منذ اغتصاب فلسطين العربية العام 1948 ظلت القضية الفلسطينية، وعلى امتداد ما يقرب من أربعة عقود، متربعة على رأس أولويات القضايا العربية التي تشغل الشعوب العربية مجتمعةً، كما القمم العربية رسمياً، وكانت تحتل مكانة بارزة في وجدان وقلب كل عربي، وليس جديداً القول إن كل الأنظمة القومية العربية التي جاءت بانقلابات عسكرية كانت القضية الفلسطينية من أبرز المبررات التي تسوقها لإضفاء الشرعية على انقلاباتها شعبياً، وتخوين الأنظمة التي سبقتها بخذلانها الشعب الفلسطيني عن نصرته لتحرير وطنه ووقوفها مع أعدائه الأميركان والصهاينة تبعاً للغة الثورية التي خاطبت به شعوبها، ثم بررت تغييب الديمقراطية وإدخال الإصلاحات على أنظمتها بانشغالها للتحضير لخوض المعركة الفاصلة مع العدو الإسرائيلي وتحرير فلسطين كاملةً من النهر إلى البحر.
لكن ليس خافياً أن الشعوب العربية المخدوعة بعسل تلك الوعود القومية الثورية كانت وقواها الوطنية تتوق بشدة لمناصرة شقيقها الشعب الفلسطيني ومشاركة الفدائيين الفلسطينيين في المقاومة الفلسطينية المسلحة، ولطالما رفعت في مرحلة ستينيات القرن الماضي شعارها المطلبي «فتح الحدود العربية» لمؤازرة المقاومة الفلسطينية، لكن من كان يتوقع حينها ولو في الخيال أن يتم فتح الحدود لهجرة الشباب العربي ميمِّمين وجوههم شطر أفغانستان للجهاد فيها، وليس صوب أولى القبلتين في فلسطين، أو يُستبدل شعار «فتح الحدود» بمطلب «إغلاق الحدود» في وجه الجيل الحالي من الشباب التائه المتوجّه بحماس منقطع النظير إلى سورية لنيل الشهادة أو الاستظلال بدولة الخلافة الإسلامية.
لقد كُتب الكثير عن الطابع الوحشي العنيف الذي يتسم به شباب «داعش»، وبغض النظر عن جذورهم العائلية والاجتماعية وتنشئتهم الدينية، والتي تقف مجتمعةً خلف وحشيتهم واندفاعهم المحموم لارتكاب تلك الجرائم، إلا أن قليلة هي الدراسات التي كُتبت عن واحد من أهم أسباب صمودهم واستبسالهم والذي يكمن في امتلاكهم شجاعة وروح قتالية مقدامة لا ريب فيها لإيمانهم الحديدي بعدالة وصواب قضيتهم، لكن لنتخيل هذه الصفة لو تم توظيفها لتنشئة شبابنا العربي عليها، والذي لا يقل شجاعة عن شباب «داعش»، من أجل القضية الفلسطينية كم كان العرب ربحوا وسيربحون من توظيف هذه الطاقات للشباب في مكانها الصحيح في مواجهة العدو الإسرائيلي بدلاً من التفاني والاستبسال في معركة الباطل التدميرية الإرهابية الخاسرة التي يخوضونها الآن؟!
حينما هُزم الجيش المصري العام 1967 في شبه جزيرة سيناء، وتركها منسحباً إلى الضفة الغربية من القناة كان طريق السويس - القاهرة مفتوحاً وبإمكان القوات الإسرائيلية بكل سهولة الوصول للقاهرة، لكن وباعتراف المحللين الاستراتيجيين لم ترغب هذه القوات في التمادي في ذلك لأسباب عديدة منها تفادي الاحتكاك بالعمق البشري الكبير لسكان العاصمة (5 ملايين حينذاك)، ولو أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وضع في حسبانه ذلك مُقدماً بتسليح جماعات وعصابات مسلحة محصنين بحواضن شعبية من أهالي سيناء أنفسهم، وكذلك لو فعل بالمثل الرئيس السوري الأسبق نور الدين الأتاسي في مناطق حدود بلاده مع «إسرائيل»، ولو تم أيضاً تسليح أهالي الضفة الغربية تحوطاً لحرب غادرة تشنها إسرائيل لالتهام هذه الأراضي العربية والفلسطينية وهو ما فعلته في يونيو/ حزيران 1967، هل كانت إسرائيل يا تُرى ستظل محتفظة بهذه الأراضي إلى يومنا بهذه السهولة منذ نحو نصف قرن؟ أو هل كانت «داعش» ستنجح، بعد إهمال حاجات أهالي سيناء المعيشية والعمرانية في عهدي السادات ومبارك بعد انسحاب «إسرائيل» منها بموجب اتفاقيات كامب ديفيد 1979، في إيجاد ثغرات من الحواضن الشعبية لها؟
لقد كان واحداً من أبرز دروس هزيمة القوات الأميركية ودحرها في فيتنام العام 1975 التحام النظام القائم في الشمال مع مقاتلي «الفايتكونج» في الجنوب الواقع تحت الاحتلال الأميركي ودعم كل أشكال عصابات المقاومة بحاضناتها الشعبية في أماكن اختبائها، لكن الأنظمة القومية العربية للأسف لم تكن مطمئنة لاحتكارها السلطة، وكان يراودها القلق من تسليح أي ميليشيات مقاومة شعبية مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي قد تنقلب عليها لاحقاً حينما لا تحظى بالقبول الشعبي.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4873 - السبت 09 يناير 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1437هـ
قراءة غير دقيقة
ما يحصل في سوريا أصبح حرب أهلية مذهبية وداعش ليس أقل لا أكثر شجاعة من الأطراف الأخرى.
تحرير فلسطين أو الحرب بين دولتين تكون حرب اجتياح و استنزاف.
يجب أن لا ننسى ما حصل في لبنان من دمار في آخر اشتباك بين اسرائيل و حزب الله.
الدول العربية لا تستطيع أن تدخل في حرب مع إسرائيل. حيث أن إسرائيل تسطيع ضرب كل العواصم العربية و مراكز القيادة و التحكم.
إسرائيل لا تستطيع احتلال لبنان مثلا لكنها سوف تجعل الحياة فيه صعبة.
كلام جميل وموضوعي
عجبني التحليل
كلام موضوعي
اي شجاعه؟
يا أخي هذه لا تسمى شجاعه. أجبن منهم ما فيه أصلا
شوف اذا انصادوا يبكون مثل الأطفال.
برافو
كلام دقيق جداً
شكراً أستاذ للمقال