قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم الثلثاء (19 يناير/ كانون الثاني 2016)، إن على الشركات أن تكف عن العمل في المستوطنات الإسرائيلية، وعن تمويلها وخدمتها والتجارة معها، من أجل الالتزام بما عليها من مسؤوليات بمجال حقوق الإنسان. هذه الأنشطة تسهم في وتستفيد من نظام غير قانوني ومسيئ من حيث التعريف، ينتهك حقوق الفلسطينيين.
تقرير "تجارة الاحتلال: كيف تسهم الأعمال التجارية بالمستوطنات في انتهاك إسرائيل لحقوق الفلسطينيين" الصادر في 131 صفحة يوثق كيف تسهل الشركات الناشطة بالمستوطنات من تطويرها وتنمية الأعمال فيها. هذه الشركات تعتمد على وتسهم في مصادرة السلطات الإسرائيلية غير القانونية للأراضي الفلسطينية والموارد الفلسطينية الأخرى. كما تستفيد من هذه الانتهاكات ومن سياسات إسرائيل التمييزية التي تقدم امتيازات للمستوطنات على حساب الفلسطينيين، مثل إتاحة الأراضي والمياه والمساعدات الحكومية وتصاريح استصلاح الأراضي.
قال مدير قسم الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش أرفيند غانيسان: "تسهم شركات المستوطنات لا محالة في السياسات الإسرائيلية التي تستلب الفلسطينيين وتميّز ضدهم بشكل غاشم، مع الاستفادة من نهب إسرائيل للأراضي والموارد الفلسطينية الأخرى. السبيل الوحيد لتحترم الشركات ما عليها من التزامات حقوقية هو أن تكف عن العمل في المستوطنات الإسرائيلية ومعها".
يعيش أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي في 237 مستوطنة على امتداد مناطق الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وتشمل القدس الشرقية. يسرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من هذه العملية، لكنها لعبت أيضا دورا مهما في إنشاء وتوسيع المستوطنات وتمكينها من الاستمرار.
بموجب "مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان"، على الشركات احترام حقوق الإنسان والتعرف على أي أثر حقوقي سلبي محتمل لأعمالها وتخفيفه. لكن بسبب طبيعة المستوطنات – وهي غير قانونية من الأساس بحسب "اتفاقيات جنيف" – لا يمكن للشركات من تخفيف إسهامها في انتهاكات إسرائيل طالما هي تعمل في المستوطنات أو تتعاون في أنشطة تجارية متصلة بالاستيطان، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
تنخرط الشركات في جملة من الأنشطة الداعمة للمستوطنات. بعض شركات المستوطنات مشاركة في إدارة الاحتياجات العملية للمستوطنات. حققت هيومن رايتس ووتش في مصرف إسرائيلي يموّل الإنشاءات والبناء بالمستوطنات، وفي شركة عقارية عالمية كبرى لها فرع في المستوطنات وتسوّق شركاتها التابعة الإسرائيلية عقارات في المستوطنات، وفي شركة إدارة نفايات تجمع قمامة المستوطنات وتعالجها في مدفن قمامة في غور الأردن، وهي تخدم حصرا المستوطنات وإسرائيل.
تقع شركات أخرى في المستوطنات أو مناطق صناعية بالمستوطنات، وهي تنجذب إليها عادة بسبب اليد العاملة الفلسطينية الرخيصة أو الإيجارات المتواضعة أو الضرائب الزهيدة. حققت هيومن رايتس ووتش في أمر صانع نسيج في منطقة صناعية بمستوطنة، يوفر الأقمشة لشركة تجزئة أمريكية كبرى. انتقل المصنع إلى إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2015. تستضيف نحو 20 منطقة صناعية بالمستوطنات حوالي 1000 مصنع، ويشرف المستوطنون الإسرائيليون على زراعة نحو 9300 هكتار من الأراضي الفلسطينية. يُصدّر المنتجون الصناعيون والزراعيون بالمستوطنات أغلب هذه السلع، وتكون موسومة عادة، بالخطأ بأنها صُنعت في إسرائيل.
النوعان المذكوران من الأنشطة التجارية بالمستوطنات يسهلان من انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني. تحظر "اتفاقية جنيف الرابعة" على قوة الاحتلال نقل مدنييها إلى أراضٍ تحتلها، و"نظام روما"، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، ينص على أن هذا النقل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يعد جريمة حرب.
هيومن رايتس ووتش ليس لها موقف من مقاطعة المستهلكين لشركات المستوطنات ولا من الحركات التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل أو سحب الاستثمار منها أو معاقبتها، ولكنها تدعو الشركات إلى الالتزام بما عليها من مسؤوليات في مجال حقوق الإنسان، وذلك بإنهاء جميع أنشطتها المتصلة بالمستوطنات.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول الأخرى ضمان أن أي واردات تصلها من سلع المستوطنات تكون متسقة مع واجبها بمقتضى القانون الدولي الإنساني بعدم الاعتراف بسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المُحتلة. يشمل هذا حظر السلع الموسومة بأنها صنعت في إسرائيل، واستبعاد منتجات المناطق المحتلة من المعاملة الجمركية التفضيلية المقدمة للمنتجات الإسرائيلية، مع الامتناع عن الاعتراف بأي شهادات – مثل شهادات المنتجات العضوية – لسلع استيطانية، تمنحها الحكومة الإسرائيلية.
