العدد 4886 - الجمعة 22 يناير 2016م الموافق 12 ربيع الثاني 1437هـ

الدولة العَيُونية وإعادة الاستيطان على الساحل الغربي للبحرين (1)

من بقايا نظام القنوات على الساحل الغربي للبحرين (Clarke 1981)
من بقايا نظام القنوات على الساحل الغربي للبحرين (Clarke 1981)

تعتبر المواقع الآثارية التي تعود للحقبة الإسلامية المبكرة (630م – 1055م) من المواقع النادرة في البحرين، وهي مقتصرة بصورة أساسية على الجزء الشمالي من البحرين. أما في الجزء الجنوبي، فلا يوجد إلا موقع واحد يعود للحقبة (836م - 1055م)، ويقع في قرية عالي. يذكر أن هذا الموقع هو الوحيد الذي يعود لهذه الحقبة ولا يقع بالقرب من أي ساحل، بينما المواقع التي تقع في شمال البحرين تقع بالقرب من سواحل يرجح أنها كانت موانئ تجارية. هذا، ويعتبر ساحل كرزكان والمالكية أقرب السواحل لهذه المنطقة، إلا أن اللقى الآثارية التي عثر عليها بالقرب من هذا الساحل لا ترجح وجود أي استيطان فيه يعود لما قبل القرن الحادي عشر الميلادي.

كذلك، في حقبة السيطرة السياسية للقرامطة على البحرين (929م – 1064م)، والتي تعتبر جزءا من الحقبة الإسلامية المبكرة، تقلصت المواقع الأثرية، وتمركزت في الجزء الشمالي من البحرين. وربما تعود أسباب ذلك للركود الاقتصادي الذي مرت به البحرين؛ حيث أن السيطرة القرمطية أثرت سلباً على الحركة التجارية في المنطقة، وربما ذلك يعود إلى سببين أساسيين، التضييق على الحريات الدينية والضريبة الكبيرة التي كانت تؤخذ من السفن المارة بالمنطقة (Carter 2005). بهذه الصورة أصبحت البحرين منطقة طاردة للسكان حيث هاجر العديد منها، وقد تناولنا ذلك بالتفصيل في سلسلة مواضيع سابقة. وبعد طرد القرامطة من البحرين بدأت حقبة من الانتعاش الاقتصادي، وبدأت تتميز عدة مناطق ذات أهمية تقع على الساحل الشمالي للبحرين، سبق الحديث عنها. وكذلك، برزت أهمية الساحل الغربي في هذه الحقبة.

الساحل الغربي في الحقبة العَيُونية

بدأت آثار الاستيطان، في الحقبة الإسلامية، في الظهور على امتداد الساحل الغربي بدءاً من القرن الحادي عشر الميلادي. وأن أقدم المناطق التي ظهرت بها آثار استيطان في الحقبة الإسلامية على الساحل الغربي هي قرية كرزكان وعين إصخارى؛ حيث تم العثور على لقى أثرية في هذه المناطق تعود للقرن الحادي عشر الميلادي، أي بداية الحقبة العيونية في البحرين (Larsen 1983, appendix 2). هذا، وقد تم العثور على العديد من اللقى الأثرية على امتداد الساحل الغربي، تعود للفترة ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر، وهي الفترة التي اعتبرت فترة إعادة الاستيطان على هذا الساحل. بالطبع، ربما كانت هذه المناطق مستوطنة في فترة تاريخية، ضمن الفترة الإسلامية، سابقة للقرن الحادي عشر إلا أننا لا نمتلك دليلاً آثارياً على ذلك.

يذكر، أن الدولة العيونية (1077 – 1239 م) اهتمت كثيراً بالزراعة، وإعادة تطوير العيون الطبيعية، وتؤكد الدراسات الآثارية على أن نظام الثقب والأفلاج تمت إعادة العمل به في فترة هذه الدولة (Larsen 1983, pp. 87 - 88). وقد كان بعض أمراء الدولة العيونية يمتلكون أراضي زراعية مهمة على الساحل الغربي، وبالتحديد في كرزكان. وقد ذكر هذه الأراضي الزراعية الشاعر ابن مقرب العيوني، وذلك في نونيته التي كان يتأسف فيها على ضياع أملاك العيونيين في جزيرة أوال، ويقول فيها (الجنبي وآخرون 2012، ج5، ص 2858):

وَأَمَضُّ شَيءٍ لِلقُلوبِ قَطائِع

بِالمَروَزانِ لَهُم وَكَرّزكانِ

كما يرجح وجود ميناء تجاري على هذا الساحل، ليسهل عملية تنقل العيونيين بين جزيرة أوال وشرق الجزيرة العربية. وللأسف الشديد فإنه، في الوقت الراهن، لا توجد أي آثار إسلامية قديمة في هذه المنطقة، وكل ما يوجد هو جزء بسيط من بقايا العيون، وبقايا قليلة من نظام القنوات التحت أرضية.

