استهداف الاقتصاد، من خلال استهداف السياحة في أرض الكنانة، كان ولايزال هدفاً للإرهاب، منذ بدأت عمليات جماعة التكفير والهجرة عمليات التخريب في مصر، في مطالع السبعينات من القرن الماضي.
وكانت القاعدة الفكرية لهذا التنظيم تكفير الدولة والمجتمع، والهجرة من المدن التي هي من وجهة نظرهم، دار الكفر، إلى الأطراف، في مواقع تمكن «المهاجرين» من توسيع قاعدتهم، وإعادة تنظيم صفوفهم، والتحضير للهجوم على المؤسسات الحيوية للدولة ومسئوليها. وكان من أوائل ضحايا الإرهاب في تلك الحقبة، وزير الأوقاف المصري، الشيخ محمد حسين الذهبي.
شهدت مصر في عقد السبعينات، من القرن الماضي، أعمالاً إرهابية كبيرة، شملت تفجير الحافلات وقاطرات السكك الحديد، وقتل السياح، وضرب المؤسسات الترفيهية، وتواصلت تلك الأعمال الإجرامية، بوتائر مختلفة، نزولاً وصعوداً، حاصدة أرواح العشرات من المدنيين الآمنين، ومتسببة بتراجع النشاط السياسي، وتزايد معدلات البطالة، وإضعاف الناتج القومي، والتأثير في القوة الشرائية للجنيه المصري، وإضعاف الاقتصاد.
وليس من شك في أن انهيار الاقتصاد، هو المقدمة اللازمة لتدمير هياكل الدولة المصرية، والقضاء عليها. وذلك السبب عينه، هو الذي يحرض الإرهابيين الآن على الإمعان في اختيار المواقع الحيوية الاقتصادية، لتكون هدفاً لعملياتهم التخريبية.
في هذا السياق، يأتي حادث إسقاط الطائرة الروسية، في (أواخر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي)، الذي تسبب في مصرع 224 شخصاً، من الركاب وطاقم الطائرة، شمالي شرم الشيخ، قريباً من مدينة العريش، في شبه جزيرة سيناء. وقد اعترف تنظيم «داعش» بمسئوليته عن التفجير، بعبوة ناسفة، زرعها داخل الطائرة.
ومنذ حادث إسقاط الطائرة، توالت الهجمات الإرهابية، على عدد كبير من المواقع السياحية، في القاهرة والغردقة، متسببة بحصد أرواح العشرات من السياح الأجانب، ومن المدنيين المصريين.
وتؤكد التطورات التي حدثت في جمهورية مصر العربية، منذ الإطاحة بسلطة الإخوان المسلمين، وقوف التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وعلى رأسها تنظيما «القاعدة» و»داعش» خلف تلك العمليات.
ويقيناً، فإن التصدي للإرهاب في مصر، لن يكون ممكناً، إذا ما تمَّ عزله عما يجري في دول الجوار قريباً من الساحة المصرية، وبشكل خاص ما يجري من جرائم إرهابية في ليبيا وسورية وتونس، وفي بعض المحافظات اليمنية، وأيضاً حالة الانفلات الأمني التي تعيشها أرض السواد، منذ جرى احتلال العراق، العام 2003، حتى يومنا هذا.
لقد اعتبر الإرهاب، هذه البلدان مجتمعة، جبهة واحدة، غير مفصولة لتحركه، انسجاماً مع رفضه الاعتراف بالحدود الوطنية والقومية للدول، إذ لا تعايش مع العصر ولا اعتراف بقوانينه.
اختيارنا لمصر، في هذه القراءة، ليس بحسبان أن ما يجري فيها من إرهاب، هو الأكثر في همجيته ووحشيته، لكن لأهمية الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الدولة المصرية، في مواجهة الإرهاب، في عموم المنطقة. ولأنه صار من الوهم، تصور إمكانية هزيمة الإرهاب في موقع ما، من المواقع، وفي بلد عربي بعينه، من دون أن تؤخذ في الاعتبار طبيعة التأثير والتأثر، بين التنظيمات الإرهابية، في عموم الوطن العربي.
فهذه التنظيمات، باختلاف مسمياتها، تنطلق من رؤية واحدة، وتعتمد أسلوباً واحداً في مواجهة الدولة والمجتمع. وهي لا تعترف بالحدود، ولا تسلم بالقوانين الناظمة للعلاقات الدولية. ومؤخراً، بايعت معظم هذه التنظيمات، قيادة «داعش»، فصارت جزءاً من استراتيجية كبرى، يقودها هذا التنظيم، وتعمل على تفتيت المنطقة، وإلغاء الكيانات الوطنية، بما يخدم المشاريع الخارجية المشبوهة، الهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، واستبدال الكيانات الوطنية القائمة، بكيانات على أسس طائفية ودينية ومذهبية وعرقية.
إن الرد الطبيعي على الإرهاب، ينبغي ألا يقتصر على جبهة عربية واحدة، ويدع الجبهات العربية الأخرى مكشوفة. فكما أن استراتيجية الإرهاب، لمحاربة الدولة العربية، هي استراتيجية واحدة، فينبغي أن تكون المواجهة، وفق رؤية استراتيجية واحدة، وبقيادة عسكرية عربية موحدة.
فـ «داعش»، على سبيل المثال، يمارس عملياته الإرهابية في مناطق على الحدود بين سورية والعراق، ويحتل عدداً من المحافظات السورية والعراقية، ملغياً الحدود بين البلدين. ولن يكون بالإمكان هزيمته على جبهة واحدة، من دون هزيمته على الجبهة الأخرى. وبالمثل، يتواجد الإرهابيون بكثافة في ليبيا، منذ الإطاحة بالعقيد القذافي. ويستخدم الإرهابيون الأرض الليبية لنقل أسلحة الخراب والدمار إلى جمهورية مصر. ولن يكون بالإمكان هزيمة الإرهاب في أرض الكنانة، إلا باقتلاع جذوره في ليبيا وتونس. وسد المنافذ في وجهه، وتجفيف منابع وجوده، في كل بقعة عربية.
ليس يكفي أن يعلن القادة والشعوب العربية، تضامنهم مع بعضهم بعضاً، في مواجهة الإرهاب، بل لا بد من عقد عربي، يستند إلى الوعي بأهمية صيانة الأمن القومي الجماعي، وتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، صوناً وحماية لجميع أقطار الوطن العربي، وضماناً لأمنها واستقرارها.
المطلوب الانتقال من التعبير عن النوايا الحسنة، بين الأشقاء، إلى الفعل الجمعي، لهزيمة الإرهاب. ولن تكون استراتيجية المواجهة فاعلة، إلا بوعي مكامن قوة تنظيمات الإرهاب، والأسباب التي تمكنها من حشد الشباب، والزجّ بهم في محرقة الموت.
إن المعركة ضد الإرهاب، هي معركة وجود، ومعركة سلاح، ومعركة أفكار. ولن تكون فاعلة ومؤثرة وحاسمة، إلا حين تكون شاملة، في الفكر والجغرافيا والسلاح. يهزم الإرهاب كمنهج ناكص ومتخلف، يدعو إلى الاحتراب مع العصر والتقدم والعلم. فيواجه بالفكر النقيض. كما يواجه بالسلاح في معركة وجود، لا مفرَّ من خوضها. ويواجه بوحدة المصير التي هي الرد الصلب والقوي على مخططات التقسيم والتفتيت. فهل حان لنا الانتصار لمصر، وللأمة العربية، في معركة الوجود والمستقبل؟
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 4878 - الخميس 14 يناير 2016م الموافق 04 ربيع الثاني 1437هـ