«في إطار السياسة التطويرية التي تنتهجها وزارة الداخلية ممثلةً في الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل لتحفيز وتشجيع النزلاء لمواصلة دراستهم وحثّهم على استغلال أوقاتهم لما يعود عليهم بالنفع، وفي بادرة هي الأولى من نوعها، تم بمركز إصلاح وتأهيل النزلاء مناقشة رسالة الماجستير لأحد النزلاء، بالتنسيق والتعاون مع عدد من أساتذة إحدى الجامعات المحلية، الذين قاموا بمناقشة النزيل في أهم أبواب وفصول الرسالة والنتائج التي توصل لها الباحث في رسالته بعنوان «اتجاهات الرأي العام لمواطني الخليج العربي نحو أداء مجلس التعاون الخليجي «دراسة ميدانية»، حيث حصل على تقدير ممتاز».

هذا الخبر الذي عمّمته وزارة الداخلية على الصحف، يوم 16 يناير/ كانون الثاني الجاري، مرفقاً بصورة القاعة التي تقدّم فيها مجيد ميلاد، رئيس مجلس بلدي العاصمة السابق، وأعادت نشره وسائل التواصل الاجتماعي، تم سحبه بعد ساعتين من التداول، مع أنه يعتبر من مفاخر الوزارة وأهم إنجازاتها على مستوى تحسين معاملة السجناء. وهي سياسةٌ تمثل نقلةً حضاريةً مهمةً، تُحسب للبحرين كنقطةٍ ناصعةٍ في سجلها الحقوقي. فالسجن ليس عقاباً أبدياً ولا ثأراً شخصياً، يظلّ يدفعه السجين وهو يقضي فترة محكوميته، بل هو صفحةٌ أخرى من الحياة، يجب أن تُفتح فيها نوافذ للأمل لا للشقاء، وللاستقرار النفسي لا للعذاب والإيذاء النفسي والبدني، ولتطوير الذات لا لتدميرها.

في تكملة الخبر، «أشاد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بالتعاون الذي لمسوه من المسئولين بمركز إصلاح وتأهيل النزلاء، والذي ساهم بشكلٍ كبيرٍ في تسهيل أداء مهمتهم، وذلك في سياق التعاون بين المركز والجامعات لتطوير البرامج التعليمية للنزلاء». وهو أمرٌ يستحق الشكر والإشادة والتقدير، لأنه يدلّ على تطبيقٍ فعلي لفلسفة الإصلاح والتأهيل، وعدم الاكتفاء بتبنّي الشعارات الجميلة. وجميلٌ جداً ما قاله القائم بأعمال رئيس مركز إصلاح وتأهيل النزلاء، من أن «تمكين النزلاء وحثّهم على مواصلة الدراسة يعتبر من أهم البرامج الإصلاحية التي يقدّمها المركز، والإدارة تحرص دائماً على توفير الجو المناسب للنزلاء للتحصيل العلمي، والانخراط في كافة البرامج التي من شأنها إصلاح وتأهيل النزلاء ليعودوا أفراداً فاعلين في المجتمع ويساهموا في عملية بناء ورفعة الوطن». وهذه كلماتٌ تستحق أن تكتب بماء الذهب، وتعلّق في جميع مراكز التأهيل، لتمثل رسالةً ورؤيةً للمؤسسات الشرطية والمراكز في كل أنحاء الوطن العزيز.

قبل شهر، أعلنت الجهات المختصة عن السماح بتقديم الامتحانات النظامية لـ 37 سجيناً، وهو خبرٌ جميلٌ أيضاً، لولا أن الرقم متواضع جداً، ودون المتوقع بكثير. فهناك ما لا يقل عن 3000 سجين في قضايا سياسية، وربما ضعف ذلك الرقم في القضايا الجنائية، فنحن أمام 10 آلاف سجين، وإذا أخذنا في الاعتبار أن أكثرهم من الفئات الشبابية، فمن الممكن أن يتقدّم -الربع- منهم 2500 للامتحانات، فيما لو تم تشجيعهم على مواصلة الدراسة، وتوفير الظروف للدراسة، وتسهيل إجراءات تقديم الامتحانات.

إن السجن ليس نهاية العمر ولا الفصل الأخير من الحياة، ويمكن للسجين أن يحوّله إلى مدرسة، يتعلّم ويتثقف ويتطوّر فكرياً، ويتعلم المهارات اليدوية، فسيأتي يومٌ يخرج فيه إلى نور الشمس ليواصل حياته، متسلّحاً بما درسه وتعلّمه واكتسبه من مهارات. وهو لا يدري ما تخبئه له السماء من ألطاف.

إن الخبر الذي عمّمه مركز التأهيل والإصلاح، من أكبر مفاخر وزارة الداخلية، وكان ينبغي نشره على أوسع نطاق، فهو نقلةٌ حضاريةٌ نوعيةٌ، من مرحلة تعذيب وامتهان كرامة السجناء، إلى مرحلة احترام إنسانية الإنسان.