كما تستفيد شركات المستوطنات من مصادرة الجيش الإسرائيلي لرقع كبيرة من الأرض في الضفة الغربية، وتسهم فيها، وهي أراض يحوّلها الجيش إلى مستوطنات. في هذا خرق للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر على أي سلطة احتلال استخدام موارد أراض تحتلها لمصالحها الخاصة. بعض الأرض مملوكة لأفراد فلسطينيين، ما يعني انتهاك حظر آخر في القانون الدولي الإنساني، ويفرض الجيش الإسرائيلي قيودا مشددة على وصول العديد من ملاك الأراضي الفلسطينيين إلى مزارعهم المجاورة لمستوطنات.
قال غانيسان: "على الشركات أن تأخذ في الحسبان حقيقة أنها تستخدم أراض ومياه ومعادن وموارد فلسطينية في عملياتها بالمستوطنات، وكيف أن هذه العمليات غير قانونية، ويدفع الفلسطينيون مقابلها ثمنا باهظا". وأضاف: "لكن هذا التوجه في انحسار، مع بدء المزيد من الشركات في فهم أنه من الخطأ التربح من مستوطنات غير قانونية من حيث التعريف".
خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن تحويل الجيش الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية إلى مستوطنات غير القانوني، والقيود المتصلة بالمستوطنات هي عناصر من نظام أعم وأعرض للتمييز تستفيد منه شركات المستوطنات، فيما تُدمر الاقتصاد الفلسطيني. وثقت هيومن رايتس ووتش نظام الاستيطان التمييزي إلى حد بعيد، وكيف يضر كثيرا بالفلسطينيين ويهجرهم قسريا عن أراضيهم، في تقرير صدر عام 2010 بعنوان "انفصال وانعدام للمساواة".
تمنع إسرائيل بشكل شبه تام الفلسطينيين من البناء أو استخراج المعادن من المنطقة "ج"، وهي المنطقة التي تديرها حصرا بالضفة الغربية. بين 2000 و2012 رفضت الإدارة العسكرية الإسرائيلية 94 بالمائة من طلبات تصاريح البناء الفلسطينية، وفي عام 2014 أصدرت تصريحا واحدا فقط. حققت هيومن رايتس ووتش في شأن مقلع حجارة من 11 مقلعا بإدارة إسرائيلية في تلك المنطقة، تملكه شركة أوروبية. لم توافق إسرائيل على إصدار تراخيص مقلع جديد لشركة فلسطينية واحدة منذ عام 1994، بحسب "الاتحاد الفلسطيني للحجر والرخام"، وهو هيئة مستقلة تمثل أكثر من 500 شركة فلسطينية.
قال غانيسان: "كل دولار تربحه شركات المستوطنات من استخراج الأحجار وبيعها، من الضفة الغربية، هو دولار مأخوذ من الفلسطينيين". وتابع: "الخلاصة، أنه يجب ألا تعمل أية شركات بالمستوطنات وتتربح من أراضٍ وموارد مأخوذة دون وجه حق من الشعب الفلسطيني".
قدّر "البنك الدولي" في 2013 أن القيود الإسرائيلية على المنطقة ج تكلف الاقتصاد الفلسطيني 3.4 مليار دولار سنويا، أي نحو 33 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني. تسهم شركات المستوطنات في هذه السياسات غير القانونية والتمييزية وتستفيد منها، وهي السياسات التي تخلّف العديد من الفلسطينيين دون بدائل سوى العمل في إسرائيل أو المستوطنات.
يقدم هذا النظام للعمال الفلسطينيين في مستوطنات إسرائيلية تدابير حماية قليلة جدا. قال مسؤولون حكوميون إسرائيليون إنهم لا يجرون أي إشراف تقريبا على ظروف عمل العمال الفلسطينيين في المستوطنات بسبب الوضع القانوني الملتبس للعمال بموجب القوانين الإسرائيلية، ما يجعل الفلسطينيين عرضة للإساءات. في 2007، قضت "المحكمة العليا الإسرائيلية" أن النظام القانوني المزدوج في الضفة الغربية، الذي يطبق القانون المدني الإسرائيلي على المستوطنين والقوانين العسكرية على الفلسطينيين، يميز ضد العمال الفلسطينيين، لكن لم تمتثل الحكومة لهذا الحُكم بعد. يوفر القانون العسكري بعض تدابير الحماية، مثل الحد الأدنى للأجر، لكن منذ 2006 كانت الحكومة المدنية الإسرائيلية مسؤولة عن تنفيذه.
قال غانيسان: "تساعد شركات المستوطنات في تعميق أثر السياسات الإسرائيلية التمييزية التي تفضل المستوطنين على الفلسطينيين في المنطقة ج، رغم أن تواجد المستوطنين هناك غير قانوني من الأساس". وأضاف: "الشركات التي تزعم أنها تساعد الفلسطينيين بتوفير فرص عمل بأجور زهيدة للفلسطينيين المُحاصرين دون تدابير حماية لحقوق العمال، هي وكأنها ترش الملح على الجرح".