زادت في مصر أخيراً وتيرة عمليات العنف العشوائي قبل الذكرى الخامسة للثورة، ما أثار مخاوف من تصاعد تحدي ما بات يُطلق عليه «الذئاب المنفردة»، في إشارة إلى منفذي الاعتداءات الذين لا تحركهم قيادات منظمة، وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم السبت (16 يناير / كانون الثاني 2016).
وشهد الأسبوع الماضي مقتل عقيد في الشرطة وجندي بهجوم مسلح استهدف سيارتهما على إحدى الطرق الرئيسة في محافظة الجيزة. وتصدت قوات الشرطة لمحاولة استهداف سياح في أحد فنادق الغردقة بهجوم بدائي استخدم فيه شخصان قُتل أحدهما وجُرح الآخر، سلاحاً أبيض. وقبلها بأيام فجر مجهولون عبوة ناسفة في قطار بين الصعيد والقاهرة قرب مدينة العياط جنوب العاصمة، ما أحدث تلفيات كبيرة في القطار. واكتشفت قوات الحماية المدنية تلغيم قضبان السكة الحديد بعبوات ناسفة عدة قامت بتفكيكها. وأحرق مجهولون مكتباً في محطة قطارات في الإسكندرية شمال البلاد بزجاجات حارقة. وعثرت قوات الأمن على رسالة تهديد أمس إلى جوار قنبلة زرعها مجهولون قرب سيارة شرطي.
ولوحظ أن عمليات العنف التي وقعت أخيراً خارج شمال سيناء اتسمت بطابع بدائي، لكن اللافت تبني الفرع المصري لتنظيم «داعش» الذي ينشط في سيناء غالبية تلك الهجمات، رغم إصرار الأجهزة الأمنية على وجود معلومات تؤكد ضلوع أفراد من جماعة «الإخوان المسلمين» في بعضها، خصوصاً الهجوم على فندق في منطقة الأهرام أخيراً.
وتشهد مصر استنفاراً أمنياً قبل حلول ذكرى الثورة في 25 الشهر الجاري. واجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل يومين مع مجلس الدفاع الوطني، وتناول النقاش «تأمين البلاد»، وقبلها بأيام كان اجتمع مع وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار وأثنى على «إحباط الشرطة» الهجوم الذي أدى إلى جرح 3 سياح في الغردقة، وطلب مزيداً من الاستنفار الأمني.
وتولي السلطات تأمين المنشآت والأفواج السياحية أهمية استثنائية، في محاولة لتجاوز أزمة قطاع السياحة التي تفاقمت في أعقاب سقوط طائرة روسية في سيناء بانفجار تبناه تنظيم «داعش» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع عدد السياح خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأكثر من 37 في المئة.
وقال لـ «الحياة» مسؤول أمني إن «قيادات وزارة الداخلية اجتمعت مع مسؤولي شرطة السياحة في مختلف مناطق الجمهورية للاستماع إلى مطالبهم من أجل تنشيط الأداء الأمني ورفع معدلات تأمين المناطق السياحية»، لافتاً إلى أن «الوزارة والقيادة السياسية تمنح أولوية لتوفير تلك المتطلبات من أجل الوصول لأعلى درجات التأمين في ظل عمليات العنف العشوائي التي تحتاج إلى استنفار أمني دائم لإحباطها».
وأوضح أنه «تم تكثيف خطط التدريب للقائمين على عمليات تأمين تلك المنشآت، ضمن إجراءات وتدابير أمنية لازمة لتشديد الحراسات على المنشآت الشرطية والأثرية والسياحية المختلفة على مستوى الجمهورية».
واعتبر الوكيل السابق لجهاز الأمن الوطني العميد خالد عكاشة أن البلاد «أمام موجة من الإرهاب العشوائي غير المنضبط قد تكون خطورتها أكبر من العناصر المنتمية مباشرة إلى جماعات، لأن الوصول إلى التنظيم يساعد في الإيقاع بعناصره كلها لكن الإرهاب الذي اصطلح على تسميته الذئاب المنفردة أخطر، إذ إن مهمة أجهزة الأمن في تتبعه تكون أصعب، ويأخذ فترة زمنية أكبر ومدة ومساحة وجهداً أكبر لإحباطه».
وأوضح عكاشة أن «العلاقة بين الجماعات الإرهابية الكبرى وأفراد العنف العشوائي لا تتخطى الاتصالات الإلكترونية. تلك العلاقة تقوم على الارتباط الروحي والفكري والاتصالات عبر وسائل تتم مراعاة السرية فيها إلى حد كبير. الذئاب المنفردة تتلقى توجيهات لمرة واحدة فقط مفادها أن عليهم الإقبال على موجة تصعيد وعلى الأفراد اختيار الهدف المتاح».
وأوضح مسؤول أمني أن الشرطة أوقفت أخيراً «عشرات ممن يحرضون على العنف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي»، لافتاً إلى أن «بعضهم ينشر معلومات عن كيفية تصنيع المتفجرات». واعتبر أن «العمليات في الفترة الأخيرة تشير إلى أن مصر تواجه هذا التحدي بكل وضوح... بعض العمليات لم تظهر فيها أسلحة حقيقية أصلاً. هذا النوع من الإرهاب أخطر من العمليات التي تنفذها الجماعات التي تمتلك أسلحة، كون منفذيه غير محددي الملامح ويصعب اختراقهم، ولا مفردات لدى الجهاز الأمني عنهم كي يعمل عليها. الذئاب المنفردة تعمل غالباً في مناطق غير متوقعة وغير مفهومة أو معروفة وتستهدف أماكن بعيدة تماماً من الذهنية الأمنية».
واتفق الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ناجح إبراهيم مع عكاشة على أن مصر «بصدد مواجهة ما يسمى بالذئاب المنفردة أو العنف العشوائي، الذي تقوم به مجموعات ناقمة وساخطة التقطت الفكر التكفيري ولا تحتاج إلى تدريب». وقال: «خطورة هؤلاء أنهم غير مسجلين لدى الأمن، وغالبيتهم أقارب لضحايا قتلوا في تظاهرات الإخوان أو لسجناء وبعضهم سُجن وربما عُذب، وهؤلاء لا يملكون مشروعاً فكرياً أو ثقافياً عاماً ولا حتى مطالب من الدولة. هم فقط يريدون مضايقة الدولة ويتبعون ما بات يُعرف بجهاد النكاية».
وأضاف أن «الحركة الإسلامية كالأنابيب المستطرقة. سابقاً كل جماعة كانت معروفة ومنفصلة عن الأخرى قيادة وأفراداً، لكن بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) حدثت سيولة كبيرة جداً بين الجماعات المعتدلة وغير المعتدلة، ومع التوسع في الاشتباه الأمني يمكن أن يتحول المعتدل في السجن إلى تكفيري، فضلاً عن أن الحركة البينية بين الجماعات وبعضها حركة يومية شبه دائمة، وهذه الحركة تخلق تلك المجموعات».
وأشار إلى أن «الإحباطات التي يتم تصديرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تساعد في انتشار تلك المجموعات، خصوصاً أن تلك المواقع تشهد دعوات متزايدة إلى رفض السلمية، وشباب كثر يطالبون بالاحتفال بذكرى الثورة بتطليق السلمية وإعلان تبني العنف، ومن بينهم شباب ليس لهم انتماء تنظيمي حقيقي، وهذه الحال غذاها الانقسام الحاصل في جماعة الإخوان بين المطالبين بتبني السلمية أو العنف… هذا يحدث في كل الحركات الإسلامية التي تمر بأزمات كبرى، إذ غالباً ما تنقسم بين دعاة السلمية ودعاة العنف».
