التعرفة البيئية أداة اقتصادية ونظام للضريبة على استغلال الموارد البيئية وإلقاء وإطلاق المواد الملوثة للمحيط البيئي للإنسان وهي مدخل قانوني يهدف بفعله تجسيد مبدأ «الملوث يدفع» وتفعيل مبدأ المسئولية الاجتماعية للمؤسسة، والتعرفة البيئية كنظام قانوني وإداري وأداة اقتصادية تأخذ بها العديد من الدول لترشيد استهلاك الموارد الطبيعية وتعضيد منهج صون ثروات النظم البيئية ومنع استنزافها وضمان استدامتها وتقنين وخفض مستويات التلوث البيئي، ويساهم ذلك النظام في تعزيز قيمة المبادئ القانونية بشأن المسئولية البيئية وتعضيد مفاهيم الاستهلاك المستدام للموارد البيئية وتغيير المفاهيم الفردية والاجتماعية وتعديل السلوك البيئي للفرد والمجتمع وتحسين الالتزام بمبادئ الحفاظ على النظافة العامة والحد من الممارسات التي تتسبب في تلويث المحيط البيئي للانسان وخفظ مستوى التلوث البيئي، وتلك معادلة تفضي إلى تعزيز المسئولية الأخلاقية في العلاقة مع معالم النظام البيئي وبناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
الضريبة البيئية أداة لتجسيد جوهر التعرفة البيئية كنظام قانوني وإداري وتساهم في إنجاز أهداف التنمية المستدامة، ويعالج جوهر مضامين هذا المنهج الباحث في قضايا اقتصاديات المشكلات البيئية في «معهد وورلد واتش» دافيد مالرين رودمان في كتابه «الثروة الطبيعية للأمم - تطوير السوق لاحتياجات البيئة - إصدار الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية» ويوضح الباحث «أن فكرة أن الناس ينبغي أن يتحملوا مسئولية ما ينزلونه بالآخرين من ضرر هي حجر الزاوية في معظم القوانين الأخلاقية. لكنها مع ذلك لاوجود لها في قوانين الضرائب في العالم» ويشدد على «أن معالجة هذه الغاية هي أهم خطوة يمكن لصناع السياسة أن يتخذوها لتحقيق التوافق بين السياسة الضريبية والمبادئ البيئية.فالضرائب هي وحدها التي تستطيع أن تضع المستهلكين والأعمال وجهاً لوجه مع كامل تكاليف الضرر الذي يسببونه، وفقط عندما يواجهون تلك التكلفة يمكن أن نتوقع منهم اختيارات تكون ذات مغزى بالنسبة للمجتمع أيضاً».
الباحث سابق الذكر تعزيزاً لما حدده من رؤى بشأن الضريبة البيئية يشير إلى أن «الاقتصادي البريطاني الشهير آرث سيسيل بيجو هو أول من دافع عن فرض ضريبة على الضرر البيئي. ففي كتابه «اقتصاديات الرفاهية» الصادر عام 1920، أشار إلى التكاليف الخفية لانبعاث الدخان من المصانع والمواقد في مانشستر بإنجلترا، وقد قدر تكاليف الغسيل الإضافي والإضاءة الاصطناعية التي يمليها إظلام الجو وإصلاحات المباني المتهاوية، بما قيمته 290 ألف جنيه إسترليني في السنة (عشرة ملايين دولار بأسعار اليوم). ونتيجة لذلك فإن صانع الصلب يمكن أن ينتج ما قيمته 100 جنيه إسترليني من الصلب بملء فرن من الفحم محققاً ضرراً قيمته 100 جنيه إسترليني في العملية - وهذا ربح للشركة لكنه خسارة صافية للمدينة. واقع الحال أن ضحايا التلوث يقدمون دعماً لمن يسببون هذا التلوث، ويجعلون المجتمع ككل أشد فقراً».
الدوافع والحوافز الاستراتيجية في تبني نظام الأدوات الاقتصادية في منظومة العمل المؤسسي البيئي كمحور رئيس في النظام الإجرائي للضريبة البيئية، يعالج مفاصل أدواته الإجرائية والإدارية الباحث في الاقتصاد البيئي محمد عبدالرؤوف في كتابه «الأدوات الاقتصادية في السياسة البيئية - حالة دول مجلس التعاون الخليجي - إصدار مركز الخليج للأبحاث» ويشير إلى أن «الأدوات الاقتصادية هي أي أداة تستخدم وسائل مالية لدفع الملوثين إلى خفض المخاطر الصحية والبيئية التي تشكلها منشآتهم أو عملياتهم أو منتجاتهم» ويوضح بأن تطبيق هذا النظام يهدف إلى «إجبار المنتجين والمستهلكين على أن يأخذوا عواقب أنشطتهم/ أفعالهم على البيئة، وترك الحرية لهم في اختيار أنشطتهم وتكييفها، وتمكينهم من تطبيق الحلول ذات التكلفة الأقل، وإنشاء نظام دينامي يشجع البحث لتطبيق أفضل الوسائل للمحافظة على جودة البيئة وتحسينها» ويبين أنه «في الإطار الأوسع، ينظر إلى استخدام الأدوات الاقتصادية لحماية البيئة كوسيلة عملية لتطبيق مبادئ التنمية المستدامة».
الخطوة النوعية التي تبنتها حكومتا رأس الخيمة والفجيرة في العمل على فرض «تعرفة بيئية» على منتجات الموارد الطبيعية وجرى نشر تفاصيلها في جريدة الخليج الاماراتية بتاريخ 10/01/2016 تُعزز من قدرات العمل الاستراتيجي للإدارة البيئية في إنجاز أهداف التنمية المستدامة ووفق ما بينه المدير التنفيذي لهيئة حماية البيئة والتنمية في إمارة رأس الخيمة سيف الغيص «إن الهدف من فرض هذه التعرفة الإسهام في تغطية احتياجات ومتطلبات السياسات البيئية المتبعة في الإمارتين للحد من التلوث والحفاظ على الشروط البيئية المثالية ودعم مشاريع التنمية والبنية التحتية» كما أن رئيس مجلس إدارة مؤسسة الفجيرة للموارد الطبيعية محمد سيف الأفخم أشار إلى «أن فرض التعرفة البيئية سيساعد في تمويل المبادرات التوعوية والتكنولوجية والصناعية المتعلقة بالحفاظ على البيئة لافتاً إلى أن هناك إجراءات منهجية ومنظمة سيتم اتباعها على المستويين الفني والإداري لتحقيق أقصى درجات الفائدة المرجوة من هذا القرار» وأشار إلى «أن التعرفة الجديدة من شأنها أن تسهم في زيادة وعي الأفراد والمؤسسات حول الآثار السلبية للاستخدامات المضرة بالبيئة وتحفيز أفراد المجتمع لوضع المحافظة على البيئة في مقدمة أولوياتهم في ممارساتهم اليومية وذلك من خلال انخراط المجتمع المحلي في إجراءات الحد من تلوث البيئة وتولي مسئولية جزء من أعباء تلك العملية».
الضريبة البيئية مطلب استراتيجي بيد أنه ينبغي أن ترتكز على مبدأ الشفافية والمصلحة المجتمعية في التطبيق وأن تحدث خيراً اقتصادياً وتسهم في منع نشاطات التدمير البيئي وقمع مصادر التلوث البيئي وتصون المجتمع من الضرر البيئي.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4885 - الخميس 21 يناير 2016م الموافق 11 ربيع الثاني 1437هـ
مقالة ممتازة تضع النقاط على الحروف بما يتعلق بمن يجب ان يدفع لماذا.