من فظاعة جريمة التمييز أنه حتى الذين يستخدمون هذه الأداة المدمّرة للروح البشرية ضد غيرهم، يرفضون أن تُستخدم ضدهم حتى لو كانت في أضيق حدود التعبير.
الفيلم الأميركي (freedom writers)، تناول هذه القضية برؤية فنية مؤثرة، حيث لاتزال تعاني منها الإنسانية حتى الآن، بما فيها تلك المجتمعات ذات التجارب الديمقراطية العريقة. والفرق أن المجال مفتوحٌ هناك للتعبير عن رفض هذه الممارسات الآثمة، ومناهضتها بكل الطرق المتاحة، فنياً وكتابياً وسينمائياً، بينما في الدول التي يحكمها التخلف والاستبداد، يتم مطاردة من يرفع صوته ضد هذه السياسة البشعة، ويُودع السجن وتشوّه سمعته، ويُتهم في وطنيته ويُلطّخ شرفه بالأكاذيب والافتراءات.
فيلم «كتاب الحرية» تدور أحداثه في صفٍّ بمدرسة إصلاحية، يجمع طلاباً من أصول أميركية وآسيوية وإفريقية، تجمع خليطاً من الأعراق: الأبيض والأصفر والأسمر والأسود. وفي الحصص الأولى يشهد الصف ملاسنات وتوترات دائمة بين الطلاب، تصل شرارتها إلى طريقة معاملتهم الفظّة للمعلّمة الشابة الطموحة التي عُيّنت حديثاً. وبسبب هذه التوترات يستمر تعطّل الدروس الأولى، حتى يقع حادث قتلٍ لأحدهم بعد ملاسنةٍ بأحد المتاجر التي يملكها أحد الصينيين. تستغل المعلمة الذكية هذا الحادث المؤلم لفتح كوّة في هذا الجدار الصلب، فتسألهم: هل تعرّض أحدٌ منكم لحادث إطلاق نار؟ فيرفع الجميع أيديهم. إنهم جميعاً ضحايا في هذا المجتمع الذي تتحكم فيه جماعات الكراهية.
يجري حوارٌ بينهم فيقول أحدهم تعليقاً على ردود أفعال ضحايا التمييز العنصري: «إنهم يقاتلون من أجل انتزاع الاحترام الذي يرفض البيض منحه لهم». فالسود كانوا يحاولون فرض احترامهم على الآخرين من خلال البروز في كرة السلة، أو حلبات الملاكمة، كما في حالة محمد علي كلاي وجون آرثر جونسون وشوجر روبنسون وغيرهم من الزنوج. وتقول طالبة أخرى: «شاهدت أبي يُعتقل أمامي، والرصاص يُطلق على صديقتي من خلفها، فقط بسبب اللون». ويفضفض الآخرون، كلٌّ يسرد بعضاً من تجاربه البائسة في هذا المجتمع المريض.
قامت المعلمة بخطوةٍ أخرى على طريق العلاج، فاشترت كرّاسات من مالها الخاص، لتوزّعها عليهم ليكتبوا فيها مذكراتهم، عن تجاربهم الشخصية مع التمييز، سواءً من الماضي أو الحاضر أو حتى عن المستقبل، على أن يضعوا كراساتهم في الخزانة للإشارة إلى سماحهم لها بقراءتها.
كانت عملية فضفضةٍ ذاتية، وتخفّف من المشاعر السلبية، ومراجعة للذات... أشبه بعملية فتح للجرح وتنظيفه من القيح والصديد. وهكذا نتابع هؤلاء الطلاب لنعيش مع ذكرياتهم التي تغطيها طبقة من الغبار.
الطالبة الأولى، التي كانت أكثر مشاغَبَةً، بدأت تتحدّث عن مشاهدتها لأمها وهي تُضرب أمامها، وهي تجربةٌ صعبةٌ على نفسيات الأطفال، تظل محفورةً في الذاكرة طويلاً ويصعب نسيانها. طالبٌ آخر بصحبة صديقه في الحديقة، فيتعرّض الصديق لطلقٍ ناري، فيحاول أن يسعفه، إلا أن الشرطة بمجرد وصولها إلى مكان الحادثة، اقتادته للسجن بتهمة القتل، فالإدانة جاهزة ولا تحتاج التهمة إلى تحقيق. وحين تطّلع المعلمة على هذه التفاصيل الواردة في مذكراتهم، تدرك أنها حياة جنونية تلك التي نرغم فيها على أن نكون ضحايا لكل هذا الحقد والعنصرية والتمييز.
على طريق العلاج، تأخذهم المعلمة إلى رحلةٍ ترفيهيةٍ خارج أسوار المدرسة، ما يعد تغييراً كبيراً يعيشونه لأول مرةٍ في حياتهم. وتقوم بجمع ما كتبوه وتصدره في كتابٍ بعنوان «مذكرات كتاب الحرية». وهي قصة حقيقية لا خيالاً، للكاتبة إرين غرويل، صاغتها من خلال تجربتها الشخصية في 1999، وتم إنتاجه في فيلمٍ العام 2007 اخترناه عنواناً لهذا المقال. وقام طلابها بإنشاء مؤسسة «كتّاب الحرية» لنشر هذه التجربة الإنسانية الجميلة على طريق مناهضة جريمة التمييز.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4888 - الأحد 24 يناير 2016م الموافق 14 ربيع الثاني 1437هـ
هذا هو الوضع الآن
في إيران والعراق وسوريه وجنوب لبنان ومناطق سيطرة الحوثي في اليمن
ههههه.... تكلموا
تكلموا جماعة تورا بورا
مثل هذه المواقف تكون حزينة جداً: الطالبة الأولى، التي كانت أكثر مشاغَبَةً، بدأت تتحدّث عن مشاهدتها لأمها وهي تُضرب أمامها، وهي تجربةٌ صعبةٌ على نفسيات الأطفال، تظل محفورةً في الذاكرة طويلاً ويصعب نسيانها.
فعلا إنها حياة جنونية تلك التي نرغم فيها على أن نكون ضحايا لكل هذا الحقد والعنصرية والتمييز.
وصلت الرسالة الينا
لكن هل وصلت اليهم؟
أهم شي
إنها وصلت ليكم