ماذا وجدت؟
ذات يوم حدثت معي قصة طريفة وخفيفة، أسردها باختصار لما تحويه من معانٍ قيّمة وعظيمة. لربما تقودنا للتقدم للأمام وتضع النقاط على الحروف.
ذات يوم، كنت مع ملاحظاتي وبين كتبي أقلبها ذات اليمين وذات الشمال، أبحث بين ملاحظاتي وخربشاتي التي لا تنتهي. أصطاد أفكاري الشاردة والواردة أملاً في الوصول للجديد من خلال بعثرة القديم واضافة الحاضر بين ثناياه. تفاجأت بطرق خفيف ومهذب على باب مكتبي، صوت يكاد صاحبه يخفيه حياء. «تفضل!» أجبت وأنا أنظر للباب الذي انفتح ببطء، كان شاباً في منتصف العقد الثاني من العمر، كانت ملامحه مألوفة، حاولت أن أتذكر من يكون، لكنني استسلمت للحظة الضعف التي عانتها ذاكرتي المثقلة بكل شيء... همسات، دندنات، خربشات، أفكار، هموم، ضحكات... أسئلة أحاول إجابتها. أحسست حينها بهدوء عارم يجتاحني، وأنا أتأمل في الزائر الذي تبسم، وداعبت تحيته هدوئي الغريب.
بادرته «مرحباً! كيف يمكنني مساعدتك؟»، تبسم مرة أخرى، تزايدت دهشتي!
قال: «أستاذ... كيف حالك؟ أتذكر من أنا؟»... أحسست بالخجل من ذاكرتي الخائنة! أجبته «وجهك مألوف، لكنني للأسف لا يستحضرني شيء».
تبسم قائلا «أنا يا أستاذ اسمي (فلان)... درستني قبل سنوات».
هدأ خجلي قليلاً «أهلا يا فلان! كيف حالك؟ إن شاء الله بأحسن حال؟»
-نحمد المولى على كل حال. أنا قد تخرجت قبل مدة، ووفقت للحصول على وظيفة في إحدى المؤسسات، جئت لأشكرك لما قدمته لنا من فائدة.
-يا بنيْ ... سرّني سماع أخبارك الطيبة، و أتمنى لك التوفيق والسداد في خدمة بلدك. لا تشكرني على واجبي، فأنا ما قمت إلا بما يمليه علي ضميري ورغبتي في صنع كوادر تخدم المجتمع وتساهم في رقيّه. وإن كنت ستشكرني... فذلك بالتفاني في خدمة المجتمع ورقيّه.
-إن شاء الله أكون عند حسن الظن.
أردف «أستاذ... عندي موضوع كنت أبحث فيه، وعند رؤيتك... أجدني الآن مقتنعاً بما وصلت إليه».
سألته مستغرباً «و ما هو؟»
أجاب «كنت أفكر كثيراً بمقولة (المدرس شمعة تضيء طريق الآخرين)، وأحاول أن أثبت صدقها من عدمه في بلدنا. قمت بزيارة العديد من المدرسين الذين قابلتهم في مسيرتي الدراسية لأتعرف على صحة هذا المعنى».
تبسمت «وماذا وجدت؟»
أجاب بنبرة ممزوجة بالانفعال والحماس «أجدني مهتماً بما يحدث لكم! أنتم تذوبون يوماً بعد يوم! لا أحد يكترث! لا أحد يفهم ما مدى المعاناة التي تعيشونها، لا يوجد تقدير! لا توجد امتيازات أو اعتراف بأنكم طبقة مهمة ويجب أن تكون لكم مكانة مميزة في هذا المجتمع!» «أتعرف يا فلان... (المدرس شمعة تضيء لتنير درب الآخرين) مقولة ناقصة».
استغرب «كيف ذلك؟».
قلت: «المقولة الصحيحة هي أن (المدرس شمعة تضيء لتنير الدرب الصحيح للآخرين، من دون أي اعتبار لمن يكونون، و لأي أمة ينتمون... وعندما تذوب وترحل تترك بصماتها في بناء البشرية) هذه هي المقولة الصحيحة، هذا ما يهم».
استغرب «هذا كل شيء! هذا ما يهم! ماذا يعني ذلك؟».
«يا فلان... الشمعة المضيئة لا تهتم إلا لحقيقة أنها تنير الدرب الصحيح للسالكين. هذه مهمتها فحسب. تشتعل، تحترق ثم تذوب... وهدفها هو أن تشير للدرب الصحيح الذي يجب أن يسلكه الناس فحسب. هذا ما تعرفه الشمعة... هذا ما يهمها فعلا، آثارها تبقى لينتفع بها الناس».
سألني «وماذا لو ضاع أحدهم؟ ماذا لو سلك أحدهم طريقاً لا يلتمس فيه الصواب؟».
