مَنْ هو أحمد موهازان؟! إنه وأربعة إرهابيين آخرين شنوا هجوماً دمويّاً بالقنابل والمتفجرات والأسلحة الرشاشة في شارع ثامرين وسط العاصمة الإندونيسية (جاكرتا) الخميس الماضي ما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص (خمسة منهم إرهابيون) وجَرْحِ عشرين آخرين.
إندونيسيا التي تضم خُمس المسلمين في العالم يضربها الإرهاب المتدثر بالإسلام! عجباً وبهذه البساطة! بل الأعجب أن يأتي إلى هذا البلد المسالم، والذي يعتبر أكبر بلد إسلامي ليعيث فيه فساداً، فضلاً عن سعيه إلى إقامة ما يُسمّيه زوراً بالخلافة في جنوب شرقي آسيا!
الحدث كسائره من الأحداث الإرهابية التي ضربت الهند وسورية والعراق وتركيا ومصر وليبيا ونيجيريا وأوربا ومناطق أخرى من هذا العالم، لكن الملفت فيه هو ما نقلته قناة «مترو تي. في» الإثنين الماضي من أن سكان قرية كيدونجونجو الإندونيسية الواقعة في إقليم جاوة الغربي رفضوا أن يُوارَى أحمد موهازان ثرى مقبرتهم، في مؤشر على رفض شعبي لمثل هذا الفكر الإرهابي المنحرف.
أحد سكان القرية قال للتلفزيون: «السكان هنا متسامحون للغاية وليسوا متشددين ناهيك عن أن يَقتِلوا. ما فعله (موهازان) شَوَّهَ الإسلام». والحقيقة، أن ما قاله هذا الرجل هو بالفعل جوهر تفكير وشعور الفرد الإندونيسي (الغالب) الميَّال بطبعه إلى الاعتدال والانفتاح والتأثر بمحيطه؛ كونه «جزائري» التكوين؛ إذْ إن إندونيسيا هي عبارة عن أرخبيل من الجزر، تقع بين استراليا وآسيا.
كما أن هذا الشعب ومنذ ما قبل الإسلام (بل حتى قبل المسيحية)، كان ميَّالاً إلى الإيمان بوجود خالق وإنْ اختلفت تفسيراته البدائية لذلك المفهوم الروحاني. وعندما جاءته الأديان الأرضية من جواره كالهندوسية والبوذية (قبل مجيء الإسلام) لم يتغيّر تسامحه بعد اعتناقها، بل ظلت طباعه الأولى مرسومة على معاملاته وسلوكه بشكل متجذر.
وعندما نقرأ، على سبيل المثال، قصة دخول الإسلام إلى إندونيسيا سنكتشف أن ذلك حقيقة لا خيال. فالمؤرخون يذكرون، أنه وعندما جاء أول داعية إلى منطقة جاوة وهو مولانا ملك إبراهيم داعياً ملكها ماجابيت إلى الإسلام رفض ذلك الملك الدعوة، لكنه أجاز لذلك الداعية بأن يبقى في جاوة، بل ومنحه أرضاً ليُقيم فيها مركزاً لدعوته وتحديداً في قرية كابورا.
الأكثر من ذلك، أن الملك ماجابيت غير المسلم والذي كان يتزعم مملكة تقوم على الهندوسية والبوذية لم يجد غضاضة في أن يتزوج من مسلمة وهي بوتري داراويت. وتذكر المصادر أن الحكومة التابعة إلى المَلِك أعطت الدعاة الآخرين حرية بناء مدرسة إسلامية في مدينة گريسك. لذلك، فعندما انهارت المملكة الهندوبوذية كان المسلمون مهيأون لأن يقيموا دولتهم هناك والتي أسموها لاحقاً بديماك.
هذا أمر جدير بأن يُذكر في تاريخ إندونيسيا كإنصاف لها. كما يجب أن نشير إلى أمر آخر يتعلق بالتديُّن في ذلك البلد منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم. فالإندونيسيون مسلمون معتدلون تأثروا بالمدارس الدينية العربية، لكنهم وفي الوقت نفسه قاموا بتذويبها في ثقافتهم «الخاصة»، وعلى رغم دخول بعض الأفكار المتشددة عليهم فإنَّها أفكار ليست مُهيمِنة بل محدودة.
