قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير صدر اليوم الثلثاء (12 يناير/ كانون الثاني 2016) إن السلطات اللبنانية تفرض شروطا تمنع بشدة كثيرا من اللاجئين السوريين من تجديد إقاماتهم. يزيد ذلك مخاطر استغلال وسوء معاملة الفارّين من الاضطهاد والحروب.
يستند التقرير الذي جاء في 26 صفحة بعنوان: "أريد فقط أن أُعامَل كإنسانة: كيف تسهل شروط الإقامة في لبنان الإساءة ضد اللاجئين السوريين" إلى مقابلات مع أكثر من 60 لاجئا ومحاميا وعاملا في مساعدة اللاجئين السوريين في لبنان. وجدت هيومن رايتس ووتش أن تعليمات الإقامة المعتمدة في يناير/كانون الثاني 2015 أفقدت معظم السوريين الصفة القانونية. قال 2 فقط من 40 لاجئا قُوبِلوا إنهم تمكّنوا من تجديد الإقامة. على السلطات اللبنانية مراجعة تعليمات التجديد فورا، بما في ذلك إلغاء رسوم التجديد وإيقاف طلب الحصول على كفيل للاجئين.
قال نديم حوري نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "تعليمات الإقامة هذه تجعل حياة اللاجئين في لبنان مستحيلة وتهمشهم. آخر ما يحتاج إليه لبنان هو تجمعات بشرية كبيرة ليس لديها وثائق قانونية، تعيش على هامش المجتمع وتتعرض لخطر سوء المعاملة."
لم تنشر السلطات اللبنانية إحصاءات عن اللاجئين السوريين الذين يفتقرون إلى الصفة القانونية بموجب القانون المحلي، ولكن عمال الإغاثة المحليين والدوليين قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن معظم السوريين الذين كانوا يساعدونهم فقدوا صفتهم القانونية. فقدان اللاجئين الوضع القانوني يعرضهم لمجموعة من الانتهاكات، بما فيها الإساءة في العمل والاعتداء الجنسي، والعجز عن اللجوء إلى السلطات للحماية. من حق اللاجئين الحصول على الحماية وعدم إجبارهم على العودة إلى بلدان يواجهون فيها الاضطهاد، بموجب القانون الدولي.
يُفرَز اللاجئون الذين يتقدمون لتجديد إقاماتهم إلى فئتين، بموجب التعليمات الصادرة في يناير/كانون الثاني 2015: المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين (المفوضية)، وغير المسجلين الذين عليهم الحصول على كفيل لبناني ليقيموا شرعيا. وجدت هيومن رايتس ووتش أن متطلبات الوثائق ورسومها الباهظة، بالإضافة إلى التطبيق التعسفي للتعليمات، يمنع السوريين من الفئتين من التجديد.
قال جميع اللاجئين تقريبا الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم لم يتمكنوا من دفع رسوم التجديد السنوي البالغة 200 دولار أمريكي لجميع الفئات العمرية فوق 15 عاما؛ المبلغ كبير بالنسبة إلى معظمهم، نظرا إلى تصريح المفوضية بأن 70 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات للبقاء. قال معظم اللاجئين لـ هيومن رايتس ووتش إن عملية التجديد نفسها مسيئة وتعسفية. أفاد كثير من اللاجئين المسجلين لدى المفوضية أن المسؤولين لا يزالون يطلبون منهم الحصول على كفيل، رغم أن التعليمات لا تتطلب ذلك. قال لاجئون وعمال إغاثة أيضا إن بعض موظفي الحكومة استغلوا عملية التجديد لاستجواب السوريين حول قضايا أمنية.
تزيد الحاجة إلى إيجاد الكفيل مخاطر تعريض السوريين للمضايقات وتسهّل الفساد. قال أحد اللاجئين الذين يعيشون قرب بيروت إن "الكفلاء يعتبرونها تجارة. يبيعون الكفالة بمبلغ يصل إلى 1000 دولار للشخص. ينتظر الكفلاء المحتملون على الحدود السورية أو في المطار لبيع الكفالة للقادمين الجدد ".
