هناك جذر ومرجع لنحت ما يُسمَّى «النص المفتوح»، نقف عليه من حيث تجلِّيه لدى الروائي والناقد الإيطالي أمبرتو إيكو، والذين تابعوا أعمال هذا الصوت الفارق في الأدب العالمي، بتعدُّد اهتماماته وإبداعاته، لابد أنهم وقفوا على عمله المهم «العمل المفتوح»، وفي ترجمة أخرى «الأثر المفتوح»، الذي أصدره في العام 1962، ليصل العرب متأخراً كما هي العادة، ويصبح اليوم فضاء للعب لذات اللعب، وحتى العبث في بعض ما تضخُّه الدوريات وبعض الصحف العربية، وحتى بعض المطابع. الكثير من ذلك يمكن تمييزه تجاوزاً لخدعة التسمية، فكثير من النصوص «المفتوحة» هي في واقعها مغلقة. مغلقة على التفسير بتلك المساحات التي لا تخلُّ بإدهاشها، ولا تتورط في المباشرة الرديئة، مقابل النصوص المغلقة التي من المفترض أنها مُشرعة ومفتوحة على التفسير والتأويل، وتكون محل إثراء في النظر.
ولا بدْع في الطرح هنا، وله اتكاء وتوصيف اشتغل عليه إيكو بقوله: «إنك لا تستطيع استخدام النص المفتوح كما تشاء، وإنما فقط كما يشاء النص لك أن تستخدمه، فالنص المفتوح مهما كان مفتوحاً لا يقبل أي تأويل».
يُعيدنا ذلك إلى إشكالات هي سابقة وعلى ارتباط بهذا الموضوع وغيره من الموضوعات؛ من بينها تعامل العالم العربي في استهلاكه واستجلابه الذي يدعو إلى الشفقة، ذلك الذي طال الأساليب التعبيرية التي هي في وجه من وجوهها أساليب للتعبير عن العالم، وأساليب للنظر، وطرق للفهم، ومحاولة للإندماج في حركة العالم في المستويات التي ترفعه ولا تحط به، وتتيح له مزيداً من الفضاءات بدلاً من المصادرة والحبْس.
الإشكال لا يتحدد في استهلاك واستيراد المصطلح، ومن ثم الاشتغال على تلك الأساليب، ربما بعد سنوات من نشوئها وبروز نماذجها، وكذلك التحوُّلات التي تطرأ عليها؛ بل الإشكال يتحدد في تلك المستويات الرديئة من نسخ الصورة، ومحاولة المجاراة والتي كثيراً ما تأتي مشوهة ومفرغة من قيمتها علاوة على امتلائها بالتشويه.
تداخل الأساليب التعبيرية في «النص المفتوح»، هو الآخر ملتبس، من حيث فوضى وعبث التوظيف، ومن حيث إحكام بداياته، والقبض على نهاياته، ومن بين كل ذلك، الدوران في ما يشبه الحلقات المُغلقة التي لا تغني عن التفسير والتأويل، لنكون واقعاً أمام نص مُغلق لا يستدرجك إلى التأويل بقدر ما يضعك أمام المغلق لذاته، ذلك الذي لا تجد نفسك مشغولاً بالتورُّط في ما يشبه عدميته.
«النص المفتوح» أو «الأثر المفتوح»، مثله مثل أي عمل فني إبداعي «مفتوح لكن في إطار حقل من العلاقات، وهذا لا يتضمَّن قاعدة تتيح تنظيمها، ويصبح عندها الأثر متحوّلاً؛ ما يجعل التعدُدية في التدخُّلات الفردية ممكنة، لكن ليس بشكل عديم الشكل، وليس في اتجاه تدخل، فهو ليس دعوة لا ضرورية ولا ذات بعد واحد، بل مُوجَّهة إلى الانخراط الحُرِّ نسبياً في عالم يظل هو العالم الذي يريده المؤلف»، بحسب مقالة الكاتب السوري رضوان جودت زيادة، التي حملت عنوان «النص الفني لدى إيكو بين التأويل والعدمية»، وهي العدمية ذاتها التي تمَّت الإشارة إليها في ثنايا المقال.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4886 - الجمعة 22 يناير 2016م الموافق 12 ربيع الثاني 1437هـ