ولكل مَنْ تابع الشأن الديني في ذلك البلد سيرى أنه يغلب عليه المحافظة التقليدية والتجديد في آن واحد. وعلى رغم موقعهم الجغرافي الأبعد فإنهم مُواكِبون للتطورات الدينية بشكل دقيق وحثيث، بدءًا من التعديل الجديد للقبلة (بعد أن تأكّد أنها على الشمال الغربي وليس الغرب) وانتهاءً بأعقد مسائل الإسلام الذي تناقشه المؤتمرات العالمية، وهو ما يؤكد حرصهم على دينهم.
ما أريد أن أخلص إليه هنا أنه لا يمكن لأحد مهما كان أن يُزايد على ذلك البلد وناسه تمسّكهم بالإسلام. وما هؤلاء الإرهابيون الذين فجروا هناك سوى حفنة تريد اختصار عشرات الملايين من المسلمين الإندونيسيين في أفكارهم البالية، وفرضها عليهم عنوة تحت راية سوداء كقلوبهم وطاعة إمام ضال مُضِل، يُصبح ويُمسي على القتل والسحل والنهب! فأية دعوة هذه التي تُريد كسْر إرادة بلد كامل كإندونيسيا التي أنجبت العلماء الكبار منذ غابر الأيام؟!
أيّ بلاء حَلَّ بهذه الأمة على يد هذا الخليفة المزعوم والمكنّى بالبغدادي، وأية راية باطلة تلك باتت تهدد مستقبل وصورة الأمة أمام نفسها والآخرين؟! إنها كغيرها من رايات الضلال التي خرجت في غير زمن، فشبَّهت للناس والأتباع ولم تُنبّههم إلاّ بإدبارها حين وصل الدّم إلى شحمة الأذن. واليوم وقد بلغ السيل الزُّبى أصبح المُغرّر بهم يهربون من جحيمها وتكرههم الشعوب.
أختم بِنَصٍّ يناسب الحال ذكره ابن قُتَيبة في «الإمامة والسياسة» من أن أبا مسلم الخراساني لما رجع من عند أبي العباس السفاح، كَتَبَ إلى أبى جعفر المنصور: أما بعد، فإنى كنتُ اتخذتُ أخاكَ إماماً ودليلاً على ما افترض الله على خلقه، فقمعني بالفتنة، واستجهلني بالقرآن، فحرّفه عن مواضعه، طمعاً في قليل قد نعاه الله إلى خلقه، فمثَّل لي الضلالة في صورة الهدى، فكان كالذي دلى بغرور، حتى وترت أهل الدين والدنيا في دينهم، واستحللتُ بما كان من ذلك من الله النقمة، وركبتُ المعصيةَ في طاعتكم، وتوطئة سلطانكم، حتى عَرفَكُم من كان يجهلكم، وأوطأت غيركم العشواء بالظلم والعدوان، ثم إن الله بمنه وكرمه أتاح لي الحسنة، وتداركني بالرحمة، واستنقذني بالتوبة، فإن يغفر فقديماً عُرِف بذلك، وإن يعاقب فبما قدمت يداى، وما الله بظلام للعبيد».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4884 - الأربعاء 20 يناير 2016م الموافق 10 ربيع الثاني 1437هـ
صباح الخير
نحن الساكتون عن الحق وتركنا العابل و النايل في يد ..... يكفرون كل من يختلف معهم في فكرهم وعقائدهم ...... وانشؤ حركات غريبة أصولية مثل طالبان والقاعدة وداعش والنصره وأسماء كثر هائولاء لم ينزلوا من السماء نحن مكانهم في الأرض أين الأزهر الشريف من كل هادا
الاٍرهاب لا دين له لكن للأسف هناك من بات يراه وسيلة لقهر المظلومين
ما اروع ما تكتب عاش قلمك