في ندوة عقدها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" (الثلاثاء 19 كانون الثاني/ يناير 2016) في الدوحة، قدّر باحثون أكاديميون أن يستمر التوتر الحالي في العلاقات السعودية - الإيرانية فترةً طويلةً مع احتمالات ضعيفة لكلٍ من سيناريوهيْ التصعيد أو عودة العلاقات إلى وضعٍ طبيعي.
ركّز عددٌ من المشاركين في الندوة على تلاقي عاملين أساسين في بلوغ مستوى التأزم الحالي في العلاقات، إذ اقترن تصعيد إيران لتدخلاتها في الشؤون الداخلية لجيرانها، مع قرار سعودي بالقطع مع "الصبر الدبلوماسي" الذي كان سائداً في التعامل مع إيران، والمضي قدماً نحو وضع حدٍ لتوسّعها الإقليمي. وأوضح عددٌ من المشاركين الطابع الطائفي للصراع، ولكن مع الإشارة إلى أنه صراعٌ جيوسياسي على النفوذ يستخدم الطائفية أداةً له.
في الجلسة الأولى من الندوة، تحدّث عبدالعزيز بن صقر عن "أسباب الأزمة وتداعياتها"، مشدداً على أن الحملة الإيرانية ضد السعودية ليست بسبب تدخل الأخيرة في اليمن أو إعدام نمر النمر، وإنما لأنّ إيران تنفذ مخططاً إستراتيجياً للهيمنة، والتدخل في شئون دول الجوار. وقال إنّ تحرك السعودية لوقف امتداد نفوذ إيران إلى حدودها الجنوبية عبر ميليشيا الحوثيين في اليمن جاء رغبة منها في تفادي الوقوع في الخطأ الإستراتيجي بترك العراق يقع تحت النفوذ الإيراني.
وشخّص المتحدث أركان الصراع في العلاقة بين السعودية وإيران في عدة عوامل؛ أولها البعد العقدي الذي ترى السعودية في نطاقه نفسها مركزاً للعالم الإسلامي، في حين ترى إيران أنّ للعالم الإسلامي جناحين تمثل هي المركز الشيعي فيهما. إلى جانب التناقض في طبيعة نظامي الحكم في البلدين، واختلاف السياسة النفطية بين منتجين كبيرين تختلف نظرتهما للسوق والأسعار واستخدامات النفط غير الاقتصادية، وأخيراً أمن دول الخليج التي تعتمد في تأمينه على دعم الحلفاء الغربيين، بينما ترى إيران أنها القوة الكفيلة بضمان أمن الخليج.
وخلص للقول إن العلاقة بين السعودية وإيران ليست صراعاً بحتاً، فهناك حقيقة الجغرافيا وإلزامية التعايش بين الجيران، ومصالح متبادلة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وهو ما يجب على إيران استيعابه.
الباحث عبدالوهاب الأفندي رآى أنّ المسألة تتجاوز تبسيط الصراع إلى أزمة سعودية - إيرانية، فالأمر يتعلق بزلزال عالمي يمثل العالم العربي مركزه ولكن تردداته واسعة جداً. وقال إن هناك تحركاً جيوستراتيجياً لا يضم إيران وحدها، بل كل القوى التي لها أجندات ضد المصالح العربية، بما في ذلك روسيا التي تخوض معركتها الرئيسة لهزيمة الغرب، حسبما ورد في ورقته "دينامية الاستقطاب الطائفي الجديد وأزمة المعسكر العربي". ودعا إلى ضرورة اتخاذ دول الخليج خطوة سريعة لدفع النظام المصري إلى فتح قنوات الحوار وتطبيع الوضع الداخلي؛ لأنها أخطأت في دعم ما أسماه "الانقلاب"، معتبراً أن "استعادة مصر هي إحدى أبرز أوراق المعسكر العربي في مواجهة إيران".
الباحث عبدالله الشمري أشار إلى أكد على النهج الحاسم الجديد للسعودية في مواجهة إيران، فالملك سلمان بن عبدالعزيز، ومنذ اليوم الأول لاستلامه الحكم، وضع مواجهة المشروع الإيراني والعمل على إيقاف تمدّده كأولى أولوياته. ويظهر ذلك من خلال تعزيز دور المؤسسة الدينية السعودية وإعادة الاعتبار السياسي والديني لها، وتحسين العلاقات مع التيارات الإسلامية كافة خارج المملكة، انتهاءً بإطلاق "عاصفة الحزم" التي حظيت بتزكية دينية ودعم قوي من مفتي عام المملكة وجميع رموز المؤسسة الدينية المحافظة.
ورأى الشمري أن الأزمة في العلاقات السعودية - الإيرانية مفتوحة أمام ثلاثة سيناريوهات: أولها "التصعيد"، واحتمالاته ضعيفة؛ وثانيها "التجميد" والإبقاء على مستوى التوتر الحالي؛ وهو المرجح. والثالث "الاستعادة" وإنهاء التوتر القائم، وهو الأمر الذي استبعده الباحث.
الباحث خليل جهشان، تناول البعد الدولي لأزمة العلاقات بين البلدين، فأوضح أنّ المسئولين الأميركيين أبدوا تخوفهم من التصعيد السريع في الخلافات السياسية بين الرياض وطهران، وعبّروا عن مفاجأتهم وقلقهم الحذر تجاه قطع السعودية لعلاقاتها مع إيران؛ لما يشكله من خطورة وتهديد مباشر لأمن المنطقة ولسياسات الولايات المتحدة. وأوضح أنّ الإدارة الأميركية منزعجة من تلك الخطوات لعدة أسباب، من بينها تخوف أوباما من تأثير الأزمة سلبياً في نتائج الحرب ضد الإرهاب، وعلى عرقلة نجاح مرحلة تطبيق الاتفاق النووي من دون تعقيدات. خصوصاً أن أوباما ينظر إلى محاربة الإرهاب وتوقيع الاتفاق النووي كأهم عناصر تركته وإنجازاته.
رئيس وحدة تحليل السياسات في المركز العربي مروان قبلان قدم ورقة بعنوان "الأزمة السعودية-الإيرانية وبنية النظام الإقليمي"، أوضح فيها أن هذا الصراع يأتي في سياق مرحلة انتقالية بين انهيار نظام إقليمي سابق وعملية جارية لتشكيل نظام جديد، مع تفكك دولة إقليمية قوية هي العراق، وانسحاب قوى كبرى تقليدية من المنطقة (الولايات المتحدة) ودخول قوى أخرى (في مقدمتها روسيا)، فبرزت السعودية وإيران قوتين إقليميتين متنافرتين متصارعتين.
وأشار إلى أن إيران استغلت تفكيك الغزو الأميركي للعراق لتوسع نفوذها إقليمياً، غير أنها فوجئت بالثورة السورية التي تعد العامل الأساس الذي منع إيران من تشكيل هلال الهيمنة الذي خططت له. وفسّر قبلان التطورات اللاحقة بأن السعودية "بدأت تتحول من قوة دفاع عن الوضع القائم إلى قوة تغيير"، مع إطلاق "عاصفة الحزم"، وفي المقابل أخذت إيران تطبّق نظرية "خنق العدو" حسب تعبيره، عبر بناء علاقات مع جيران السعودية لمحاصرتها بهم، وفق إحدى نظريات العلاقات الدولية، وتدعى "نظرية مندالا للسياسة الخارجية".