وسط مشاعر مختلطة ما بين الخيبة والاعتزاز، أحيت تونس أمس الخميس (14 يناير/ كانون الثاني 2016) الذكرى الخامسة لسقوط نظام زين العابدين بن علي، ما فتح أمام البلاد صفحة جديدة من الحرية، ولكن من غير أن تنجح إلى اليوم في التغلب على الصعوبات الكبرى التي تواجهها.
وبعد شهر من التظاهرات التي واجهها النظام بقمع دموي، أحدث الرجل الذي كان يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ 23 عاماً، مفاجأة كبرى بفراره إلى السعودية، مثيراً صدمة عمت العالم العربي وأطلقت سلسلة الثورات فيه.
وفي صباح اليوم نفسه، كان متظاهرون تحدوا الخوف فتجمعوا في جادة بورقيبة بوسط تونس، على مقربة من وزارة الداخلية التي كانت تثير الرهبة، هاتفين للدكتاتور «إرحل».
وتجرى على هذه الجادة التي تحمل قيمة رمزية كبرى التجمعات في الذكرى الخامسة لسقوط بن علي، منها في أجواء احتفالية كالتجمع الذي ينظمه حزب النهضة الإسلامي، وأخرى ذات طابع احتجاجي كالتجمع الذي دعت إليه مجموعة من الحقوقيين تطالب بإصلاح القانون حول المخدرات المعروف بـ «القانون 52» لاتهامه بالتسبب بهدم حياة العديد من الشبان.
حصيلة متباينة
وفرضت تدابير أمنية مشددة على هذه الجادة الرئيسية حيث نشرت أعداد من عناصر الشرطة بعضهم باللباس المدني، في وقت بات هذا البلد هدفاً للمتطرفين.
وبعد خمس سنوات على سقوط نظام بن علي، بات بوسع التونسيين أخيراً التعبير عن رأيهم بحرية، وهو أحد مكاسب الثورة الرئيسية.
إلا أن الذكرى تحل هذه السنة في ظل وضع قاتم حيث لا تزال البلاد تعاني من تفشي البطالة والفقر والتفاوت الاجتماعي، وهي الظروف ذاتها التي لعبت دوراً حاسماً في الثورة التي أطلقها البائع الجوال محمد البوعزيزي حين اضرم النار في نفسه في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 احتجاجاً على ظروفه المعيشية.
وشهدت البلاد سلسلة من الاعتداءات المتطرفة الدامية منذ 2010 وقتل في السنوات الأخيرة عشرات الشرطيين والعسكريين والسياح الأجانب. وتعيش تونس اليوم في ظل حال الطوارئ. وكتبت صحيفة «لو كوتيديان» الخميس إن «حصيلة ثورة الحرية والكرامة والحق في العمل تبقى بصورة إجمالية متفاوتة» فيما أبدت صحيفة «لا بريس» خشيتها من عودة البلاد إلى «خانة البدايات، خانة الغموض والخوف».
ورأت صحيفة «المغرب» أنه «مهما يكن من أمر، فنحن نحيي اليوم حدثاً مؤسساً لواقع ومستقبل تونس لعقود وربما لقرون قادمة».
أما صحيفة «لو تان» فدعت إلى «إعطاء الأمل لجميع الذين خابت آمالهم» محذرة بأن «خطاب جلد الذات يقضي على المعنويات وعلى المستقبل».
عيش كريم للجميع
بالمقارنة مع الاضطرابات التي تعم دول «الربيع العربي» الأخرى، مثل النزاع في سورية والفوضى في ليبيا والحرب في اليمن، تبدو تونس مستقرة.
ونظم هذا البلد في 2011 و2014 انتخابات حرة أجمع الكل على وصفها بالشفافة، وأقر دستوراً جديداً، وتلقى جائزة نوبل للسلام العام 2015 مكافاة لـ «الحوار الوطني» الذي قادته لجنة رباعية في وقت كانت تونس تشهد صراعاً بين الأحزاب السياسية.
وقال رئيس الوزراء، الحبيب الصيد في بيان «نفاخر بالإستثناء التونسي الذي أبهر العالم» مؤكداً أن تونس «قطعت نهائياً بدون رجعة مع التسلط والإستبداد».
وتابع «إننا نعمل جاهدين على تجسيم مختلف استحقاقات الثورة وخاصة منها تأمين مقومات العيش الكريم» مشدداً من جهة أخرى على أن «كسب الحرب على الإرهاب واقتلاعه من جذوره شرط أساسي للتفرغ لخوض غمار التنمية ورفع التحديات القائمة في مختلف المجالات».
العدد 4878 - الخميس 14 يناير 2016م الموافق 04 ربيع الثاني 1437هـ