انشغلت «هيئة الحوار الوطني» اللبنانية التي عُقدت أمس في جلستها الثالثة عشرة برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري بمناقشة ثلاثة بنود أهمها تفعيل عمل الحكومة التي دعاها رئيسها تمام سلام إلى الانعقاد الخميس المقبل وسط شبه إجماع على ضرورة تنشيط عملها، مقابل موقف اتسم بالليونة النسبية من «التيار الوطني الحر» الذي مثله وزير الخارجية جبران باسيل الذي أمل بأن تظهر إيجابيات قبل عقد الجلسة ، وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم الثلثاء (12 يناير / كانون الثاني 2016).
واقتــحم اجتـماع الحوار موضوعا السجال بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، وامتناع لبنان عن تأييد قرار الجامعة العربية في شأن الأزمة بين إيران والسعودية، واعتراضه على البيان الذي صدر في هذا الشأن، فشرح باسيل الموقف مؤكداً تنسيقه الكامل مع سلام الذي وافقه على ذلك، فيما أيده بري. وتخللت الجلسة مداخلتان لسلام ومن بين ما تناوله مؤتمر النازحين ودعم لبنان لاستيعاب أزمتهم الذي يُعقد في 4 شباط (فبراير) في لندن، مشيراً إلى أن العالم يعرف مدى العبء الذي يتحمله لبنان.
< افتتح الرئيس بري الجلسة مكرراً الدعوة إلى تفعيل عمل الحكومة من أجل الاهتمام بشؤون الناس. وأكد أنه لا يستقيم وضع البلد من دون تفعيلها في ظل الشلل الداخلي القائم والأوضاع الإقليمية». وقال: «إذا كانت انتخابات الرئاسة مجمّدة ونريد انتخاب الرئيس من اليوم إلى أسبوعين، هذا لا يمنع تفعيل الحكومة لأن تفعيلها لا يلغي انتخاب الرئيس ولا يتعارض معه».
وقالت مصادر المتحاورين لـ «الحياة» إن الرئيس سلام أدلى بمداخلة مطولة حول هذا البند فقال: «منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي قررت ألا أدعو مجلس الوزراء للاجتماع إلا بعد أن نجد حلاً لأزمة النفايات التي طالت حتى الشهر الجاري، وأنا قلت أيضاً إني سأدعو الحكومة إلى الاجتماع بعد الأعياد. ووجهت الدعوة ولم أستشر أحداً لأن جدول الأعمال فيه 140 بنداً كلها تخص شؤون الناس، وهي غير خلافية وغير سياسية ولا سبب لعدم إقرارها، لا سيما في ظل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة».
وأضاف: «في البلد صراع سياسي مستمر ومستفحل، وهو انعكاس أيضاً للصراع الإقليمي المتصاعد. وفي الانتظار يجب أن يشعر الناس والمواطنون أننا نهتم بشؤونهم، ويجب أن نحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار في عمل الحكومة وفي الوضع الأمني الذي مضت سنتان على النجاح في الحفاظ عليه بفضل التنسيق القائم بين الأجهزة الأمنية وبينها وبين الأجهزة القضائية، وهو أمر يمنع الشر عن البلد. وطبعاً الأجواء القائمة بين القوى السياسية تسمح بالتعاون بين هذه الأجهزة وتدعمها. والمهم ألا تستكين».
وتمنى سلام في هذه الأجواء أن يتجاوب الفرقاء في تفعيل عمل الحكومة، وقال: «أنا منذ الشغور الرئاسي أتفادى طرح مواضيع خلافية على جدول أعمالها، من أجل أن نهتم بشؤون البلاد والعباد».
وأشارت مصادر طاولة الحوار إلى أن الوزير باسيل علق على بند تفعيل الحكومة بتكرار مطلب العماد عون أن يوضع على جدول الأعمال البند المتعلق بتصحيح القرارات المتعلقة بالتعيينات العسكرية، لكنه أشار إلى أن فريقه يرغب في تسهيل عمل الحكومة. وتمنى باسيل أن يتم التوصل إلى موقف إيجابي إزاء التوضيحات التي يطالب بها «التيار الوطني الحر» حول اتخاذ القرارات بالتوافق، قبل موعد عقد جلسة الحكومة الخميس المقبل. ولاحظ غير مشارك في الحوار، أن موقف باسيل لم يكن مطلق السلبية حيال إمكان حضور جلسة الخميس.
