لعلَّ أكثر الكلمات التي تطرب مسامع الوالدين ويتوقون إلى سماعها، هي الكلمة الأولى التي ينطقها طفلهم والتي غالباً ما تكون (ماما) أو (بابا)، وذلك عندما يكون عمر الطفل سنة واحدة أو أقل.

وبعد أن ينطق الطفل هذه الكلمة يحدث تطور تدريجي وسريع في اللغة، ويعبر الطفل مراحل متعددة وصولاً إلى مرحلة القدرة على تكوين جمل طويلة ومركبة باستخدام قواعد اللغة الصحيحة. وما أن يصل الطفل إلى سن السادسة، حتى نجد أن قدراته اللغوية اكتملت تقريباً.

وقد يتأخر بعض الأطفال ولأسباب سنستعرضها لاحقاً في اكتساب اللغة وهو ما نطلق عليه (التأخر اللغوي). ونقصد بالتأخر اللغوي الحالة التي يعكس عندها المستوى اللغوي للطفل عمراً زمنيّاً أقل من عمره الحقيقي، بحيث تكون الحصيلة اللغوية لديه أقل بشكل واضح من أقرانه في المرحلة العمرية نفسها التي يمر بها.

وتجب الاشارة هنا إلى أن اللغة والكلام مرحلتان مستقلتان، قد يظهر الطفل تأخرًا لغويّاً لكن ليس لديه تأخر في الكلام (أي يكون قادراً على نطق أصوات تعطي كلاماً مفهوماً) والعكس صحيح، قد تكون لغة الطفل مناسبة لعمره لكنه متأخر في إخراج الأصوات التي تسمح له إخراج واستعمال مخزونه اللغوي. و ينقسم التأخر اللغوي إلى قسمين رئيسيين:

- تأخر في اللغة الاستقبالية: يكون التأخر في جانب فهم اللغة والتعليمات الشفوية وتمييز مسميات الأشياء المختلفة من حوله.

- تأخر في اللغة التعبيرية: أي يكون التأخر في الجانب التعبيري من اللغة وإنتاج الكلمات والقدرة على استخدام الكلمات والجمل لنقل ما نفكر فيه أو نحتاج إليه أو نريده.

وقد تتساءل كثير من الأمهات ما هي العوامل الأساسية التي يجب ان تتوافر في طفلي لكي تنمو عنده اللغة بشكل سليم؟ هنالك عدة عوامل أهمها:

- سلامة القنوات الحسية: فالنمو اللغوي يعتمد اعتمادا كبيرا على الحواس؛ لأن الطفل من خلالها يستقبل مفهوم اللغة, فهو يرى الأشياء ويميزها عن غيرها, ويسمع اسمها ويلمسها ليتعرف عليها ويميزها عن غيرها من الأشياء، ولذلك أي نقص لأية حاسة من الحواس يؤثر سلبا في اكتساب اللغة. وأهم هذه الحواس السمع لارتباطه بشكل مباشر باكتساب اللغة.

- صحة وسلامة الدماغ والقدرة العقلية: سلامة الدماغ مهم جدا لتطور لغوي سليم لدى الطفل حيث تتطلب عملية الكلام قدرات عقلية تستطيع أن تحلل الكلام المسموع ثم تصل الى جزء الدماغ المسئول عن فهم الكلمة وتحليلها ثم إلى جزء الدماغ المسئول عن تحويل المعاني إلى كلمات منطوقة استعدادا لاستخدامها. وأي خلل في قدرات الدماغ التحليلية أو الترابطية قد ينتج خللاً في عملية اكتساب اللغة.

- سلامة أعضاء النطق: يجب أن تكون أعضاء النطق سليمة (الفم، الشفتان، اللسان، الاسنان، والرئة والحنجرة...)

- البيئة المحفزة: هناك بعض الأطفال يعانون من التأخر اللغوي بسبب أنهم لا يجدون من يتحدث اليهم، وهذا السبب شائع جدا هذه الأيام بسبب كثرة انشغال الأم والأب وترك الطفل فترات طويلة مع الخدم أو أمام شاشات التلفاز.

حين تكتشف الأم أن طفلها متأخر لغويّاً بحسب الجدول الزمني لتطور اللغة، يجب عليها أن تتبع عددا من الأمور المهمة والإرشادات لتطوير لغته. وسنستعرض بعضا من الأمثلة على ذلك:

- التحدث مع الطفل حول كل شيء تقوم به أثناء وجودك معه.

- التحدث مع الطفل حول الأوضاع والأماكن الجديدة قبل الذهاب إليها وعند الوصول لها ومرة أخرى بعد العودة الى المنزل.

- النظر الى الطفل عندما يتحدث إليك.

- قم بوصف ما يقوم به طفلك وما يشعر به وما يستمع إليه.

- الثناء على جهود طفلك عند قيامه بالتواصل مع الآخرين.

- تكرار الكلمات الجديدة أكثر من مرة.

- اصطحب طفلك في رحلات من أجل الاستمتاع والإنصات لأصوات في البيئات المحيطة.

- دع طفلك يقوم بالإجابة على الأسئلة البسيطة التي تطرحها عليه.

- قراءة الكتب والقصص يوميا للطفل وبشكل روتيني.

- إشعار الطفل بأنك تفهم ما يقول عن طريق الإجابة عليه أو الابتسام في وجهه أو أن تومئ برأسك له.

وفي الختام أود أن أشير إلى أهمية الوقت عندما يتعلق الأمر بالتطور اللغوي وأهمية الكشف المبكر عن وجود أي خلل أو تأخر في اكتساب اللغة. وكذلك أهمية برامج التدخل المبكر وبدء التدخل فورا بعد اكتشاف التأخر اللغوي هو أمر في غاية الأهمية وعدم تأجيله بحجة كثيرا ما نسمعها من الأمهات «بيكبر وبيتكلم لا تستعجلوا عليه».