لدينا مفارقة. النفط على الصعيد العالمي في انخفاض مستمر وغير مسبوق، بينما هو في ارتفاع في سوقنا المحلية. أما السبب المعلن لارتفاع سعره على المواطنين فهو التعويض عن انخفاض أسعاره في السوق العالمي، لأن الدولة بحاجة إلى مداخيل من هنا وهناك.

لكن الموضوع هو أكبر من ذلك، حتى لو كان له علاقة ظاهرية بانخفاض أسعار النفط ذلك أن المسألة تتعلق بسياسة الاعتماد على مصدر وحيد للدخل القومي / الوطني ألا وهو النفط، وهذا الأمر ليس جديداً بل هو سياسة قديمة اعتقد فيها المعنيون أن النفط وريعه سيستمران للأبد ومن خلاله سيتم التغلب على أي هزات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

إن ما نحن فيه لا يتعلق بالنفط وحده ولا باللحظة الراهنة فقط بل يتعلق بكيفية استثمار واستغلال النفط على امتداد أربعة عقود الأخيرة أي منذ ارتفاع أسعاره في 1973. وهذا يؤدي بنا إلى تحليل ما نعيشه هذه الأيام من رفع الأسعار وإجراءات التقشف، من منظور الاقتصاد السياسي، أي الاقتصاد والثروات ومنها النفط وعلاقتها بالقوى الاجتماعية والطبقية الفاعلة في هذا البلد وسبل استثمارها في العقود الأخيرة .

ووفقاً لهذا المنظور فإن النفط كان من المفترض أن يمثل فرصة مناسبة لتنويع الدخل بدلاً من الاعتماد عليه أي فرصة للتنمية الاقتصادية وليس للنمو الاقتصادي. ومع تطور صناعات موازية للنفط فقد ظل يمثل نسبة عالية جداً من الدخل الوطني قياساً ببقية القطاعات. كما إن هناك مصادر دخل كان بالإمكان الاستفادة من عائدات النفط في تنميتها، مثل الثروة البحرية. فهذه تمثل ثروة مهمة لكنها مهدورة للأسف ولا تمثل أهمية اقتصادية بالنسبة لمصادر الدخل الوطني. كما تم تدمير القطاع الزراعي، ولم يتم تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى بحيث تقلل من الاعتماد على النفط كمصدر أساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو الناتج المحلي الإجمالي.

إن سياسات توظيف عائدات النفط لم تكن مبنية على أسس سليمة، لذلك فإننا نجني اليوم نتيجة تلك السياسات، وهي السبب الحقيقي والجوهري للوضع الاقتصادي المأزوم. أما انخفاض عائدات النفط هذه الأيام فهو السبب الظاهري والآني، وهذا من طبيعة السلع الإستراتيجية، النفط وغير النفط، وكان بالإمكان حساب ذلك وتوقعه في أية لحظة.

فلو كان لدينا بنية اقتصادية متكاملة مع سياسة بعيدة المدى في تنويع مصادر الدخل لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

إن الاقتصاد القوي المتنوع المصادر والمتكامل يصبح من القوة بمكان بحيث لا يتأثر بأي تغيرات سلبية تحدث في هذا المصدر أو ذاك، وإذا تأثر فإن التأثيرات تكون محدودة لأنه اقتصاد قوي ومنتج وليس ريعياً كما هو حالنا.

فانخفاض أسعار النفط ليس له التأثير نفسه في كل الدول، بينما تأثيره في بلدنا كبير وخطير ومصيري. لماذا؟ لأننا اعتمدنا عليه ولم نستفد منه في بناء بنية اقتصادية قوية على امتداد العقود الأربعة الأخيرة، وبهذا المعنى بمجرد تدهور أسعار النفط في السوق العالمي تدهور اقتصادنا.

هذا الوضع الاقتصادي كما تبدو الأمور محلياً وعالمياً مرشح إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، وبالتالي لابد من إنقاذ الموقف، من خلال إشراك المواطنين في مناقشة الوضع وأبعاده واتخاذ القرارات المناسبة.

إذن ما هو الحل؟ أو لنطرح السؤال بطريقة أخرى: ما هي المداخل المناسبة للوضع الاقتصادي في هذا البلد؟

نعتقد أن الوضع الاقتصادي بكل جوانبه ليس مسألة اقتصادية فقط، إنما هو مسألة سياسية، وبالتالي فإن المدخل السياسي لحل المشكلة الاقتصادية هو المدخل المناسب. لأن الإجراءات الاقتصادية عندما تكون على علاقة مباشرة بالأوضاع الحياتية للمواطنين فهذه تحتاج إلى قرارات سياسية عامة يكون المواطنون معنيين وطرفاً فيها.

أما المدخل الآخر، فهو المدخل الاقتصادي بالتناغم مع المدخل السياسي، هذا المدخل الاقتصادي يتمثل في إعادة النظر بشكل جذري في خططنا الاقتصادية وفي النهج الاقتصادي المتبع، وعليه البدء بسياسة اقتصادية تقوم على أسس من التنمية المثلثة الأضلاع: الاقتصادية السياسية والاجتماعية. واعتماد منطق الشفافية في إدارة الشأن الاقتصادي العام.

إضافة إلى ذلك، لابد من تحديد الأولويات فيما يتعلق بالإنفاق العام، ثم ترتيب الأولويات، بحيث يكون الإنفاق والاستثمار قائمين على أساس عقلاني.

وبدون إجراءات سياسية واقتصادية لن نخرج من الوضع الاقتصادي الخانق. الأمر الذي سيترتب عليه مزيد من المتاعب على المواطنين في قادم الأيام.

أخيراً. ماذا فعلنا بالنفط؟ الجواب لم نحسن استثماره. وماذا فعل بنا؟ الجواب أيضاً أنه ينتقم لنفسه لأننا لم نحسن استغلاله في مشاريعنا التنموية.