وأوضح عدد من المشاركين في الحوار لـ «الحياة»، أن النقاش خلال الجلسة تناول موضوعين ساخنين أثارهما رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في شأن موقف لبنان الذي عبّر عنه باسيل من بيان مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة أول من أمس وحول تصريحات رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد ضد رئيس تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
وفي النقطة الأولى أدلى السنيورة بمداخلة عن امتناع باسيل عن التصويت على البيان الصادر عن الجامعة العربية في شأن إدانة الإرهاب والاعتداءات على المملكة العربية السعودية والتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، متمنياً لو كان الموقف اللبناني أكثر وضوحاً وألا يكون الموقف من الاعتداءات على السفارات تبريرياً. وأثار ما قاله باسيل عن أن الدولة الإيرانية كانت ضد الاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، وأنها اتخذت إجراءات ضد محافظ طهران.
واعتبر السنيورة أن موقف باسيل التبريري لم يكن مريحاً للبنان وأنه كلام هدفه إرضاء الجانب الإيراني.
لكن الوزير باسيل أدلى بمداخلة طويلة شرح خلالها ما حصل، مؤكداً أنه نسق الموقف مع رئيس الحكومة قبل انتقاله إلى القاهرة لحضور الاجتماع وأثناء الاجتماع، في اتصالاته المتواصلة معه على الهاتف، وقال: «كنت دقيقاً في صوغ الموقف اللبناني وأيدنا رفض الاعتداءات على سفارة المملكة وشددنا على ضرورة التزام اتفاقية فيينا بحماية البعثات الديبلوماسية ومنع التعرض لها وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية».
وأوضح أحد المشاركين في الحوار لـ «الحياة»، أن باسيل أشار في مداخلته إلى أنه كان هناك مشروع قرار لوزراء الخارجية العرب في هذا الشأن امتنعنا عن التصويت عليه لأنه تضمن اعتبار «حزب الله» حالة إرهابية حتى لا نوقف التصويت، «لكن حين اقترحوا إصدار بيان إضافة إلى القرار تساءلنا لماذا إصدار البيان بعد اتخاذ القرار، لكننا لم نحصل على جواب. اعترضنا على البيان . ونحن جميعاً هنا غير موافقين على أن «حزب الله» حالة إرهابية. وشرحت للوزراء العرب أن هذا أمر لا تمكننا الموافقة عليه لأنه يمس وحدتنا الداخلية فتفهموا وجهة نظرنا في هذا الصدد وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يهز برأسه موافقاً على ما قلته في شأن انعكاس ذلك على وضعنا الداخلي.
وحين طُلب مني صوغ موقف مكتوب جاءني ثلاثة من الوزراء العرب والخليجيين إلى مقعدي وقالوا لي إنهم يتفهمون الموقف اللبناني. وقمنا بصوغ الموقف اللبناني باتصالات عدة أجريتها مع الرئيس سلام، الذي طلب مني شطب إحدى العبارات الواردة في الفقرة المتعلقة برفض لبنان التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية وأي دولة عربية، فشطبتها حتى لا تُفسر في شكل خاطئ. وأنا قلت للرئيس سلام الذي اتفقت معه على موقف الامتناع عن التصويت:»الله يسترنا عندما نعود إلى بيروت».
ولفت باسيل إلى أن الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي أبدى تفهمه للموقف اللبناني، «وأنا أقول للفريق المعترض على موقفنا في القاهرة إني لو تبنيت الموقف الوارد في قرار الجامعة، لكان هناك فريق آخر في لبنان اعترض على ذلك، ولذلك قلت للوزراء العرب وأقول هنا إن لدينا ظروفاً يجب أن تقدروها...».
وانتهى النقاش بأن أكد بري أن الموقف الذي اتخذه باسيل هو الموقف الذي يجب أن يصدر، خصوصاً أنه أكد رفض لبنان الاعتداءات على السفارة والتعرض للبعثة الديبلوماسية السعودية.
