روميو وجولييت أفغانستان لا تتشابه ظروف حبِّهما مع ظروف بطلي مسرحية شكسبير الشهيرة، تلك التي تتناول الصراع بين عائلتين من نبلاء مدينة فيرونا الإيطالية: منتغيو وكابوليت، والنهاية التراجيدية التي انتهت بموت العاشقين، جولييت بالخنجر بعد موت روميو بالسُم. نحن هنا أمام قصة زكية وعلي الأفغانيين. من بيئة الفقر والحرمان. بكل الإثارة والخوف والهروب واللجوء، وتوقع أن يكونا في قبضة أهليهما، حيث سيكون القتل مصيرهما.
«العاشقان: روميو وجولييت أفغانستان»، للصحافي والكاتب الأميركي رود نوردلاند، ولدا ضمن واقعين بائسين وحرجين: الفقر المدقع، والانقسام الإثني والديني، بين السنة والشيعة: الطاجيك والهزار، زكية التي تعتنق المذهب السني، وعلي حيث ينتمي إلى المذهب الشيعي الإثنى عشري. بين هذا وذاك، حزمة كبيرة من الأعراف والعادات والتقاليد التي تحكم سلوك وتصرفات الأفراد، والخضوع لتراتبية لا يمكن الحياد عنها أو الخروج عليها.
بين الجزء الثاني من مقالة نوردلاند التي حملت عنوان «عاشقا (باميان) يتمسَّكان بالحبِّ في مواجهة خطر الموت»، ونُشرت في «نيويورك تايمز» بتاريخ 9 مارس/ آذار 2014، ومراجعة رافعة زكريا في الصحيفة نفسها يوم الأربعاء (13 يناير/ كانون الثاني 2016)، نقف من جهة على استعراض صاحب العمل، ورؤيته للتركيبة التي تحكم المجتمع الأفغاني، والتجرؤ على ارتكاب موقف «الحب»، في ظل ظروف لا تنبئ عن أمل بنهايات سعيدة وحالمة، على رغم تكلُّل ذلك الحب بالزواج وطفل فيما بعد، في ظل هروب مستمر، ومأوى يظل مؤقتاً لا استقرار فيه، ومن جهة أخرى على نقد في ثنايا مراجعة رافعة يرتبط بالأهداف التي يقف وراءها بعض الغربيين، بتلك الإثارة في سرْد الحكايات، تجاهلاً للوضعية التي تحكم المجتمع الذي يكتبون عنه، وينشدون إصلاحاً من جانبهم فيه.
يشير نوردلاند في مقالته المذكورة إلى أن عائلة جولييت مستمرة في تهديدها بقتل العاشقيْن. جولييت في كتاب نوردلاند (زكية)، التي تبلغ من العمر 18 سنة، وروميو (محمد علي)، ويبلغ من العمر 21 سنة، ابنان لمزارعيْن ممن يعيشان في ولاية باميان الجبلية. «ولو قُدِّر لهما أن يكونا معاً، فسيمثلان نهاية رائعة لقصة حب مدهشة».
في السيرة، لم يلتقيا سابقاً في مكان واحد كي يُسِرَّا بمكنون قلبيهما «إلا أنهما أعلنا حبَّهما بشكل ظاهر، كما أعلنا نيّتهما الزواج، على رغم الاختلاف العِرقي والمذهبي». ويكفي مثل ذلك الإعلان، لنبذهما وقتلهما بسبب عدم احترام عائلتيهما، وخصوصاً عائلة الفتاة.
مأوى النساء
يأخذنا نوردلاند إلى لجوء زكية إلى مأوى للنساء. ولم يكْفِ أنها بالغة ومؤهلة للاختيار وتقرير مصيرها، بحسب ما ينص عليه القانون الأفغاني؛ إذ قررت إحدى المحاكم المحلية إعادتها إلى عائلتها. «تقول زكية عن عائلتها: إذا تمكَّنوا مني، فسيقتلونني قبل أن يعيدوني إلى المنزل».
لم يدر في خلدهما أن عاشقين سبقاهما بقرون، على رغم البون الشاسع في المكانة الاجتماعية. لا يعرفان القراءة «إلا أن أوجه شبه كثيرة حاضرة في تلك النوعية من القصص التي انتهت نهاية مأسوية».
في المقالة تلك لم يتم زواج العاشقين، ويبدو من المقالة أنها نشرت قبل صدور الكتاب، وذلك من خلال إشارة نوردلاند إلى أنه، بينما تتحدّث زكية عن حبيبها وإقامتها الطويلة في مأوى النساء، في انتظار إتمام الزواج، تستشهد بإحدى القصص الفارسية التراثية عن الأميرة شيرين وفرهاد، تقول زكية: «سأظل أنتظر حتى أحقق حلمي بالاجتماع بحب حياتي، مهما طال الانتظار».