العيون ونظام القنوات في كرزكان

كانت قرى الساحل الغربي أي كرزكان والمالكية وصدد وشهركان ودار كليب مشهورة بالعيون الطبيعية العديدة التي تسقي بساتينها ونخيلها إضافةً إلى تلبية احتياجات أهاليها. وقد ارتبطت تلك العيون بنظام القنوات أو الثقب والأفلاج، ويعتبر نظام الأفلاج الذي يوجد في كرزكان أكبرها. ويعرف النظام المرتبط بالقنوات التحت أرضية في كرزكان باسم «دور مبارك» ومن أهم العيون المرتبطة بهذه القنوات، والتي يرجح أنها هي التي تغذيه بالماء، هي:

1 – عين أم جراي: وهي مرتبطة أيضاً بكواكب فرعية عديدة أشهرها الثورية وأبوالقحافي، وقد ذكرت هذه العين في النسخة المترجمة لدليل الخليج للوريمر باسم «أم جريع» و ذكرت في النسخة الأصلية باسم «أم جرائي» إلا أنها تعرف حالياً باسم «أم جراي». وقال لوريمر عن هذه العين إنها تبعد ثلاثة أميال ونصف غربي الرفاع الغربي، وأنها عبارة عن عين طبيعية تسير مياهها عن طريق الأفلاج إلى غابات نخيل كرزكان (Lorimer 1908, V.2, 231).

2 – عين المالچية (المالكية): وهي عين طبيعية تقع جنوب عين أم جراي وترتبط بنظام القنوات أيضاً، وتستفيد منها كل من كرزكان والمالكية. وقد ذكر هذه العين لوريمر في دليله، وقال عنها إنها تبعد ميلين شمال شرقي قرية المالكية، وهي عبارة عن عين طبيعية تسير مياهها عن طريق الأفلاج إلى غابات نخيل كرزكان (Lorimer 1908, V.2, 231).

وصف «الساب العتيق»

من أهم مصادر المياه في كرزكان قديماً، هو ساب أو مجرى مائي كبير (أو نهر بحسب المصطلح المحلي) كان يمر في العديد من مناطق كرزكان. ولا يعرف بالتحديد مصدر المياه التي تغدي هذا الساب، إلا أن جزءاً من مصادر المياه، هي الأمطار التي تسقط على جبل الدخان، ومن ثم، تمر في قنوات تصريف مختلفة تنتهي بها في أودية تصب في هذا الساب. بالإضافة للعيون السالفة الذكر التي ترتبط به وبالخصوص عين أم إجراي. وينقل لنا حافظ إبراهيم وصفاً جميلا لهذا الساب على موقع كرزكان (www.karzakan.info) نقتبسه هنا:

«والساب العتيق يعتبر من عجائب الزمان، كان عمقه حوالي 35 - 40 قدماً في بعض المواقع، تأتي إليه المياه من الجبال الواقعة جنوب عالي شمال سافرة شرقي منطقة اللوزي تقريباً وبالتحديد من منطقة موقع مدينة حمد حالياً، وهذا الساب يجري عبر أراضٍ صخرية منحوتة، وخلال عبوره للقرية يوجد على جانبيه مقاعد صخرية للجلوس ومحلات للطبخ وحمامات للنساء والأطفال وأخرى للرجال، تقع على جانبيه أو خلالها وأما البيوت التي يمر بجانبها أو خلالها فتتخذ منه مصدراً لمياهها مكاناً لرمي القمامة والقاذورات ولكن بسبب قوة اندفاع مياهه وشدتها تتسع معه كل ما يرمى فيه وكانت الحكومة آنذاك تحبس مياهه عن الأراضي المنخفضة (النخيل والبساتين) وفي مساء الخميس من كل أسبوع تطلق صفارة الإنذار إيذاناً لوجوب ابتعاد الأهالي عن المجرى لأنه سيفتح على الأراضي المنخفضة لري البساتين فيهرع الموجودون في بحيرته إلى ترك البحيرة. ويعتبر الساب العتيق من أشهر مصادر المياه في القرية وليس به عين معروفة وهو 3 سيبان وتجتمع في مجرى واحد ثم تلتقي مع مجرى العيون المذكورة وينحدر الساب من جهة الشرق وعمقه 30 قدما، ويتجه إلى القرية وبه بحيرات عديدة أهمها الحمام الشرقي وكان سابقاً يظعن فيه جد الشيخ حمد بن عبدالله وعمقه تقريبا 20 قدما، ثم (العمارة) ثم (التنقاب) ثم مورد (الحويجي) ثم (اسقات الردم) ثم (الحمام الغربي) ثم (جمة الصغرى مورد السنورة) ثم (جمة العودة) وهي بحيرة كبيرة وبها حمامات للسباحة الخاصة وهي على وجه الأرض ومساحتها 30 قدما إلى 20 قدما ويجتمع بها الماء من يوم الثلاثاء حتى مساء الخميس، ويسقى منها شمالاً وجنوباً النخل المرتفع عن الأرض».

الخلاصة

في الحقبة العيونية اكتسبت قرى الساحل الغربي للبحرين أهمية كبيرة؛ حيث تمت إعادة ترميم وتطوير العيون الطبيعية، وكذلك نظام القنوات المرتبط بها. وتعتبر قرية كرزكان إحدى أهم تلك المناطق في تلك الحقبة، وكذلك يعتبر ساحل كرزكان والمالكية من السواحل المهمة والذي ربما كان يعتبر ميناء تجارياً في تلك الحقبة. بالطبع، كانت هناك مناطق أخرى على هذا الساحل ذات أهمية، سوف نتطرق لها في الحلقة المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً