من الطبيعي أن لا تظهر الآثار المترتبة على السياسات الاقتصادية الجديدة في دول الخليج العربي من حيث رفع الدعم عن المواد الأساسية وزيادة الأسعار للخدمات المقدمة للمواطنين بشكل فوري، ولكن هذه السياسة من المؤكد أن يكون لها آثار كبيرة ربما تغير من نمط المعيشة للكثيرين.
العديد من المسئولين والاقتصاديين يحذرون الآن من أن أسلوب الحياة المرفهة للمواطن الخليجي على وشك الانتهاء، ما يعني أن على المواطن الخليجي من الآن فصاعداً أن يغير من عاداته المعيشية، وأسلوب حياته، وكل ذلك يحتاج لوقت حتى يدرك الخليجيون أن المستقبل لن يكون وردياً.
بالطبع سيتفاوت مستوى هذه التغيرات من دولة وأخرى، ومن مواطن لآخر، ولكن ما هو معلوم أن جميع الدول الخليجية دون استثناء بدأت في تطبيق سياسة اقتصادية في سبيلها لفرض رسوم وضرائب على الخدمات التي كانت تقدمها في السابق مجاناً.
الاقتصاديون يؤكدون حتمية فرض ضرائب على الشركات الكبرى والمصارف ومؤسسات القطاع الخاص وحتى المواطنين، ذلك بسبب أن الضرائب تعتبر من ضمن الإيرادات العامة في أي دولة رأسمالية، وإن كانت الدول الخليجية قد تأخرت في فرض الرسوم والضرائب في الفترة السابقة بسبب العوائد النفطية الضخمة فإنها مضطرة الآن لتطبيق ذلك مع انخفاض أسعار النفط للحدود الدنيا.
لا يمكن إنكار ما أحدثته الطفرة النفطية في أواسط السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من تطور مهول للبنى التحتية للدول الخليجية، حتى أن أحد الأساتذة في الجامعة كان يضرب لنا مثلاً في سرعة تطور البلدان الخليجية خلال هذه الحقبة، ويشير إلى أن البلدان الخليجية كانت الأسرع نمواً في العالم على مدى التاريخ في حقبة زمنية قصيرة لا تتعدى العشرين أو الثلاثين سنة، وكان يقول إن الدول الخليجية التي كانت لا تعرف الكهرباء في أربعينات وثلاثينات القرن الماضي، أصبحت وخلال فترة وجيزة بفضل عائدات النفط من أكثر الدول تطوراً في العالم من حيث البنى التحتية، حيث أوصلت الكهرباء والماء إلى جميع مناطقها حتى القرى والمناطق النائية في حين أن دولاً كبرى وعريقة لم تستطع أن تقوم بذلك حتى الآن.
ولكن للأسف فإن هذه الدول التي استفادت من الطفرة النفطية الأولى، لم تتعامل بالمثل مع الطفرة النفطية اللاحقة التي بدأت في العام 2008 وما بعدها، حين تعدى سعر برميل النفط الـ 120 دولاراً، ولم تستغل هذه الفترة لتطوير الصناعات والاستثمار في المواطن الخليجي بالشكل المفترض، بحيث تعالج الآثار السلبية والتشوهات المجتمعية والاقتصادية والسياسية التي خلقتها الطفرة النفطية الأولى.
لا شيء يتم دون ثمن، فحتى التطور العمراني الذي خلق خلال سنوات قليلة، خلف وراءه آثاراً ربما تكون أكثر وطأة، أهم هذه الآثار التشوه الذي طال المجتمعات الخليجية من حيث التركيبة السكانية، حيث أصبح الخليجيون أقلية في أوطانهم وأصبحوا لا يتجاوزون الـ 20 في المئة من مجمل السكان في بعض الدول، وما ترتب عن ذلك من تشوهات في سوق العمل والعديد من المجالات الأخرى.
ومثلما كانت هناك آثار سلبية للنعمة التي حبانا بها الله في السابق، ربما تكون هناك آثار إيجابية للمحنة التي نمر بها الآن، بحيث نعود مرة أخرى للتطور التدريجي المفترض لجميع المجتمعات، وأن نتطور اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً بشكل متوازٍ بحيث لا يطغي أحدها على الآخر.
إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"العدد 4880 - السبت 16 يناير 2016م الموافق 06 ربيع الثاني 1437هـ
دول الخليج ما بعد الطفره النفضية
دول اتجهت الى تعمير الحجر واهملت البشر
دمار للبيئة
التطور العمراني الغير مدروس خلف دمارا للبيئة البحرية و الزراعية . سابقا في اوقات القحط كان اجدادنا يعتمدون على البحر اما اليوم و القحط الاقتصادي قادم و سوف نعتمد على ماذا ؟