يوضح نوردلاند، أنه في أفغانستان القرن الحادي والعشرين، لا تبدو الحياة حالمة، وخصوصاً في المناطق الريفية مثل ولاية باميان. فالشباب، الذين يريدون اختيار توأم الروح، يواجهون واقعاً بكل أعرافه وتقاليده التي مازالت لها السطوة على القوانين والحقوق، التي منحها العصر الحديث للجميع. واقع مازال سارياً فيه عُرف جرائم الشرف، وما يترتَّب على كل كذلك.
ويشير نوردلاند إلى أنه «مازال أولياء الأمور هم الذين يقومون بترتيب إجراءات الزيجات لأبنائهم وبناتهم، وتتسلَّم الأُسَر ثمن زيجة بناتهم».
يستشهد نوردلاند هنا بما قاله أستاذ بإحدى الجامعات الأفغانية، رضا فارزام، من أن قصة الحب في أفغانستان تتحوَّل من دون شك إلى قصة قتل وموت.
الخضوع والشرف الوطني!
تستعرض رافعة زكريا، في صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الأربعاء (13 يناير 2016)، الكتاب نفسه متناولة جوانب من تداعيات قصة «العاشقين»، مع نقد مباشر لتناول هذه النوعية من القصص التي لا يُبتغى من ورائها تحرير المرأة، بمحاولة دفعها للخروج على العرْف السائد، والتقاليد المُهيمنة، وولي الأمر الذي هو بمثابة القضاء والقدر الذي لا يمكن ردُّه؛ حيث تشير زكريا، إلى أنه في الوقت الحاضر، لا يُعدُّ خضوع الأفغاني أمراً عائلياً فقط أو شرفاً قبلياً، ينظر إلى تمرد الأنثى باعتباره خطراً، بل لذلك ارتباط بالشرف الوطني؛ ما يستدعي الإصلاح الأميركي مزيداً من السيطرة على النساء (بإتاحة منافذ وخيارات لهن كي يتمرَّدن) وتجعل التدخلات من الحكواتي مُنقذاً لمثل تلك الحالات.
العنوان العاطفي لـ «العاشقان» يومئ إلى وجود حكاية مليئة بالأمل عن شباب رومانسي، حكاية العاطفة والمثابرة على خلفية الحرب التي مزَّقت أفغانستان. زكية وعلي، في كتاب الصحافي رود نوردلاند هما روميو وجولييت الأفغانيان، ينتميان عرْقاً إلى الطاجيك (الطاجيك مجموعة عرقية تُعدُّ من المجموعات الآسيوية الرئيسية في وسط آسيا، وتتواجد بشكل رئيسي في دول: أفغانستان، طاجيكستان، باكستان، أوزبكستان، إيران والصين)، والهزارة (قومية تعيش وسط أفغانستان تتكلَّم اللغة الفارسية وتشكِّل قومية في أفغانستان، ويبلغ إحصاؤها نحو 2.879.000 مليون نسمة، وتسكن في وسط أفغانستان في المرتفعات الوسطى، اشتغالاً في الزراعة والصناعة، ويدين الهزارة بالمذهب الشيعي على المذهب الإثنى عشري)؛ حيث تشكّل الأولى الغالبية السنية، فيما تشكِّل الثانية الغالبية الشيعية، إضافة إلى الأعراق والطوائف المختلفة، من بينها البشتون، أكبر مجموعة في أفغانستان يليهم الطاجيك، الهزارة والأوزبك، أيماك، التركمان والبلوش. يعيش الزوجان في باميان؛ حيث دمرت حركة طالبان اثنين من تماثيل بوذا الحجرية الشهيرة في العام 2001. وقعا في الحب وهما في سنِّ المراهقة، بما أتيح لهما من استراق النظرات ضمن حدود القرية التي يعيشان فيها، مُتجنّبيْن أولياء الأمر، وكذلك الأعراف التي تحكم طبيعة تلك المجتمعات. عمَّا قريب سيعلم والديهما بالأمر، ويعتبر الزواج مُستحيلاً (بحكم تلك الشِّقة بين المذاهب)؛ ما سيدفع زكية إلى الهرب إلى مأوى للنساء. فرَّ الاثنان لكنهما ظلا محكوميْن بالفرار مدى الحياة، فيما يواجه محمد علي تُهَماً جنائية، بعد أن رفعت عائلة زكية دعوى تتهمه فيها بالخطف.
نشر القصة... صعوبة الاختفاء
ومع ذلك، تظل حكاية زكية وعلي، قشرة في طبقة سميكة وغير معلنة لـ «العاشقان»، ويعترف نوردلاند بأن مقالاته عن الاثنين في صحيفة «نيويورك تايمز» عرَّضتهما للخطر.
نوردلاند، وهو مدير مكتب «التايمز» في العاصمة الأفغانية (كابول)، يتلقَّى تهديدات بسبب متابعة القصة. في حالة واحدة، حط نوردلاند رحاله، جنباً إلى جنب مع مصوِّر فيديو ومصوِّر فوتوغرافي، في منزل بعيد نوعاً ما عن المكان الذي اتخذه الزوجان مكاناً للجوء. كيف وصلا إلى هناك؟ ذلك أمر جدير بالملاحظة: والد علي المنكوب بالفقر يدعم العلاقة «لا يمكن أن يتحمَّل كلفة سيارة أجرة»، وقد وافق على أخذ نوردلاند إلى المكان إذا مكَّنه من مرافقته. علي يعلم بالخطة، ولكن ما لم يُكشف عنه أبداً هو ما إذا كانت زكية موافقة على أمر اللقاء.
