في قروب نسائي للقرية، أعلنت أم عباس عن ضياع أغنام ابنها عباس. لم يمر هذا الخبر على صاحبات القروب مرور الكرام، فدار هذا النقاش الذي يكسوه الهزل:
أم عباس: «يا جماعة الخير... غنمات عباس ولدي ضايعين خرجوا ولم يعودوا من أمس... فرجاء أي أحد يحصلهم أو يشوفهم في شارع أو زرنوق يخبرنا... هذي صورتهم».
ام قاسم: «يا أختي يا أم عباس لا تهدون غنماتكم، ترى صاروا مطلوبين وهم الحين أغلى من الذهب».
أم علي: «ضحكتيني أم عباس، خوش غنم، نشري صورتهم وكتبي عليهم خرج ولم يعد».
أم عباس: «أم علي لا تطنزين، اطلعي دوري غنماتنا».
ام حسين: «شكلهم محتجين على رفع الدعم».
ام عباس: «حسافة عليهم صاروا مجبوس».
بعد يومين كتبت ام عباس للقروب «بشرى سارة حصلنا غنماتنا والحمد لله بفضل دعاكم... ما توقعت نحصل عليهم في هذه الظروف». ما يعني في الامر كله هو فرحة الطفل عباس، الذي لم يذهب الى المدرسة تضامنا مع فقدان غنمه، الفرحة التي جعلته يقف عند باب البيت ينتظر أمه حتى عودتها من عملها ليلا ليبشرها بعودتهم، فقرت عينك يا عباس.
ربما قضية ام عباس لو طرحت في أيام وجود الدعم لما نالها ما نالها من تعليقات او حتى اهتمام، لكن مع وجود هذا الظرف تحول الموضوع الى ظرافة وكثر الحديث حولها، حين يتحول الهم الى طرفة، والمصيبة إلى هزل، هي ظاهرة وقصة إنسانية، وهي في ذاتها حكايا خاضها كثير من المهتمين بها، فالطرفة والتي جاءت بمعنى الحديث المستحسن والنادر، زخرت بها الكثير من كتب التراث والادب أشهرها كتب الجاحظ وخاصة رسائله، والثعالبي في كتابه خاص الخاص، والأصفهاني في الأغاني، وكتاب المستطرف من كل فن مستظرف لشهاب الدين الابشيهي، جميعها كانت تشمل نوادر وقصص العرب الظريفة أوردها أصحابها لمقصد يفهمه المتلقي دون ان يفصح عنها كاتبها، وللشعر ايضا كان له نصيب من ذلك، ويأتي في هذا الجانب شهرة الشاعر بيرم التونسي الذي يشكو من ضرائب المجلس البلدي في ظل فقر الناس وغلاء المعيشة دون الإفصاح عنها بشكل مباشر، اذ يقول:
كأنّ أمي أبلّ الله تربتها
أوصت فقالت: أخوك المجلس البلدي
يا بائع الفجل بالمليم واحدةً
كم للعيال؟ وكم للمجلس البلدي؟
وكان هذا الموروث مستندا لما جاء بعده. البحرينيون كغيرهم استقبلوا همومهم المعيشية بمزيد من الطرائف كتنفيس عن حالة الاحتقان، وساعدهم على ذلك انتشار وسائط التواصل الاجتماعي، ففي الأيام التي سبقت رفع الدعم عن اللحوم انتشرت كثير من التعليقات على صور مختلفة من اللحوم، وتلاها صور مختلفة من الحمير والبغال والجمال مع التعليقات بسخرية، تفيد باستخدامها عوضا عن السيارات، اذ عز البنزين بعد رفع أسعاره عندما تخلت الحكومة عن دعمه.
السخرية والتهكم على حال بائس هو صناعة بشرية قادمة، يجد فيها المرء نفسه بأنه لاحول له ولا قوة، ولا منفذ له من الخروج من الشرنقة التي وضع فيه دون ارادته، فهو امام خيارين اما السكوت والبكاء على اللبن المسكوب أو المجاهرة بالاعتراض، وكلاهما مر، فزاوج بين ذلك عن طريق السكوت بالكلام، وهو الحديث باللمز والهمز، والفرق بينهما كما جاء في الأثر أن الهمز هو قول القبيح من حيث لا يسمع كأن يعيب المرء بوجهه، اما اللمز فهي اجهر من الهمز ولكن في الغيب.
تبقى الطرفة نوعا من التورية، لكنها ليست حلا على الاطلاق، انما هي لا تخرج عن حد التعبير الناعم واللطيف، والتهرب من تحمل المسئولية المباشرة في ضوء تسجيل موقف واعتراض ولو كان من باب السخرية والتهكم، فهل هي طريق جديد؟ وهل يكتب له الصمود؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4884 - الأربعاء 20 يناير 2016م الموافق 10 ربيع الثاني 1437هـ
ما لش حل يا أم عباس
زين ما صاروا مچبوس
مقال جميل
وفقتي في الربط استاذة رملة بين ضياع الغنمات وحال المواطن البحريني يسلم قلمكِ المبدع
باعتقادي السخرية باتت الوسيلة الافضل والانفع في الفترة الحالية حتى و ان لم تكن نتائجها مرضية ولكن على الاقل وصل الاحتجاج لأصحاب القرار
هذه مظاهره بالحروف وباللمز والغمز كما عبرت ، لكن بطريقة الرفض الصامت
بدون جلبه وحركة بالشارع وصلت الفكرة لاصحابها لكن ننتظر التنفيذ في زمن العسرة والذي لم يلبى في زمن الوفرة " والفرصة سريعة الفوت بطيئة العود ' كما يقول سيد المتكلمين ابا الحسن . واذا فات الفوت ما ينفع الصوت حتى لو كان باكبر مكبرات الصوت ، وشكرا للوسط واسرتها المبدعة .