تعود تونس الخضراء إلى واجهة الأخبار مجدداً، مع احتفالها بالذكرى الخامسة لانطلاق ثورتها السلمية التي أطلقت مسلسل أحداث الربيع العربي.
قبل 5 أعوام، لم يكن أحدٌ يتوقع أن يتسبب انتحار شاب تونسي فقير حرقاً، بعد تلقيه صفعة من شرطية تونسية، لمنعه من بيع الخضار على عربته الخشبية، في إطلاق شرارة الاحتجاجات في الشارع التونسي، لتمتد خلال شهرين في 6 عواصم عربية أخرى.
تعود تونس اليوم إلى صدارة الأخبار، بعد مقتل شرطي خلال اشتباكات مع المتظاهرين في مدينة القصرين، الذين هتفوا مطالبين بـ«العمل والحرية والكرامة»، وهي الشعارات نفسها التي رددوها نهاية العام 2010، ولكن شيئاً منها لم يتحقق حتى الآن.
حراكات الربيع العربي أطلقها وقادها وذهب ضحيتها الشباب، فهم الذين تقدموا الصفوف وشاركوا في المسيرات في هذه العواصم. وحين تخلخلت الأنظمة القائمة، تقدّمت الأحزاب المعارضة لملء الفراغ.
لم يكن للقوى الشبابية الجديدة أطرٌ تنظمها، وحين هرب الرئيس السابق بن علي، تقدّمت قوى المعارضة للحكم، وهكذا قادت حركة النهضة الإسلامية البلاد بالتعاون مع حلفائها الجدد. إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، بسبب المعارضة التي أبدتها قوى النظام القديم. ولم يمض غير عامين حتى انتهى الضغط إلى إزاحة النهضة وعودة رموز النظام السابق تحت شعارات حزب جديد (نداء تونس).
لقد أضاعت النخبة التي قادت البلاد خلال المرحلة الأولى، 3 أعوام من عمر الشعب التونسي، وأضاع «نداء تونس» العام الرابع، وفي بداية العام الخامس، شهد هذا التحالف المكوّن من رموز النظام القديم ورجال الأعمال ونهّازي فرص السياسة، تشققاً جديداً، فانفصل عنه ربع منتسبيه ليشكّلوا حزباً جديداً، معلنين أنهم الأمناء الحقيقيون على ميراث «نداء تونس»!
ظاهرة الصراع على السلطة تتكرّر في بلدان عربية عدّة، ويتورط فيها غالباً طرفان: ممثلو النظام القديم، وممثلو الأحزاب القديمة، وكلاهما ذو بنية فكرية وسياسية وتنظيمية «عميقة». وهي الحالة التي تستجر استمرار شعور الشباب بالضياع، وبقائهم مهمّشين كالأيتام. لقد تصارعت الأحزاب والقوى القديمة كالديكة، وتقاسموا بينهم المناصب والأسلاب. وهذا ما تستيقنه وأنت تسمع المقابلات مع الشباب التونسي هذه الأيام، وهم في الشوارع يرمون الشرطة بالحجارة وتقذفهم بطلقات مسيل الدموع، بعدما امتدت المواجهات من القصرين إلى القيروان وسوسة والعاصمة تونس.
الحكومة التونسية «العميقة» خرجت من صمتها بالإعلان عن إجراءات عاجلة، من قبيل توظيف 5000 شاب عاطل، وتوفير تمويل مالي لـ500 مشروع صغير، قابلها الشباب بالتشكيك، حيث قال أحدهم: «سئمنا الوعود، ولن نعود إلى بيوتنا إلا عندما نحصل على شغل لنعيش بكرامة. هذه المرة نقول للرئيس وحكومته إما نعيش كلنا حياة كريمة أو نموت... ولكن سننغص فرحتكم بالكراسي». وما أتعس حياة الشعوب حين يفكّر شبابها بالموت!
كثيراً ما سمعنا تحليلات «عميقة» عن الوضع التونسي، تمتدح إضاعة 5 سنوات من عمر الشعب التونسي باعتباره غاية المنى، مع أنه لم يتعدّ السماح لعودة رموز النظام الدكتاتوري السابق تحت يافطات ديمقراطية جديدة، دون أن يتقدم خطوةً حقيقيةً على طريق تحقيق أيقونات الثورة: «العمل والحرية والكرامة».
كتابة دستور منمّق لا يشبع الجياع، ووجود أحزاب متهالكة على السلطة وغنائمها لا يحسّن أوضاع المواطنين. والغضبة التونسية الأخيرة تأتي لتصحّح لنا كل تلك المغالطات «العميقة»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4885 - الخميس 21 يناير 2016م الموافق 11 ربيع الثاني 1437هـ
خمس سنوات ضاعت من عمر تونسيينز يعني ما سوو لهم شي. لا النواب ولا الحكومة. هذا هو سبب الاحباط
كتابة دستور منمّق لا يشبع الجياع، ووجود أحزاب متهالكة على السلطة وغنائمها لا يحسّن أوضاع المواطنين.
والاسوأ حين يصبح النواب عبء على الشعب يعيشون على حسابه دون فائدة
ثورة حقيقية بيضاء. الله يحقق امانيكم ايها الشعب العربي العزيز