في فصل لاحق من الكتاب، يخبرنا نوردلاند كيف أنه تم نشر صُور الزوجين في قصة ظهرت على صفحات «التايمز»، بعدها انتشرت في جميع وسائل الإعلام الأفغانية؛ ما يجعل من الصعب على الزوجين الاختفاء. لكن مثل هذا الاحتمال لم يمنع نوردلاند من التوقف عن سرد الحكاية. عندما وصلوا إلى المنزل، كانت زكية في الجزء المخصص للنساء في المأوى. المُصوِّر المرافق كان يجيد الإنجليزية بدرجة متوسطة، ومع ذلك قام بالتقاط عدد من الصور لها، مدَّعياً عدم معرفته العُرْف. في وقت لاحق، قُدِّر لعلي وزكية القيام برحلة إلى حيث بقعة اختباء أخرى من خلال سيارة الصحافيين التي أقلَّتهما، فيما امتدَّت يد نوردلاند بألف دولار قدَّمها إلى علي.
الحدث، يطرح الأسئلة الشائكة حول التفاوت في القوَّة بين القاصِّ والموضوع، الأميركي والأفغاني. ومن جهته، لم يفكَّ نوردلاند إشكالاً يتعلق بالتعقيدات التي حوتها القصة، وجعلت من الزوجين من أصحاب السمعة السيّئة. إنه أمر فيه الكثير من الشفقة بالنظر إلى مهارات نوردلاند كصحافي؛ بجعل هذا الحبِّ حيوياً على رغم كل الصِعاب التي اكتنفته. وهو في جهوده التي بذلها في حبْك القصة، يرمي إلى استدعاء صلاح واستقامة التدخل الغربي - ونواياه عن الوضعية النسوية في نهاية المطاف - وهو بذلك لن ينجو من الكبوة، على رغم كل تلك الجهود التي أبداها.
تزايد العنف ضد المرأة في أفغانستان بنسبة 25 في المئة في الفترة ما بين العام 2012 و 2013. وفي اللامنطق الفظ يجري تجسيد إخضاع النساء باعتباره يمثل جانباً من إصلاح الأصالة الثقافية في عرف الهيمنة الأفغانية (على مستوى التشريع القائم، والذكورية التي تستمد سلطتها من الأعراف، التي لا يمكن للقانون أن يغض الطرْف عنها)، «حيث يُنظر إلى النساء اللائي يهربن إلى بيوت الإيواء التي يموِّلها العدو الأميركي المحتل على أنهن أقل إخلاصاً لأفغانيتهم».
ضوء
يُذكر أن رود نوردلاند، مراسل دولي، ومدير مكتب صحيفة «نيويورك تايمز» في العاصمة الأفغانية (كابول). عمل مراسلاً في أكثر من 150 بلداً، بما في ذلك العواصم الآتية: بانكوك، بيروت، بغداد، القاهرة، روما، سراييفو، سان سلفادور، إسلام آباد، لندن، وكابول. كما عمل لدى صحيفة «نيويورك تايمز» في الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب آسيا.
التحق نوردلاند بصحيفة «التايمز» في العام 2009، بعد أن كان يعمل في مجلة «نيوزويك»؛ حيث كان كبير المراسلين الأجانب في المجلة من مقرها في العاصمة البريطانية (لندن). خلال ثلاثة عقود من العمل في الخارج، غطَّى نوردلاند جميع الحروب التي تورَّطت فيها الولايات المتحدة الأميركية، وعدد من الحروب التي لم تكن طرفاً فيها. بدأ مسيرته العملية بكتابة التقارير الخارجية للصحيفة التي تصدر في مسقط رأسه «فيلادلفيا إنكوايرر»، مغطِّياً الشرق الأقصى وأميركا الوسطى. وهو من مواليد فيلادلفيا، حيث لعائلته امتداد هناك، فيما تعيش أسرته في انجلترا.
كان ضمن فريق تم ترشيحه لجائزة بوليتزر، وقد وصل إلى القائمة النهائية للجائزة عن فئة التقارير الدولية. حصل على جائزة جورج بولك لدورتين. كما حصل على عدد من جوائز نادي صحافة عبر البحار، وجائزة هيوود برون للعام 2013، وغيرها الكثير.
تخرَّج في جامعة ولاية بنسلفانيا، وكان أيضاً زميل مؤسسة نيمان في جامعة هارفارد.
المسألة مو زواج من طائفتين مختلفتين !!! المشكلة و المسألة من تخلف الموجود بسبب الفقر و التكبر !! كل واحد جايف روحه اكبر و افضل من الثاني !!