العدد 4879 - الجمعة 15 يناير 2016م الموافق 05 ربيع الثاني 1437هـ

بناء نظام القنوات التحت أرضية في البحرين: من خلال الذاكرة الشعبية

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

تناولنا في الحلقات السابقة، الفرضيات المختلفة التي تناولت بناء نظام القنوات التحت أرضية في البحرين، ولاحظنا أن العديد من الكتاب يميلون لترجيح بنائها في حقبة ما قبل الإسلام، وبالتحديد فترة السيطرة السياسية الساسانية. غير أن نتائج التنقيب الآثارية لا ترجح ذلك. وقد رجحنا أنه في حال أن هذه القنوات بنيت في حقبة ما قبل الإسلام، فإننا نرجح أنها بنيت في فترة ظهور مملكة هجر، التي تحولت ككيان سياسي سيطر على البحرين الكبرى، وفي قبال تلك الفرضيات توجد بعض الفرضيات التي ترى أن نظام القنوات التحت أرضية في شرق الجزيرة العربية تم بناؤها في فترة ما بعد الإسلام.

يذكر أن (Palgrave 1826 - 1888) ذكر في كتابه

(3)«Narrative of a year›s journey through Central and Eastern Arabia «1862

أن نظام القنوات في القطيف بني إبان السيطرة السياسية للقرامطة على منطقة البحرين الكبرى، أي أنها بنيت ما بين القرنين التاسع والحادي عشر الميلاديين (Palgrave 1865, V. II, p. 186). ولا يذكر Palgrave أي مصدر لهذه الرواية، ويرى البعض أنه ربما سمع ذلك من السكان المحليين (Cornwall 1946). وتتشابه هذه الرواية مع رواية شعبية أخرى منتشرة في بعض مناطق البحرين، وهي تفيد أن الدرامكة قاموا ببناء القنوات التحت أرضية في فترة ما بعد الإسلام.

الدرامكة وبناء نظام القنوات

الدرامكة هم جماعة استوطنت الجزء الشمالي من الساحل الغربي، وبالتحديد منطقة الجنبية وفاران وصولاً إلى اللوزي بالقرب من قرية الدمستان. ولا يعرف إلا معلومات قليلة حولهم. وغالبية ما وصلنا عنهم هي معلومات شفاهية مرتبطة بالموروثات الشعبية؛ فلذلك لا يمكن تكوين صورة حقيقية حولهم، وكل ما يمكن تلخيصه هنا عنهم يدور في فلك الفرضيات والنظريات. قيل إن الدرامكة جماعة ثرية جداً، حتى زعم البعض أنهم كانوا بمثابة الحكام الذين حكموا، بأقل تقدير، قرى الساحل الغربي، من بني جمرة حتى كرزكان. وقد ارتبط بثرائهم المثل الشعبي الذي وثقه الشيخ محمد علي الناصري في موسوعته وهو «ادبدب يا بطني مرق الليلة عرس الدرمكي» (الناصري، بدون تاريخ، ص 36).

كذلك زعمت بعض العامة أن جماعة من الدرامكة عملت في حفر أجزاء من القنوات التحت أرضية، التابعة لنظام الثقب والأفلاج في قرى الساحل الغربي. ومن القصص التي علقت في الذاكرة الشعبية أن اثني عشر رجلاً من «الدرامكة» عملوا في حفر الساب العظيم الذي يمر بمنطقة اللوزي ويصل إلى كرزكان، ولكن بدون عمل أي ثقب فيه. وعندما وصلوا إلى العين الرئيسية التي تكون مصدراً للماء، أي التي يصطلح عليها باسم أم الفلج، وعندما حاولوا ربط الساب بالعين، اندفع الماء بقوة في الساب، وجُرف الدرامكة بفعل قوة اندفاع الماء. ولم يعثر على أثر لهؤلاء الدرامكة، باستثناء شخص واحد وصل إلى كرزكان، ويقال إنه دفن في مقبرة كرزكان، ويتميز قبره أنه محفور في الصخر. وهناك مقولة شعبية تلخص هذه الحكاية، وكيف خسر الدرامكة أموالا طائلة في سبيل بناء نظام الثقب والأفلاج في قرى الساحل الغربي، تقول المقولة: «يا ماخدة أموالنا، لا يصيبكم ما صابنا، واحنا اثنا عشر درمكي، نبغي زكاة أموالنا» (يوسف وآخرون، 2010، ص 69).

