العدد 4881 - الأحد 17 يناير 2016م الموافق 07 ربيع الثاني 1437هـ

«أنشوطة اليَشْب» لسارة هاو تفوز بجائزة إليوت للشعر

للمرة الأولى في تاريخها تُمنح عن الديوان الأول...

سارة هاو
سارة هاو

بإعلان الفائز بجائزة الشاعر البريطاني الأميركي تي. إس. إليوت للشعر، للعام الجاري (2016)، التي ذهبت إلى الشاعرة البريطانية من أصل صيني، سارة هاو، مساء يوم الاثنين (11 يناير/ كانون الثاني 2016)، وتبلغ قيمتها النقدية 20 ألف جنيه إسترليني عن مجموعتها الشعرية الأولى «أنشوطة اليَشْب»، تتضح السابقة في تاريخ الجائزة منذ إنشائها؛ إذ تُعدُّ هذه المرة الأولى التي تفوز فيها مجموعة شعرية أولى بالجائزة العريقة، منذ أن تأسَّست في العام 1933.

المجموعة تحوي مساحات من الذاكرة، كما تحوي أصواتاً فيها اقتفاء للمكان الأول (هونغ كونغ)، واكتشاف الجذور، وبروز النقائض بين حضارتين في الشرق والغرب، وذلك التوْق الذي لا تخفيه في نصوصها لكل من الحضارتين، باعتبارهما يحملان أطواراً من امتداد وتشكُّل وعيها.

رئيسة لجنة حكَّام جائزة إليوت، الشاعرة باسكال بتيت قالت عن مجموعة «هاو» بأنها عمل «مُذهل تماماً، وإن ذهابها التجريبي في الشكل سيعمل على تغيير الشعر البريطاني».

بن ويلكنسون، كتب مراجعة لمجموعة هاو، نشرتها صحيفة «الغارديان» يوم الثلثاء (12 يناير/ 2016)، نورد أهم ما جاء فيها، مع هوامش ذات صِلة.

الشعر، كما قال آر. إس. توماس: «هو الذي يصل باتجاه الفكر عن طريق القلب». مهمة الشاعر تتحدَّد في العثور على الأرضية المُشتركة الفعَّالة؛ لتنفيذ تلك الخدْعة الغنائية؛ حيث الفكر والعاطفة يتطلَّبان جهداً للجمع بينهما، وهو سعي من أجل إثارة الشعور، واستتباعه بالعاطفة المحْضة.

التراث الأنجلو - صيني

في مجموعة «أنشوطة اليَشْب» (اليَشْب أو اليَشْم، هو حجر قريب من الزبرجد لكنه أكثر شفافية وصفاء ويستخدم في صنع الحُلِي)، للشاعرة البريطانية الشابة سارة هاو، التي فازت هذا الأسبوع (الأسبوع الماضي) بجائزة الشاعر البريطاني - الأميركي ت. إس إليوت للعام 2016، تُحاول الشاعرة دمج الاعتبارات الشخصية المُزدوجة في التراث الأنجلو صيني، ونتج عن ذلك مجموعة شعرية تدمج بين الرؤية الهزلية والحرجة والمُحبِطة معاً لأنها هنا لا تُنسى، ولها تأثيرها على نحو غير عادي. «هاو» على رغم صغر سنها (من مواليد العام 1983، في هونغ كونغ من أب بريطاني وأم صينية)، إلا أنها استطاعت أن تتفوَّق على أسماء شعرية مهمَّة تمَّ تكريسها في المشْهد الشعري البريطاني وخارجه، ومن بينها: ليز موراي، كلوديا رانكين، دون باترسون، وشون أوبراين. المُلفت للانتباه أنها المرة الأولى التي تذهب فيها الجائزة، منذ تأسيسها، إلى مجموعة شعرية أولى.

«الغطاءان المُتماثلان

للصندوق الأسود المطليّ بالورنيش

ينفتحان بعيداً

بِرْكة مضاءةٌ بنور القمر

أوراق لوْتس شبحيّة

تتناثر في اصطفاف

سلاسل فضيّة

آهات ودهشات مُحترسة

في رَوْسم*

خيوط مَحبوكة

لمسابح مرصوفة».

*(صفيحةٌ معدنيةٌ يُحفر عليها خط أو رسم تُستعمل في الطباعة)

قد يبدو النموذج المذكور مثل مقالة قصيرة مُتواضعة كي تكون مفتتحاً لمجموعة شعرية، ولكنه يضبط النمَط والوتيرة التي تحكم مسار العمل.

صندوق الحليِّ المليء بالذكريات، بدا استعارة جيدة في شعر «هاو». واعتماداً على ذوق القارئ، تبدو هذه القصائد إما رشيقة أنيقة، أو ممعنة في زخرفتها اللفظية، وتتجاوز الافتعال. نص «ليلة في أريزونا» هو مثال ساطع على الأفضل والأسوأ من هذا النمط الشعري. من جهة، تظل موهبة هاو الجرْسية، تستحضر إيقاعات تحمل قوَّة إصرارها، بالاستثارة التي تنجم عن حرارة خانقة في غرفة فندقية في الصحراء: «تُلقي بملاءة السرير على الأرض، والصوت هو «مثل نثر الرمال / من مجرفة وهواء الليل يُطمس/ لثانية مع وقع الخطوات». لكن من ناحية أخرى، تحبيذ الأسلوب الباذخ ما هو في نهاية المطاف إلا تبرير لغضب ناتج عن الأرق، وأقل ما يقال إنه يحضر في حال من عدم تطابق اللغة مع الحدث.

الذخيرة الصُورية

«أنشوطة اليَشْب» هي في حدِّ ذاتها لا تهدأ. ويصدق ذلك على انتقالات ورحلات الشاعرة في الصين، موطن صباها، والصِدَام بين الثقافات المختلفة بشكل واضح في حياتها، ولكن أيضاً ضمن الذخيرة الصُورية التي أتاحتها لها تلك المرحلة. ينفتح صندوق المجوهرات على عوالم مختلفة، بعضها حقيقي، فيما بعض آخر منها أسطوري. وبعض يغشى العالميْن بشكل حاذق؛ إذ تعمد إلى الانتقال بين الكلمات الأقصر، وأشكال من السرْد أطول. في المجموعة سلسلة متناثرة تأخذنا إليها العناوين المُوزَّعة التي تتتبَّع شيئاً مقارباً إلى التصنيف الخيالي للحيوانات، والولوج إلى العرْف الصيني التاريخي بخنق طفلة حديثة الولادة غير مرغوب فيها في كومة رماد... إلى حكاية أسطورية لابنة تتحوَّل إلى طائر مُحلِّق. هذا النوع من التحوّل الرمزي يشير بقوة إلى ليز بيري، بتلك الدقة والغرابة في سرد القصيدة، جنباً إلى جنب مع الواقعية السحرية التي تتأرجح بين الوحشي والخيالي. وبدلاً من إنجاز نصوص بشكل أصعب، ثمة اتجاه نحو كتابة بوضوح صعب ومعقَّد بالبساطة التي هي قادرة عليها. الكتابة التي لا تُنسى في «أنشوطة اليَشْب» تميل إلى الاغتراف من النهْج الأخير، ويتجلَّى ذلك أكثر في عنوان الكتاب. هونغ كونغ الأرض الخصيبة التي انتمت إليها الشاعرة «هاو» في وقت مبكّر من حياتها، تسعى إلى التوفيق بين الحياة الإنجليزية العريقة والتراث الشرقي المتناقض بشكل صارخ. بل وأكثر من ذلك بالنسبة إلى شخص مفتون بالتصادم والالتباسات اللغوية والثقافية التي تحدِّد وتؤطر مجتمعنا العالمي على نحو متزايد. على رغم أن الكتابة هنا بعيدة وجليَّة بالاستعراض الذي تمَّ هنا، «أنشوطة اليَشْب» تتتبَّع خلفية الشاعرة، وتاريخ الصين الحديث من خلال صورة لا تتزعزع، تتابع بدقة انتقال والدتها، التي تروي لها قصصاً حية من طفولتها.

غريبة مثل مذاق لذيذ

يبدو النسيج بين النثر الصريح في مباشرته، ذلك الذي يُستمدُّ من الذكريات، والوضعية الغنائية، يولِّد لنا تلك الترنيمة في كثير من مساحات المجموعة، تبدع «هاو» في استعارة مختلفة بعض الشيء كي تتحرَّر من التوترات الناشئة من عالميْن متعارضيْن، واللذين تجد الشاعرة نفسها في حال توْق إليهما، منتقلة إلى وعْد تحوُّلي يُتيحه الشعْر بالتوفيق بين متناقضين. ذلك الولَع بذهابها إلى المقوِّم المعجمي يُمكن أن يترك شعوراً بأنه أمر تافه وبسيط. ولكن أياً كان الأمر، فهي موهبة الشاعرة بقدرتها على التشبيه، وصنع المجاز الذي استعارت منه مجموعة «أنشوطة اليَشْب» نطاقها التحويلي، بالقدرة على جعل ذكريات المدرسة تردِّد أسماء الجزر في هونغ كونغ «غريبة مرة أخرى، مثل مذاق لذيذ/ حلوى السنة الجديدة... كأقمار شفَّافة صغيرة/ تتلاشى على اللسان».

ضوء

يُذكر أن سارة هاو شاعرة وأكاديمية ومُحرِّرة بريطانية. صدر كتابها الأول، «أنشوطة اليَشْب» عن دار تشاتو ووينداس في العام 2015، وفاز بجائزة «صندي تايمز/ بيتر فريزر ودنلوب للكتاَّب الشباب»، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة تي إس إليوت في الشعر التي فازت بها يوم الاثنين الماضي (11 يناير 2016). ظهرت قصائدها في عدد من المجلات بما في ذلك «بويتري ريفيو» و «بويتري لندن» و «الغارديان» وغيرها من المطبوعات، كما ضُمِّنت أنطولوجيا لعشرة أصوات شعرية ضمن تيار «الموجة الجديدة» وطبعات من «أفضل شعر بريطاني». وقد أدَّت بعضاً من نصوصها في قراءات ضمن عدد من المهرجانات على الصعيد الدولي، وكذلك على قناتي بي بي سي الثالثة والرابعة. وهي المحرِّر المؤسِّس لدى «براك كريت»، المجلة الإلكترونية التي تُعنى بالشعر والنقد. اختيرت في العام 2015 لتكون أحد المحكِّمين في مسابقة شعرية وطنية في المملكة المتحدة. كما أنها زميل في معهد رادكليف التابع إلى جامعة هارفارد.

غلاف «أنشوطة اليشْب»
غلاف «أنشوطة اليشْب»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً