وليس بعيداً عن مراجعات الكتب، يمكننا التوقف عند إضاءة نشرتها صحيفة «الإندبندنت» البريطانية يوم الاثنين (28 ديسمبر/كانون الأول 2015)، تناولت عمل الروائية البريطانية ماري هانا «الغرفة الصامتة»، تلك التي عرفت بقدرتها على توليد متواليات من التشويق الذي يحبس أنفاس القارئ، وبمثابة واحد من المفاتيح التي تمتلكها هانا، وجعلتها على قدم المساواة مع نظرائها من الروائيين الكبار.
هناك أصناف من كتَّاب روايات الجريمة: رفيعو المستوى، وشخصيات نجوم حظيت بحضور غامر، وبما يصدرون، ثمة دعوة بشكل روتيني كي يتقاطر النقاد على هذا النوع من الكتاَّب تناولاً لأعمالهم، والذين يتمتعون بهيبة تُحدث نوعاً من الابتعاد عنهم، وخصوصاً مع الإخفاق الذي يمكن أن ينتاب أعمالهم. بعد ذلك هنالك نوع آخر: هادئون، ومهنيون يعملون بجد، وببساطة، ينخرطون في عملهم، ويقدِّمون أعمالاً موثوقاً بها، خيالاً مقروءاً قد لا يكون مدفوعاً بشحنة من الابتكار أو الخبرة، لكنهم يقدِّمون ذلك النوع من المُنتَج الذي يُرضي القارئ، ويضمن تجديد عقودهم بشكل منتظم مع دور النشر. ماري هانا هي من صنف المجموعة الأخيرة، بما قدَّمته من خلال أكثر من سلسلة من الأعمال الرصينة من الكتب، راكمت لها الكثير من المتابعين والمؤمنين بموهبتها.
تُعِدُّ هانا في روايتها «الغرفة الصامتة» سلسلة من البلاغة، بقراءتها المقنعة لموضوعات كمثليي الجنس، ومحافظتها على أجواء مظلمة ومرَضية مليئة بالتوتر، علاوة على التوصيف اللاذع الذي ترفده بالتفاصيل المقنعة، تلك التي تستقيها من وسائل وطرق الطب الشرعي وملفات الشرطة.
هذا العمل يضع الناشرين أمام اختبار: من أين يمكن للريح أن تهب. بالطرائق الجديدة، والتغييرات المستمرة في تعاقداتهم مع المؤلفين، ما لم تكن هنالك فكرة جديدة، وعلامة يمكن أن تكون محفورة في العالم الروائي.
نجد أنفسنا في منطقة جديدة. شاب يعمل لدى القسم الخاص بالمباحث، ماثيو ريان، الذي يجد نفسه محاصراً بسحابة من الحزن، بعد أن تم القبض على رئيسه بتهمة الفساد، ويعمد مجموعة من رجال الأمن إلى اختطاف الضابط من مكان احتجازه. ويُشتبه في أن ريان هو من قدَّم المساعدة وحرَّض على هروبه.
لا يبدو أفقاً مفتوحاً في القضية، وذلك يعني أن الشرطي الشاب ستكون حياته ومستقبله الوظيفي على المحك. ومع ذلك، ينهار التحقيق الرسمي، وفي التداعيات يكتشف ريان أن موتاً غير مبرر لمواطن نرويجي قد يكون له انعكاسات خطيرة، مع وجود مؤامرة تمتدُّ إلى عدد من القارات.
ماري هانا عادة لديها مفتاحان رئيسيان في المجال الذي تبْدع فيه: موهبتها البارعة وقدرتها على رسم ما يشبه الرقصة في متواليات التشويق، وبذلك يمكن أن تُوضع على قدم المساواة مع النجوم البارعين في هذا النوع من الكتابة.