السنيورة ورعد
واعترض السنيورة على تصريح رعد ضد الحريري، والذي قال فيه إن لا مكان له في لبنان، مؤكدا أنه كلام لا يقال ولستم أنتم من يسمح بذلك أو لا، وهذا يزيد من الاحتقان ورد عليه رعد بالقول: «ما حصل أن الرئيس الحريري رد على كلام للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، وهذا مفهومٌ، أن يرد رئيس حزب على رئيس حزب، وأنا لم أتكلم إلا عندما صدر كلام عن أحدهم ولا أريد تسميته». وسحب من ملفه تصريحاً تلا عبارات منه (لوزير العدل أشرف ريفي) قال فيه إن «مكان السيد نصرالله هو قفص الاتهام وإن الحزب قتل رئيس الحكومة (الرئيس رفيق الحريري) وقادة المقاومة واغتال قادة 14 آذار، فهل هذا كلام إنساني وأخلاقي أو وطني؟ ونحن رددنا على هذا الكلام بعدما انتظرنا يومين من دون أن يصدر أي توضيح، ونحن لدينا نواب وأعضاء مجلس سياسي إذا قرر كل واحد منهم أن يتكلم كان يمكن أن تتفاقم الأمور أكثر. وفي كل الأحوال لا يتصرفن أحد على أنه بريء في ما يخص هذه القضية».
ورد السنيورة معتبراً أن ما قيل لا يبرر الهجوم على الحريري، وقال إنه ضد الإسفاف في الكلام من أي جهة أتى، وإذا جاء إسفاف من جهة يجب ألا يقابله إسفاف من جهة أخرى. إلا أن بري تدخل في النقاش قائلاً للسنيورة: «يجب أن نعقد الحوار المرة المقبلة في صيدا، لأنك أمس (أول من أمس) كنت فيها وقلت كلاماً جيداً عن الحوار. هذا الموضوع ليس في جدول أعمال الحوار الآن وليس مفيدا أن نرد على بعضنا ونزيد الاحتقان. وفي المساء هناك جلسة حوار بين «المستقبل» و «حزب الله» وسيتم بحث هذا الموضوع خلالها (عقدت مساء)».
وأشارت مصادر متعددة إلى أن رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل أثار اعتراض حزبه على حصول عملية تبادل نقل الجرحى وعائلات من الزبداني والفوعة وكفريا في سورية عبر الأراضي اللبنانية من دون علم الوزراء وأعضاء الحكومة وكذلك على عقد ترحيل النفايات الذي حصل من دون الاطلاع على التفاصيل. وأثار كلام الجميل حفيظة سلام الذي قال إن «موضوع النفايات مطروح منذ أشهر وحين لم تنجح الحلول الأخرى اعتمدنا الترحيل والأمور واضحة وليس تمام سلام هو الذي يقوم بتهريبة. وقال: «إذا وصلنا اليوم إلى حل للأزمة عبر المطامر في لبنان فأنا مستعد لأن أعدل عن الترحيل». أما بالنسبة إلى التبادل فإن الأمر كان يجب أن يتم قبل شهرين ونصف الشهر لكنه تأخر والأمم المتحدة كانت طلبت منا ذلك. ونحن اشترطنا أن تتم العملية في شكل كامل بإدارة ومواكبة الأمم المتحدة وأن يتولى الجانب التركي عملية النقل، والعملية تمت مع حفظ السيادة والكرامة، فما المشكلة إذا كانت العملية إنسانية بحتة؟».
وحضر الاجتماع إلى بري وسلام والسنيورة ورعد، الرئيس نجيب ميقاتي، نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر، النائب وليد جنبلاط، الوزيران بطرس حرب وميشال فرعون، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، النائب أغوب بقرادونيان، النائب طلال ارسلان. وتغيّب رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون وناب عنه باسيل، كما تغيب زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية وناب عنه الوزير السابق يوسف سعادة وذلك بسبب وجود فرنجية خارج البلد. وبعد مغادرة الجميع التقى بري النائب الجميل على مدى ثلث ساعة، ثم غادر الجميل من دون الإدلاء بأي تصريح وفق «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية).
وأشار ميقاتي إلى أن «هناك جدية لكننا ما زلنا مكاننا والتركيز كان على تفعيل العمل الحكومي».