مقبرة الدرامكة

المرجح، من الروايات الشعبية والتحقيق حول بعض علماء الدرامكة، أن هذه الجماعة، أي الدرامكة، استوطنت البحرين قرابة القرن التاسع الهجري (نهاية القرن الرابع عشر الميلادي)؛ فقد عرف في هذه الحقبة الشيخ عبدالله بن داود الدرمكي وابنه الشيخ داود، والذي ترجم لهما الشيخ محمد علي التاجر في كتابه منتظم الدرين (التاجر 1430 هـ, ج3: ص 363). وهناك من يرى أن الشيخ الدرمكي من عمان؛ وذلك بسبب وجود قرية درمك في عمان والتي نسب لها، أنظر على سبيل المثل كتاب «أدب الطف» للسيد جواد شبر (شبر 1988، ج4: ص 319). والمرجح أنه من سكنة البحرين؛ حيث يرجح وجود مجموعة من الدرامكة، سكن العديد منهم في فاران، حيث تتلمذوا في مدارسها، وكان منهم العلماء والشعراء. وكان لهم في فاران مقبرة عرفت باسمهم، مقبرة الدرامكة، وبحسب الرواية الشعبية أن في هذه المقبرة دفن قرابة ثلاث مئة عالم من فاران والجنبية وبني جمرة (العصفور 1993، ج3: ص 135).

الدرامكة والعيونيون

من خلال الروايات السابقة، يتضح أن الدرامكة عاشوا في فترة سيطرة الدولة العيونية على البحرين، أو بعدها بقليل. وتعتبر هذه الفترة هي بداية صيانة أو إعادة استعمال وتطوير نظام القنوات التحت أرضية في البحرين؛ فمنذ بداية سيطرة الدولة العيونية على السلطة السياسية في البحرين في العام 1077م، بدأت حقبة جديدة في جزيرة أوال، حيث الاستقرار السياسي والحرية المذهبية والانفتاح التجاري وإعادة بناء البنية التحتية للمنطقة. وقد اهتمت الدولة العيونية اهتماماً كبيراً بالزراعة في كل بلاد البحرين، حيث طورت الزراعة وطرق الري، وحافظت على زراعة محاصيل معينة كالقمح والشعير (الحسين 2006). هذا، وتؤكد الدراسات الآثارية على أن نظام الثقب والأفلاج تم تطويره وإعادة العمل به في هذه الحقبة، على الرغم أنه لا يعرف بالتحديد متى تم بناؤها (Larsen 1983, pp. 87 - 88). وبحسب هذه المعطيات فإن العديد من القرى تم إعمارها أو إعادة إعمارها بدءاً من هذه الحقبة، وهي تشمل قرى الساحل الشمالي الممتدة من قرية بني جمرة وحتى المنامة، وكذلك، قرى الساحل الغربي الممتدة من قرية «القُرَية» وحتى دار كليب. هذه أهم القرى التي تقع بالقرب من العيون الطبيعية ونظام الثقب والأفلاج. وهذا لا يعني أن هذه القرى جميعها تأسست في الحقبة العيونية، ولكن بدأ إعادة إعمارها منذ بداية الدولة العيونية، التي تركت بصمات واضحة تدل على هويتها ووجودها التجاري في أوال (أنظر الجدول المرفق).

يذكر أن تطوير الزراعة في البحرين لم يتوقف؛ حيث تشير بعض التقارير إلى أن القمح والشعير كانا من أبرز المنتجات الزراعية في البحرين منذ القرن الثان ي عشر وحتى القرن التاسع عشر حتى أن البوكيرك في وصفه للبحرين العام 1510م وصف أيضاً حقول الشعير (Nesbitt 1993). مما يؤكد على أن الدويلات التي تعاقبت على السلطة السياسية في البحرين، قد ورثت النظام لإداري والتجاري الذي أسسته الدولة العيونية وقامت بتطويره؛ وهذا يعني أن الحقبة التاريخية ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر هي حقبة إعادة إعمار البحرين، وهذه النتائج التاريخية تتفق مع نتائج بعثات التنقيب، حيث يرجح Larsen أن جزءا كبيرا من أراضي البحرين تم إعمارها في هذه الحقبة (Larsen 1983, p. 196).

الخلاصة

لا نعلم بالتحديد متى بني نظام القنوات التحت أرضية في البحرين، والمرجح أنه بني في حقبة ما قبل الإسلام، وربما في فترة ذروة الاستيطان، وهي ذاتها فترة ظهور مملكة هجر، التي تأثرت بعرب الجنوب. أما الروايات الشعبية التي ترى أن هذه القنوات بنيت في فترة ما بعد الإسلام فربما تعكس تاريخ تطوير وصيانة هذه القنوات. كذلك، لا يمكننا ترجيح أن هذه القنوات بنيت جميعها في حقبة تاريخية واحدة، فربما بنيت في حقبة ما وتمت عمليات التوسعة والصيانة في فترات تاريخية لاحقة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً