ماذا إذا لم يتبقَّ لنا شيء نريده ومع ذلك لا نعرف ما لا نريد؟! ماذا إذا توافرت كل الأشياء التي تعبنا للحصول عليها وعلى اقتنائها ومع ذلك لم نشعر بالرضا والسعادة؟!
وماذا إذا توقفنا عن طلب ما نريد وأيضاً لم نعد نجد أية متعة في الحياة؟ أسئلة مُحيرة وقد تكون الإجابات أكثر صعوبة! ولكن دعونا نحاول أن نربط مسيرة الحياة علَّنا نصل إلى صوتٍ يُفسر لنا شيئاً، ونقلل من إحباطاتها، ونُكثر من فُرص إضفاء السعادة.
في آخر البحوث العلمية تلحّ الحاجة لضرورة بذل الإنسان المزيد من العمل والجُهد المتواصل لتحريك العقل، والذي بدوره يقوم بتحريك الكثير من الأشياء والأعضاء الخاملة في أجسامنا، وحاجة العقل للتغذية، تتناسب كحاجة الجسد للغذاء طردياً من الوجبات الثلاث، وبأن تنشيط حركة العقل والجسد معاً شرطٌ أساسي في القراءة والتعليم والاطلاع المستمر طوال الحياة لما يدورُ من حولنا، ومتابعة المستجدات المهمة في العالم علمياً وأدبياً وثقافياً وفنياً... إلخ،
وسد كل الثغرات الناقصة عند الفرد وإعطاؤها وقتاً كافياً، أمر مهم للاستمتاع بفهم الحياة وإضافة النكهة لها كلٌ بحسب قدراته واستطاعاته وملكاته، وإن الإصرار على المتابعة في التعلم من الأمور المهمة للشعوب، والتي ترفعه وتطور من أدائه وتزيد سعادته هذا إضافةً إلى ممارسة الرياضة المتنوعة، والتي تجلب البهجة والسعادة.
وتقول جين فوندا الممثلة الأميركية المعروفة، وهي التي بدأت أول أشرطة الفيديو الرياضية بأنها لا تحب ممارسة الرياضة على رغم إنتاجها للعشرات من الأشرطه التعليمية؛ ولكنها تُمارسها مُرغمة بسبب شعورها بأنه لا توجد سعادة تعادلها أو تضاهيها أكثر من شعورها العجيب بالسعادة لما بعد ممارستها للرياضة.
وهي تمنع الأمراض العضوية الخطيرة، بما فيها الضغط والسُكري وأمراض القلب والشرايين... إلخ، والأمراض والضغوط النفسية على أنواعها مثل الاكتئاب والذي يصيب الكثيرين بعد التقاعد والسكون من الحياة الصاخبة قبلاً، وذلك بسبب التوقف عن تنشيط تلك المراكز الحيوية في الدماغ! والتي تعطب سريعاً، وفي فتراتٍ قياسية، وتُصيب الإنسان بما يُسمى بالخَرَف أو الزهايمر.
إن الكثيرين من الذين تعبوا وكافحوا من أجل توفيراحتياجاتهم المادية، وحصلوا على ما يريدون قد يُصدمون في واقعهم، بعد أن يحققوا ما أرادوه، أو عند سن التقاعد إن لم يستدلوا على كيفية التفاعل مع ما يملكون من مُقدرات في الوقت المناسب، أو إذا لم تكن لديهم أنشطة يمارسونها أو ما يُمتعهم ويُسعدهم من غير الماديات واللوازم الحياتية.
وفي الغالب لعدم إشراك ذواتهم الفِكرية أو الإلهامية الروحانية في الاحتياجات الأساسية والتي ذكرتها، والتابعة للجسد وبضرورة البحث عن تعلم الجديد، والتجديد ليضاف إلى رصيد البهجة وللتواصل والحميمية، وقد يكون الفرد ذا اهتمامات بسيطة سطحية، ولم يُطوّرها لتعلم أشياء أخرى للتجديد، ومع التقدم في العمر تضمحل ولا يبقى لديه من الاهتمامات أو المعارف المتجددة ما يعطيه الرغبة والمُتعة لشغل أوقات فراغه والتمتع بالحياة.
كما يحدث ذلك لجامعي المال من الأثرياء أيضاً، ويعيشون حياةٍ ملؤها البؤس والاضطراب والشُح في التمتع بثرواتهم، وتفوتهم فرص التعرف على الحياة بتفاصيلها الرائعة والمعارف الغنية بها.
هم يعيشون بنفس عقليتهم ومعرفتهم السابقة، محدودي الفكر من مأكل وشراب ومشتريات غالية الثمن، وفي الغالب لا حاجة لهم بها (وليصبح الشراء والتجميع هو بعضاً من الوسائل التي قد تعوّدوا عليها للاستهلاك والتسلية ظناً منهم بأنهم سيجدون سعادتهم بها) وحتى الهموم والشكوى تصبح لأجل الشكوى ولملء الوقت ودون إيجاد الحلول، وتعوّدوا على اجترارها، وهم في الغالب أكثر البشر تعاسةً؛ لأنهم انشغلوا عن الحياة وأسرارها بتجميع المال، فأنستهم الحياة أنفسهم، وأعطتهم ما يريدون، وتركتهم خاليي الوفاض تائهين عن السعادة الحقيقية من العلم والمعرفة.
وختاماً إن التغير هو السمة الوحيدة الثابتة في الحياة، فالمال دون المعرفة والعلم قد يكون زينة، ولكنه قد ينقلب علينا غضباً إذا لم نتعلم كيفية تزيين حياتنا بذلك المال والتعلم للصعود به سلالم المعرفة للنظر إلى جمال الوجود وعمق الحياة ومحتوياتها التي خلقها الله الخالق العظيم سبحانه وتعالى.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 4887 - السبت 23 يناير 2016م الموافق 13 ربيع الثاني 1437هـ
عمق وبساطه
اسعدت مساءا .. وسلمت اناملك والمزيد من الكتابه العميقه البسيطه .. الله يحفظك ويوفقك ..