العدد 4888 - الأحد 24 يناير 2016م الموافق 14 ربيع الثاني 1437هـ

متى يصبح المواطن هو الخيار الأول؟!

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

في القصة القصيرة المعنونة بـ «رسالة إلى الله» (!A Letter to God) يروي الروائي والشاعر والصحافي المكسيكي جراجوريو لوبيز فيونتز (Gregorio Lopez Fuent 1897 - 1966)، قصة لينكو Lencho الفلاح المكافح، الذي يعتمد بشكل أساسي على ماء المطر لريّ ما يزرعه من ذرة وبقوليات. وذات مرة أتت الرياح بما لا يشتهيه، حيث جاءت عاصفة قوية من البردي hailstones استمرت مدة طويلة، حيث قضت على كل زرعه.

ولقوة إيمانه بالله، وأنه سبحانه لا يدع أحداً يموت جوعاً، فقد كتب وبشكل مستعجل رسالة إلى الله، شرح فيها ما حدث لزرعه، وطلب بشكل مستعجل مبلغاً محدداً من المال ليعينه مع عائلته على العيش تلك السنة، ووضع الرسالة في الصندوق المخصص للرسائل بمكتب البريد.

وعند فرز الرسائل تحيّر موظفو البريد إلى أي عنوان يأخذونها! فهي معنونة «إلى الله»، وبدون أي عنوان محددّ وبالطبع هذا الأمر لم يحدث لهم من قبل، وقد أثار لديهم موجة من الضحك والسخرية، ولكن بعد برهة من الزمن قرر المسئول فتح الرسالة ليقرأها ويعرف مضمونها، عسى أن يتمكنوا من إيصالها للجهة المعينة. وبعد قراءتها، تنهد المسئول قائلاً: «ما أعظمه من إيمان!» وعليه قرر أن يساعد هذا الفلاح البسيط، وذلك بجمع المبلغ المطلوب من معاشه ومن تبرعات زملائه في العمل، ولكنه لم يستطع أن يؤمن المبلغ كاملاً.

هذا، وفي اليوم التالي أتى الفلاح وأعطى الموظفين اسمه وأخبرهم بأنه ينتظر رسالة... وعلى الفور أعطيت له، وقام بفتحها، ولكنه بعد عدّ النقود كان منزعجاً، وعلى الفور كتب رسالة أخرى جديدة بصورة مستعجلة إلى الله، شاكراً إياه سبحانه على ما أعطاه... وذكر أن المبلغ أقل مما طلب. وعليه طلب تتمة المبلغ لحاجته الماسّة له، على أن يصل إليه بأي طريقة أخرى عبر موظفي البريد، حيث إنهم مجموعة من المحتالين!

بلاشك أن القصة أعلاه تعكس الإيمان العظيم والثقة المطلقة التي يحملها المزارع البسيط في الله سبحانه وتعالى. وهو إيمان بلاشك راسخ عند المؤمنين من بني البشر أينما وجدوا باختلاف بُلدانهم وأعراقهم، حيث إنه سبحانه وعد بني آدم وفي آيات كثيرة بأنه متكفل بالرزق. والمقصود بالزرق هنا هو كل ما مكّن الله سبحانه الفرد منا بما يصح الانتفاع به، وهو ليس مقتصر فقط على الأموال والممتلكات ولكن يتعداه إلى أمور أخرى كالعلم والزوجة والوَلد والجاه والصحة... إلخ. حيث قال سبحانه: ‏»‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ...» ‏(‏الطلاق‏:‏ 2‏)، ومنها قوله: «إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزّاقُ» (الذاريات: 58) كذلك قال سبحانه: «هَلْ مِنْ خالِق غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ» (فاطر: 3) وقوله: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ» (سبأ: 24) ومنها قوله: «وَما مِنْ دَابَّة فِي الأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُها» (هود: 6). والحديث هنا عن الرزق الحلال. أما ما يحصل عليه الإنسان من مصادر غير مشروعة، فهو بالتأكيد لا يقرّه الشرع الحنيف، ويصنف في خانة المحظورات، التي بلاشك يعاقب على فعلها.