وأمل مكاري أن يحضر الجميع جلسة مجلس الوزراء. ولفت المر إلى أنه «جرى تأكيد تفعيل عمل الحكومة واتفاق على حلحلة كل المواضيع التي تعقد انعقاد مجلس الوزراء وكانت الجلسة إيجابية وإن شاء الله ستنعقد في شكل إيجابي».
وأكد جنبلاط «مبدأ الحوار، وبعد انقطاع نتيجة الأعياد نجتمع لنؤكد أهميته، فلا مهرب من الحوار ونتبادل الآراء ونتعاتب، استمعنا إلى بعض التوضيحات والعتب المتبادل وإلى توضيح وزير الخارجية حول موقف لبنان، وكنت متفهماً لهذا الموقف وأهم شيء الحوار والتضامن».
وقال فرعون: «منذ ثلاثة أشهر نطالب بحل لموضوع النفايات ومنذ الجلسة الأخيرة لهيئة الحوار وحتى اليوم أصبح عندنا مشروع لترحيلها ومشروع لتفعيل الحكومة، ونأمل بأن يتفعل عمل الحكومة». وأضاف: «على صعيد الرئاسة تبين أن كل شيء معطل حول هذا البند، ولذا طرحنا بأن تكون هناك جلسة تخصص فقط لموضوع النأي بالنفس لأنه ربما تسهل انتخاب رئيس للجمهورية».
أما عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النيابية علي فياض فأكد «أننا اتفقنا على النقطة الأساس وهي تفعيل عمل الحكومة والعمل ما أمكن على تذليل العقبات التي تحول دون انعقاد جلسة الخميس والتعاون على معالجتها خلال اليومين المقبلين»، وقال: «كما اتفقنا على أنه لا حاجة لأي خطاب تصعيدي يسيء إلى مناخ البلد وضرورة التمسك بالأطر الحوارية القائمة والابتعاد ما أمكن عن كل خطاب تصعيدي استفزازي يسيء إلى المناخ السياسي في البلد».
المشنوق : حوارنا الطاولة العربية الوحيدة
- جدد وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق خلال زيارته المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تهنئة القيادة بـ «إنجازاتكم المهمّة، وآخرها توقيف العقل المدبّر لتفجيري برج البراجنة (اول من) أمس»، معتبراً أنها «إنجازات تحمي لبنان واللبنانيين»، وفي الوقت نفسه قدم تعازيه «باستشهاد المؤهل زاهر عز الدين على خطّ الدفاع الأوّل (عرسال) دفاعاً عن لبنان في مواجهة الإرهاب». وقال: «لا تتوقّفون عن التضحية بأغلى ما تملكون في سبيل الدفاع عن لبنان بمواجهة الأخطار، إن في مواجهة شبكات التجسس الإسرائيلية، أو في مواجهة الشبكات الإرهابية التي تحاول زعزعة أمن الوطن».
والتقى المشنوق المدير العام اللواء ابراهيم بصبوص وقادة الوحدات ورئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان، ثم توجّه إلى مبنى شعبة المعلومات حيث التقى عدداً من ضباطها. وقال للضبّاط: «مثل زاهر عزّ الدين، كان اللواء الصديق والحبيب وسام الحسن يعرف أنّه مهدّد، وأنّ المتحيّنين فرصة قتله يتكاثرون، لكنّه لم يترك مهماته، ولا خطر على باله العزوف عن القيام بما يتطلّبه واجبه لحماية لبنان». وشدّد على أنّ «زاهر النشيط المتفاني، أزعج الإرهابيين إلى درجة أنّهم اغتالوه في الليل».
وبعد خروجه من الاجتماع، شدد المشنوق على ان «الوقت حان لوضع قانون برنامج وهيكلية لحاجات قوى الأمن لتتسلم حفظ الأمن الداخلي ويتفرغ الجيش لحماية الحدود».
واكد ان «الحوار مع حزب الله مستمرّ وهو الطاولة الأخيرة وربما الوحيدة في المنطقة العربية التي يجلس من حولها ممثلون للسنّة والشيعة للتحدث مع بعضهم بعضاً. ونحن مصرّون على أنّ هذا جزء من الاستقرار وقرار الرئيس سعد الحريري الدائم هو تمسّكه بالحوار للحفاظ على الاستقرار اللبناني».