وأشار إبراهيم إلى أن تلك المجموعات «غالباً ما تستهدف الأهداف الرخوة، وأبرزها المزارات السياحية، إذ إن حدوث أي عمليات فيها - حتى ولو كانت محدودة - له صدى كبير في الداخل والخارج، فضلاً عن أضرارها الاقتصادية المؤثرة». وتوقع «أن يستهدف الإرهاب العشوائي في المرحلة المقبلة، مزارات سياحية في جنوب مصر».
وأضاف أن «مجموعات العنف العشوائي أو الذئاب المنفردة تستلهم الفكر من بعضها بعضاً، ولا بد من أن يكون لأفرادها تماس مع الجماعات التكفيرية، لكنه مجرد تماس، وليس ارتباطاً. مثلاً يمكن أن يكون شهد اعتصام رابعة وسمع خطاب منصتها التكفيري، أو له أقارب قتلوا في فض الاعتصام، أو تفقد فتاوى داعش. لا بد من أن تكون له نقطة تماس مع تلك الجماعات، أو على الأقل قائد المجموعة مر على تلك النقطة». وأوضح أن «هؤلاء يُسمون بأصحاب العملية الأولى والأخيرة. ينفذون عملية واحدة ثم يتلاشون أو يُقبض عليهم أو يُقتلون. وعلى الأكثر يُقدمون على تنفيذ عملية ثانية. التنظيمات الكبرى تُخطط بدقة لأن هدفها تنفيذ عشرات العمليات، لكن الذئاب المنفردة لا تكترث بهذا الأمر، فهدفها ما أمام أعينها فقط». واعتبر أن «المعاملة الأمنية وحدها مع تلك المجموعات لن تُجدي... أفضل طريق لمعالجة هذا الأمر هو المعالجة الفكرية والاقتصادية».
لكن النظام عهد إلى الأزهر وعلمائه بمهمة التصدي للفكر المتطرف، في وقت يهاجم فيه الشباب المتطرف شيوخ الأزهر ولا ينصتون إليهم، ويعتبرونهم «متملقين للسلطة».
واعتبر إبراهيم أن زيادة وتيرة عمليات العنف العشوائي «إحدى مقدمات» ذكرى الثورة، «خصوصاً في ظل الجدال والسجال الدائر حالياً على مواقع التواصل الاجتماعي بين الشباب حول جدوى السلمية والعنف».
غير أن العميد عكاشة يرى أن الأمر يحتاج وقتاً حتى يمكن تقويمه. وقال: «كي تتضح الصورة نحتاج مزيداً من الوقت لتحديد مساحة تلك العمليات العشوائية وكيفية تعامل الأمن معها ووسائله لردعها»، لافتاً إلى أن «الردع في تلك النوعيات من العمليات تكون له نتائج إيجابية، خصوصاً إذا استطاع الأمن تضييق مساحات الفراغ التي يمكن أن يصل إليها المتطرفون».
وأضاف أن «هؤلاء الأشخاص حين يُشاهدون من سبقهم إلى هذا النهج في هجومي الهرم والغردقة مثلاً، وقد أحبطت عملياتهم، وتم توقيف غالبيتهم وقُتل أحدهم، فهذا عامل ردع مؤثر جداً وإيجابي للغاية، فالرسالة التي تصلهم أن الأمن قادر على قطع الطريق عليهم، والوصول في اللحظات المناسبة، وهذا يجعلهم يُفكرون مرات عدة قبل الإقدام على تلك العمليات، خصوصاً لو كان الشخص يتحرك بمفرده، وليس منخرطاً في خلية صغيرة».
واعتبر أن «هذا الردع قد يؤدي إلى انحسار تلك الهجمات، لكن في كل الأحوال الأمر يحتاج إلى فترة زمنية للحكم على ما إذا كانت تلك الهجمات ذاهبة إلى انحسار أم إلى تمدد… نحتاج شهوراً بعد مرور ذكرى 25 كانون الثاني (يناير) لنرصد إن كانت تلك الموجة مستمرة بإلحاح في التنفيذ أم مرتبطة فقط بعنصر التصعيد» في ذكرى الثورة.