ولكن سبحانه وتعالى أمرنا بأن نسعى في طلب الرزق، كما أمرنا بأن نوازن في حياتنا بين التقتير والإسراف، حيث قال سبحانه: «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا» (الإسراء: 29). وهذا يتطلب من الأفراد السعي الحثيث في طلب الرزق الحلال بكل ما أوتوا من قوة، واتباع سياسات حكيمة في الإنفاق، وفي حقيقة الأمر هو أمر سهل قوله، ولكن ليس من السهل تطبيقه على أرض الواقع!

بالتأكيد أن هناك أسباباً موضوعية لانتشار ظواهر غير سليمة في المجتمع، مثل ظاهرة الفقر، ووجود الفجوة الكبيرة بين فئات المجتمع المختلفة. وهذا بالتأكيد مردّه إلى وجود خلل بنيوي في منظومة العدالة الاجتماعية من خلال إساءة استخدام الثروات الوطنية، التي في حقيقتها هي ثروات لجميع المواطنين، وإن العدالة تقتضي أن ينال جميع المواطنين نصيبهم من الثراوات العامة، فهي من أرزاقهم التي منحها الله سبحانه وتعالى لهم. ولكن للأسف التدخل السلبي في عدم تمكين فئات واسعة من المجتمع الحصول على هذه الحقوق العامة، حال دون ذلك!

لاشك أن القادم من الأيام تبدو صعبة وتتطلب شد الأحزمة، وأنه وبحسب الإجراءات التي اتخذت لحد الآن هي صعبة على الغالبية من المواطنين، حيث إن نسبة كبيرة من المواطنين هم قبل ارتفاع الأسعار من لحوم ووقود المركبات وما هو آتٍ من ارتفاع في تعريفة الكهرباء والماء، ...إلخ، أصلاً في عوز.

والكل بات يدرك أن السياسات الاقتصادية المتبعة لم تكن على المستوى المطلوب من التخطيط الإستراتيجي. هذا فضلاً عما كان يحدث من فساد وعلى مدى سنين عديدة ينخر في مفاصل الدولة، وهذا ما كشفته، وعلى مدى سنوات عديدة تقارير هيئة الرقابة المالية. أضف إلى ذلك المعالجات الخاطئة للمشاكل المتراكمة التي مازالت تفتّ في عضد الوطن.

فهل ستسهم هذه الأزمة الاقتصادية الصعبة في مراجعة الواقع المأسوي الذي تعيشه البلد!

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 4888 - الأحد 24 يناير 2016م الموافق 14 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:04 ص

      الفلاح البسيط في المقال خسر ما اعتاد عليه من الرزق بسبب ظاهرة طبيعية.. ونحن نخسر ما قدر لنا من رزق بسبب قرارات بشرية! شكرا لكم

    • زائر 3 | 12:59 ص

      في المشمش

      خله على الله ياخوك

    • زائر 2 | 12:21 ص

      بالتأكيد أن هناك أسباباً موضوعية لانتشار ظواهر غير سليمة في المجتمع، مثل ظاهرة الفقر، ووجود الفجوة الكبيرة بين فئات المجتمع المختلفة. وهذا بالتأكيد مردّه إلى وجود خلل بنيوي في منظومة العدالة الاجتماعية من خلال إساءة استخدام الثروات الوطنية، التي في حقيقتها هي ثروات لجميع المواطنين، وإن العدالة تقتضي أن ينال جميع المواطنين نصيبهم من الثراوات العامة، فهي من أرزاقهم التي منحها الله سبحانه وتعالى لهم. ولكن للأسف التدخل السلبي في عدم تمكين فئات واسعة من المجتمع الحصول على هذه الحقوق العامة،

    • زائر 1 | 12:19 ص

      متى يصبح المواطن الخيار الأول للدولة؟

اقرأ ايضاً