تحدق صوفي كاسيكي في صورة صبي أجنبي صغير، يرتدي زيا عسكريا ويضع على رأسه قطعة قماش مكتوب عليها عبارة تدعو لقتل «الكفار» بالعربية، انهمرت دموعها وقالت لصحفي الغارديان «كان يمكن أن يكون هذا ابني» ، وفق ما نقلت صحيفة "الرأي" الكويتية اليوم الإثنين (11 يناير / كانون الثاني 2016).
كاسيكي هي إحدى النساء القليلات من الدول الغربية، اللاتي ذهبن إلى محافظة الرقة السورية عاصمة «خلافة داعش»، وعادت لتحكي حكايتها التي وصفتها بـ«الرحلة إلى الجحيم».
قالت كاسيكي بحرقة «أشعر بالذنب، سألت نفسي مرارا كيف فعلت ذلك، وكيف أخذت ابني ذو الأربع سنوات إلى سورية»، مضيفة «لقد كرهت أولئك الذين استغلوا سذاجتي وضعفي، لقد كرهت نفسي».
وتشير التقارير الاستخباراتية إلى أن حوالي 220 امرأة فرنسية، انضممن إلى تنظيم الدولة في العراق وسورية، وكانت نسبة النساء اللاتي يذهبن للانضمام إلى داعش منذ عامين 10%، أما اليوم فنسبتهم تتجاوز 35% من المسلحين الأجانب.
ولدت كاسيكي وهو اسم مستعار تستخدمه خوفا من مسلحي داعش، في الكونغو الديمقراطية، ونشأت في أسرة كاثوليكية، وأرسلت وهي في التاسعة من عمرها للعيش مع أختها الكبرى قرب باريس بعد وفاة والدتهما بحسب ما ذكرت «سكاي نيوز عربية».
وبينما كانت تعمل كعاملة اجتماعية، تساعد العائلات المهاجرة في ضواحي باريس، قررت كاسيكي 34 عاما اعتناق الإسلام دون أن تعلم زوجها «الملحد»، معتبرة أن الإسلام قد يسد الفجوة الكبيرة التي خلفتها وفاة أمها، وجلب لها الدين راحة مؤقتة بالإضافة إلى 3 شبان مسلمين يصغرونها بـ10 أعوام.
في سبتمبر 2014، اختفى الشبان الثلاثة لتعلم في وقت لاحق أنهم وصلوا إلى سورية، وبقيت على تواصل يومي معهم، وظنت كاسيكي أن الوضع تحت السيطرة، لكن سرعان ما تبين أن الشبان دربوا على تجنيد أشخاص مثلها.
وفي 20 فبراير 2015، قالت كاسيكي لزوجها إنها مسافرة للعمل في دار للأيتام في إسطنبول لبضعة أسابيع وأنها ستأخذ ابنها معها، وبدلا من ذلك اختارت «الطريق الجهادي» من جنوب تركيا إلى سورية.
ولم تكن الرقة تشبه الجنة التي وعدت فيها كاسيكي في شيء، وحين وصلت صدر أمر بعدم خروجها وحدها، وأمرت بتغطية نفسها من الرأس حتى أخمص القدمين، وسلمت جواز سفرها للمسلحين ومنعت من الاتصال مع أسرتها في فرنسا.
وفي مستشفى الولادة التي أمرت كاسيكي بالعمل فيها، صدمت من الأوضاع المزرية للمرضى، ولا مبالاة الموظفين تجاههم.
واستغرق الأمر 10 أيام فقط، لتستيقظ كاسيكي مما أسمته «سبات الشلل»، وذلك عن طريق خطابات وصور عائلية كان يرسلها زوجها عن طريق البريد الإلكتروني، مع الكثير من اللوم بأنها ارتكبت خطأ فادحا.
وبدأت كاسيكي تطلب العودة إلى فرنسا، وقالت إن ابنها يحتاج رؤية والده، إلا ان الأعذار والتهديدات جاءت من كل صوب، قالوا لها أنها امرأة وحيدة لا يجوز أن تسافر إلى أي مكان، وهددوها بالرجم أو القتل إن حاولت ذلك.
وفي ليلة جاء رجل فرنسي إلى كاسيكي طالبا أن يأخذ ابنها للصلاة، وصرخت فيه كاسيكي قائلة «أبعد يديك عن ولدي»، إلا ان الرجل لكمها على وجهها، فنظرت إلى ابنها وأيقنت فداحة الخطأ الذي ارتكبته بحقه.
ومن ثم أخذ الرجل الفرنسي كاسيكي وابنها إلى «المضافة» حيث تجلس النساء الأجنبيات، وصدمت بمشهد الأطفال الصغار الذين يشاهدون مقاطع فيديو يتخللها قطع للرؤوس، وقالت كاسيكي، إن الفتيات جاءوا إلى هنا لمقابلة أمير الأحلام القوي، إلا أن الحال انتهى بهم أرحاما لولاة الدواعش.
أما قصة هروب كاسيكي وابنها، أكثر إثارة من الأفلام، فبعد أن هربت إلى أسرة سورية خاطرت بحياتها لإيوائهما، اتصلت كاسيكي برقم أحد جنود المعارضة السورية أعطاها إياه زوجها من فرنسا، وفي 24 أبريل 2015 اختبأت كاسيكي تحت النقاب ووصلت إلى الحدود التركية على دراجة نارية، ولو أنه تم توقيفها من قبل الشرطة كانت ستقتل.
وصلت كاسيكي إلى باريس بأعجوبة، وتم استجوابها من قبل المخابرات الفرنسية، وسجنت لمدة شهرين ومنعت من الاتصال بعائلتها، وتعمل اليوم على تسوية القضية مع زوجها إلا أنها ما زالت تواجه تهمة خطف الأطفال.