عمرو، لاجئ سوري يعيش قرب مدينة صيدا في الجنوب، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن كفيله هو رب عمله، ما أدخله في دوامة لا نهاية لها من سوء المعاملة والاستغلال: "رب عملي يجعلني أعمل أكثر من 12 ساعة يوميا في متجره. أحيانا أشكو ولكنه يهدد بإلغاء كفالتي. ماذا يمكنني أن أفعل؟ عليّ القيام بكل ما يطلبه. أشعر أني عبد له".
يؤدي انعدام الإقامة إلى عواقب وخيمة على اللاجئين. أفاد الكثير منهم بتقييد حركتهم خوفا من الاعتقال. أما الذين يعملون فقالوا إن أرباب العمل في كثير من الأحيان يدفعون لهم أجورا بخسة، ويستغلون عدم قدرتهم على تقديم شكوى إلى السلطات. قالت 5 نساء سوريات لـ هيومن رايتس ووتش إن الكفلاء وأصحاب العمل حاولوا استغلالهن جنسيا، ولم يجرؤن على الاقتراب من السلطات للشكوى.
يؤثر عدم القدرة على تجديد الإقامة سلبا على الأطفال. بما أن كثيرا من البالغين لم يعودوا قادرين على التحرك بحرية والأطفال أقل عرضة للتوقيف عند نقاط التفتيش، ازداد عدد الأطفال الذين يعملون لإعالة أسرهم. وصف بعضهم عملهم في ظروف خطرة، مثل استخدام مشاعل اللهب لإصلاح السيارات، كما تسرّب آخرون من المدرسة إلى العمل. قال لاجئون أيضا إن بعض مديري المدارس رفضوا تسجيل الأطفال دون إقامة سارية المفعول، رغم أن الإقامة غير مطلوبة للتسجيل في المدارس. الأطفال حديثو الولادة عرضة لخطر انعدام الجنسية لأن أهاليهم لا يستطيعون الحصول على شهادات ميلاد رسمية في لبنان دون صفة قانونية.
اعتُمِدت القيود الجديدة على التجديد كجزء من موقف السلطات اللبنانية المتشدد حيال اللاجئين السوريين. صوّتت الحكومة اللبنانية في أكتوبر/تشرين الأول 2014، لاعتماد ورقة سياسات دعت إلى وقف تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان وخفض عدد الموجودين منهم.
قال جميع اللاجئين الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش إنهم يخشون على حياتهم إذا عادوا إلى سوريا، وإنهم يفتقرون إلى المال والوسائل الأخرى لمغادرة لبنان، وإن فرص إعادة توطينهم في بلد ثالث ضعيفة. يدور قرابة 90 بالمئة منهم في حلقة مفرغة من الديون، وفقا لتقييم حديث للأمم المتحدة. أشارت المفوضية خلال اجتماع مشترك بين وكالات مقدمي المساعدات في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2015، إلى أن الغالبية العظمى من السوريين الذين يغادرون لبنان إلى أوروبا يأتون مباشرة من سوريا، ولا يعيشون في لبنان.
لبنان ليس من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أو بروتوكولها لعام 1967. ونتيجة لذلك لا يمنح لبنان وضع اللاجئ للأفراد المؤهلين لذلك حسب القانون الدولي، وتستند جميع إجراءات دخول البلاد والبقاء فيها على القوانين والتعليمات المحلية. ومع ذلك لا يزال لبنان ملزَما بمبدأ القانون الدولي العرفي في عدم الإعادة القسرية، الذي يمنع إعادة الأشخاص إلى أماكن يتعرضون فيها للاضطهاد والتعذيب، أو معاملة أو عقوبة غير إنسانية أو مهينة.
قال حوري: "السياسات قصيرة النظر في لبنان تمهّد لوضع قابل للانفجار. على لبنان وبمساعدة دولية تبني السياسات التي تسمح للاجئين السوريين بالحفاظ على وضعهم القانوني في البلاد والعيش بكرامة. ليس هذا الحد الأدنى من المعايير لمعاملة اللاجئين وحسب، بل سيعزز أيضا الاستقرار في البلاد من خلال تنظيم وجودهم".