أجبته «هذه مشكلته. مهمة هذه الشمعة هي أن تشير للنجدين، ومهمة السالك أن يتبع الصحيح ويتجنب الخطأ. كلنا لنا عقول نفكر بها، إن استخدمناها بشكل صحيح فستعصمنا عن الخطأ. البحث عن الحقيقة المطلقة يكون بعيدا عن أي اعتبارات وتوجهات يحملها الفرد، وإلا فإن ذلك سيتمخض عن الوصول لغاية مشوّهة لا تفي بالغرض. لذلك هي مسئولية الباحث عن الحقيقة المجردة بأن يتجرد من أي اعتبارات قبل أن يستنتج شيئاً».
تأمل بهدوء في كلامي، ودّعني ثم انصرف، وهو يتمتم بكلمات لم أسمعها. عدت لأوراقي أبعثر فيها كالعادة، ربما تفهمني وتسمع حديثي... فليست حبراً على الورق.
أيمن زيد
إن الجنسيات المتعددة التي تقيم في مملكة البحرين، وتزايد أعداد الأجانب الوافدين الى هذا البلد الكريم يتطلب بذل المزيد من الجهود في سبيل تحقيق التناغم والانسجام الاجتماعي بين جميع فئات سكان مملكة البحرين من مواطنين ومقيمين، وهذه الجهود التي نتكلم عنها ليست مسئولية الجهات العامة وحدها فحسب، إنما هي مسئولية فردية لكل شخص يعيش في البحرين، وهذا يتطلب وعي جميع الأفراد لأهمية تغيير بعض السلوكيات التي تؤثر سلبًا على تحقيق الانسجام الاجتماعي.
إنَّ احترام عادات وتقاليد البلد الذي تعيش فيه، وتحظى بحقوق وميزات تضمن لك حياة لائقة وكريمة في ظله، هو واجب عليك، وواجبك تجاه هذا البلد لا ينحصر في احترام العادات والتقاليد فقط، إنما يحتم عليك الحرص على مصلحة هذا البلد وعلى مظهره الحضاري، وتذكر أن كل ما تقوم به من سلوكيات ايجابية يعكس انطباعاً ايجابيّاً عن حضارة وثقافة وطنك الأم.
وبالمثل عزيزي المواطن البحريني، إن المقيم في البحرين يوظف طاقاته وامكانياته في سبيل تنمية وتطوير بلدك ووجوده يؤمن وفرة من اليد العاملة والعقول المبدعة التي تسعى إلى بناء هذا البلد الكريم يداً بيد مع المواطنين البحرينيين، فهذا الضيف اذن له دور ايجابي وفعّال في وطنك ومن حقه عليك أن تعامله باحترام وتقدير كما تحب أن تعامل أنت في أي بلد أجنبي تزوره. فأنت من ولد على أرض البحرين الحبيبة وتربيت وأصبحت رجلاً تشرف بلدك داخلها وخارجها عليك أن تفتخر بذلك.
وبالنسبة لدور الجهات العامة فنتمنى توجيه الاعلام لترسيخ ثقافة احترام الآخر ، وتأكيد أهمية التزام جميع الأفراد من مواطنين ومقيمين بالسلوكيات الإيجابية التي تحفظ كرامة كل فرد يعيش فوق أرض البحرين الحبيبة.
صالح بن علي
ولا تزال في حال الشرود والتوهان؛ لأنها هي طبيعة أفكارك أن تكون عن حقيقة ما هو كائن يكون في شرود وتوهان، كان بإمكانك أن تستمع لصوت قلبك وتتبع إرشاداته عندما لم تجد أحدًا هناك، لكن كيف لم تجد أحدًا هناك وأنت عن الحب باحث؟
أنت هو العائق الأكبر في حياتك، فأنى لك أن ترى أحداً، وأنى لك لا ترى سوى ما تبصره بعينيك من حالات ومستويات؟ فإن كنت أنت ساكنا ولست بباحث عن شيء من الأشياء، عن شخص من الأشخاص، فهل أنت حقا هنا؟ لا أحد هنا، إنها هي الأنا التي تبحث في غياب، وغيابك هو للحشد غياب، فحينما تفتح عينك يختفي الأفراد وما يبقى سوى محيط وعي لا شكل له ولا أسماء، ولا تعريف ولا مكان، من كل جانب بالكل يحيط؛ لأنه ما وجدت الأفراد إلا بسبب وجود عقول باتت لهؤلاء الأفراد هوية، إن رغباتك عن رغبات غيرك مختلفة؛ لذلك يحضر بينك وبين غيرك الاختلاف، الاختلافات تصنع المسافات وأنت تبحث هنا وغيرك يبحث هناك، فولدت المسافات وشقت الطرقات وولدت بيننا اختلافات وربما خلافات.
حينما تتنحى أفكارك عن طريقك، تختفي عندها الرغبات وما تتطلبه على الطرقات، تقصر المسافات فكيف لهكذا أفكار من وجود في هكذا مقامات وسياقات؟ حياتك ستصبح كنهر يصب في بحر من الحب ويتدفق ليتوحد ويختلط مع ما انساب منه وتدفق، حتى تشعر أنك بالحب تذوب وتختفي فترتفع بنفسك وبها تحتفي.
علي العرادي
العدد 4871 - الخميس 07 يناير 2016م الموافق 27 ربيع الاول 1437هـ
-
جميل جداً.