر وبساطته وتواضعه، أقول إنه يسمح لنا أن نسأل لأنه يختلف عن الأمور الأخرى لأن غير (الشعر) هو من الدكتاتورية والقمعية والتسلط بحيث لا تسمح لنا أن نسألها عن جدواها بل نسأل أنفسنا وغيرنا عن جدواها».

وفيما يتعلق بضرورة الشعر أم أن وجوده (عبثي)، أشار كريم إلى أن الشعر - مذ عرفناه - وهو في حرب دائمة مع (الجدوى)! وعما هي جدواه عبارة عن سؤال منبثق من المجهول، لكن في عصرنا الذي تتعاظم فيه العولمة وهيمنة الرأسمالية المتوحشة، فالشعر ضروري لأننا نعيش في عالم قائم على الجدوى.

باختصار.. يحرك العالم

وقبل الانتقال إلى إجابة الشاعر أحمد رضي، ساق مدير الندوة زكريا رضي موقفاً من الذاكرة مع الأديب علوي الهاشمي بجامعة البحرين مستذكراً ما قاله: «إن مهمة الشاعر أن يقول ماذا يفعل لأن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: «والشعراء يتّبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون»، فلزام على الشاعر أن يقول ما يفعل، فكان مدخل الشاعر أحمد رضي هو: «قد نسأل لماذا الاقتصاد؟ ولماذا الحب؟ ولنسأل أيضاً ولماذا الشعر؟ ذلك أن الشعر هو الذي يحرك العالم باختصار، فأغلب الأفراد والمجتمعات تقوم أفعالها على صور شعرية مختزلة، وهي التي تحرك وجود الناس، فنحن مخترقون جميعاً بالشعر».وزاد قوله بأن الشعر في معناه الواسع ودوره اختراق الصورة الشعرية التي تتيحها وسائل الإعلام عبر التلفاز والسينما والصور الفوتوغرافية والمسيطر عليها من قبل الطبقات الحاكمة والجهات التي تملك وسائل الإنتاج، فنحن نتنفس ونعيش بالشعر الذي تنتجه هذه الطبقات عبر صور مختزلة، كما أن طبيعة العقل والذاكرة - مهما قامت على التحليل والتفكير - هي في النهاية تختزل كل المعلومات إلى صورة شعرية مكثفة مختزلة في العاطفة، مثال ذلك، الحلم الأميركي، فكل مواطن أميركي تتحرك أمامه صورة منزل... حديقة... سيارة... أطفال يلعبون في مرج، ومنها أقول أن كل مجتمع يقوم على مجموعة أساطير أسماها الفيلسوف إفلاطون (الأكاذيب النبيلة)، وهدفها توحيد الطاقات الروحية للشعر من أجل أن تكون ضمن النظام القائم، لكن... لماذا طرد إفلاطون الشعراء من مدينته الفاضلة؟ وهنا أقول إنه لم يطرد جميع الشعراء ومنهم الشاعر الغنائي الذي أعطاه مرتبة أعلى كونه من رسل الإله حسب وصفه، لكن على الشاعر الغنائي هذا أن يلتزم ويروج الأكذوبة النبيلة أو أنه سيُطرد! ويعرّف أفلاطون الشعر بالأشياء المجنحة المقدسة، فالشعر في حد ذاته يحوي بذور المثالية واليوتوبيا ليكون قادراً على النقد، فبدون مثالية لها رؤية للمستقبل وحلم للمستقبل وفق إمكانيات الحاضر، يستحيل على الشاعر أو على الفنان بشكل عام أن ينتقد.

إدماج في البعد الإنساني

ولم يجد الشاعر أحمد العجمي في السؤال المطروح :»لماذا الشعر؟»، أنه سؤال يتطلب إجابة يقينية! بل يدخل في إطار أسئلة الفلسفة التي تولّد سؤالاً ثم تتعمق فيه ولا الإجابة على طريقة الرياضيات أو الفيزياء، لكن لماذا الشعر؟ وهل هناك ضرورة للشعر؟ فيستطرد... دائمأ كان للشعر وظائف اجتماعية وجمالية، وبالتالي تطور هذا الشعر فلولا الملاحم كالإلياذة لم نعرف اليونان، ولولا المعلقات لم نعرف تاريخ العرب، وبالتالي، فإلى جانب الناحية الجمالية هناك جوانب معرفية، ولو لم يكن هناك شعر، فإن هرم (ماسلو) يضعنا في الحاجات الدنيا كالحيوانات تقتصر حاجاتها على الأكل والشراب والبحث عن المأوى، وكلما تطورنا في الهرم كلما ذهبنا إلى الجانب المعنوي، والشعر هو من هذا الجانب، وبالتالي عندما يكون هناك شعر فإننا ندخل في البعد الإنساني.

التفكير بالمخيلة

وأضاف أن بدون الشعر فنحن سنبقى نفكر بطريقة واحدة وهي الطريقة المستقيمة (1+1=2)، لكن هناك طريقة تفكير بالمخيلة وهي الطريقة غير المباشرة، فلولا الشعر ولولا التخيل لن استطيع المقاربة بين الغيمة والكعكة... دائرة كبيرة... أساسها الماء... ولا يستطيع أن يقوم بذلك إلا الشعر والشعرية، وهنا، حتى العلوم البحتة، ومنها الهندسة، استعارت التخيل من الشعر... فلو لم يكن هناك تخيل لما استطاع المهندس أن يبدع في التصاميم فهي طريقة تخيل، والطريقة المتخيلة، ومنها الشعر، لها وظائف لا مرئية في اكتشاف النقص، فالشعر في البعد اللامرئي عبارة عن حركة مطلقة.

وفتحت الندوة المجال للحضور الذين قدموا العديد من المداخلات والتساؤلات التي دارت في إطار الإجابة على السؤال، وبعضها دار في فلك ما طرحه الشعراء ذاتهم، إلا أن المحصلة النهائية هي أن وظائف الشعر في كل زمان ومكان، تمثل حراكاً إنسانياً إبداعياً متجدداً يخاطب كل الحضارات.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً