العدد 4869 - الثلثاء 05 يناير 2016م الموافق 25 ربيع الاول 1437هـ

ستَّةُ كتب تتناول العبقريةَ والفقد... الهويةَ والاغترابَ والعزلة والرثائيَّة

غلاف «شتاء» - غلاف «عصر إعادة الابتكار» - غلاف «معجم التفاهم المتبادل»
غلاف «شتاء» - غلاف «عصر إعادة الابتكار» - غلاف «معجم التفاهم المتبادل»

لا يعني انتخاب كتب بعينها أنها الأفضل. تظل المسألة نسبيَّة، وخصوصاً في ظل تدفُّق سيْل من الإصدارات التي تُعدُّ بالآلاف في الولايات المتحدة خصوصاً، وأوروبا عموماً، وتظل دائرة الرصْد ضمن تلك المنطقتين، لأنهما الأكثر وفرة، ودوران عجلة، ومحاولات الاشتغال على صيغ وتناولات جديدة ومُبتكرة.

كتبٌ تتناول العبقرية المشوبة بالمناورة، كما في كتاب بيبيات، واستدعاء الفقْد

كما هو الحال في رواية جاكي كوبليتون «معجم التفاهم المتبادل»، والاتجار ببقايا الآثار المقدسة، وبطلها ديسماس، في «سيد البقايا»، وموضوعات الهوية... الاغتراب، وحالات الفصام التي نقف عليها في «عصر إعادة الابتكار» للفرنسية كارين تويل، والرثائية التي تكتنفها صور من الكوميديا، كما في رواية «شتاء»، لكريستوفر نيكلسون، وأخيراً في عمل الروائي تشارلز لامبرت «دار الأطفال»؛ حيث لا تركيز يمكن ملاحظته على الزمان أو المكان؛ وحيث العزلة.

يتناول تقرير Carmela Ciuraru الذي نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم الأربعاء (30 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، بشكل سريع جانباً من تلك الأعمال، مع هوامش ارتأى محرر «الوسط» إضافتها في ثنايا التقرير.

بيكون... الغرق في اليأس

في كتابه «فرانسيس بيكون في دمك»، يُضيء مايكل بيبيات، جانباً من يوميات وحياة الرسَّام البريطاني فرانسيس بيكون، بحكم الصداقة التي جمعت الاثنين في مطلع ستينات القرن الماضي.

في العام 1963، كان مايكل بيبيات، الذي يبلغ من العمر واحداً وعشرين عاماً، طالباً في جامعة كامبريدج، عندما التقى الرسَّام البريطاني فرانسيس بيكون، الذي كان وقتها في الثالثة والخمسين من عمره. أجرى بيبيات مقابلات مع بيكون لمجلة الطالب في الجامعة نفسها، ونتجت عن تلك اللقاءات صداقة سيُقدَّر لها أن تستمر حتى وفاة الرسَّام في العام 1992. كتب بيبيات سيرة متميِّزة للرسام، كان من محطَّاتها حلقة لندن الاجتماعية وعلاقة بيكون بها، وشملت الحلقة وقتها كلاً من: لوسيان فرويد، ديفيد هوكني، سيريل كونولي. وجد الكاتب الشاب شخصية الأب بيكون، بقدرته على بث الحيوية الوافرة، و «العبقرية المشُوبة بالمُناوِرة». وقف عند هوسه بالشمبانيا وحبِّه للكافيار، وشيء من الضوء على الغرق في اليأس، وفضحه للوحشية والبشاعة في الأعمال التي اشتغل عليها، أو تلك التي أنجزها. وكما كتب بيبياتي:»وحشية اللوحة، والهجوم على النوع البشري، كل ذلك كان مُقتصراً على الأستوديو وفي حدوده». (القسوة المُتكرِّرة لدى بيكون تدلُّ على النقيض مما يحمله ويمثِّله) هذه المذكرات الجميلة هي ثاقبة أكثر بكثير من مجرد ثرثرة.

يُذكر أن فرانسيس بيكون رسَّام إنجليزي من أصل أيرلندي، ولد في دبلن بتاريخ 28 أكتوبر/ تشرين الأول 1909، وتوفي في مدريد بتاريخ 28 أبريل/ نيسان 1992. هجر أسرته وهو في السادسة عشرة، إثر إقامته القصيرة بمدرسة شلتنهام، ليطوف كلاً من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، قبل أن يستقر في لندن العام 1928. تجلَّت ميوله للتصوير إبَّان أسفاره تلك، وزار العديد من المعارض. وفي باريس انقلبت حياته رأساً على عقب لدى مشاهدته أعمال بيكاسو والتكعيبيين، ذلك أن الأعمال التي أنجزها في السنوات التي أعقبت هذه الزيارة تعكس مدى تأثره بالسريالية وبالتكعيبية التركيبية وفروعها.

بتشجيع من صديقه روي دو ميستر، عمل مُصمِّماً للسجَّاد والأثاث المنزلي في العام 1929، فجاءت تصاميمه شبيهة بأسلوب الباوهاوس (مصطلح يعبِّر عن مدرسة فنية نشأت في ألمانيا كانت مهمَّتها الدمج بين الحرْفة والفنون الجميلة، أو ما يُسمَّى بالفنون التشكيلية كالرسم، التلوين، النحت والعمارة من بين الفنون السبعة)، لكنه سرعان ما هجر عمله هذا ليتفرَّغ للتصوير، إلَّا أن سنوات الحرب التي تلتْ ذلك، وانهماكه في الدفاع عن الوطن أدَّت إلى ندرة إنتاجه الفني. وكشفت باكورة أعماله عن تأثره البالغ بالفنانين بيكاسو وليجيه ولورسا وسوفربي، إلَّا أنه أتلف أعمال تلك المرحلة جميعاً، باستثناء اثنتي عشرة لوحة، من بينها دراسات ثلاث تدور حول صَلب السيد المسيح، التي اشتغل عليها لسنوات طويلة. ومع ذلك فإن هذا الموضوع الديني، الذي سمح لبيكون تكوين لغته التشكيلية، كان قد سبق وعالجه قبل هذا التاريخ؛ إذ استخدمه في العام 1931 ليعود إليه مراراً وتكراراً في الأعوام 1932 - 1936 - 1962.

كان بيكون يُصرُّ على مشاهد صنعتْها الحروب والآلة واقتصاد السوق الحرة وانهيار القيم، لزرع الرعب والقشعريرة.

استدعاء الفقْد

رواية جاكي كوبليتون «معجم التفاهم المتبادل»، ترتكز قصتها على رجْع وصدى الذكريات، استدعاء لفقد حدث فترة الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى الفترة الزمنية المعاصرة، بعد أربعين سنة على قصف مدينة ناغازاكي اليابانية.

يظهر رجل ياباني في منزل أرملة عجوز بفيلادلفيا، إنها آماتيراسو تاكاهاشي. وفي يد مشدودة الأصابع يحمل حقيبة، مُدَّعياً أنه حفيدها. آماتيراسو تعرف أنه مُحتال: ابنتها، يوكو، وحفيدها البالغ من العمر 7 سنوات، هيديو، ماتا في ذلك اليوم المروِّع من شهر أغسطس/ آب العام 1945، ولم يتم استعادة جثتيهما. الرجل مستمر في ادِّعائاته أنه حفيدها، ويقدِّم مجموعة من الرسائل كدليل على هويته. لاتزال آماتيراسو، وحيدة وتفرط في الشراب كي تتمكَّن من نسيان ما فقدتْه، وهي في حالة إنكار مستمر بأن ما حدث قد حدث. «أقنعت نفسي بأنني نسخة تم تحريرها من الماضي الذي أنتمي إليه كضرورة لحياة مُحتملة»، بحسب قولها. «وإلا كيف يمكنني أن أستيقظ في الصباح وأكون قادرة على مواجهة يوم آخر؟» رواية عميقة ولافتة لا تنزع أبداً إلى السذاجة، كما تستكشف الحزن والشعور بالذنب بعد إماطة اللثام عن أسرار عائلية دفينة منذ زمن طويل، إنها رواية العلاقات المُدمِّرة للحبِّ، بل وتتجاوز ذلك بكثير.

سيد البقايا

كريستوفر باكلي في «سيد البقايا»، لا يبرح التاريخ البعيد نسبياً؛ حيث تصبح بقايا الآثار المقدَّسة موضوعاً تدور حوله أحداث روايته.

في روايته الأخيرة يأخذ كريستوفر باكلي موضوعات ذاكرته إلى الإمبراطورية الرومانية المقدَّسة في العام 1517؛ حيث النفاق... الكذب... الفساد والجشع، وكل ذلك في استشراء وتوغُّل. دهاء بطل الرواية، ديسماس، تاجر الآثار المُقدَّسة، الذي كان يخطط ليكون راهباً، ولكنه «لم يتمكَّن من الاعتياد على ساعات العزلة التي تتطلَّبها») كان في الغالب يعمل على تعهُّد رغبة اثنين من زبائنه المتنافسين: فريدريك، حاكم ولاية سكسونيا، ويأتي في الترتيب الثاني بين الذين يملكون مجموعة من الآثار المُقدَّسة بعد الفاتيكان؛ ورئيس أساقفة ماينز، الذي يعامل ديسماس بنوع من الانضباط والالتزام بالنبل المُبَالغ فيه اتجاه «الأرستقراطيين» جنباً إلى جنب مع صديقه المقرَّب، الفنان الألماني ألبرشت دورر. يتآمر ديسماس لبيع زبونه كفناً وهمياً، وهو المخطط الذي قد يكون مُدمِّراً، هذا إن لم يكن قاتلاً، في الوقت الذي يُلغِّم باكلي حبكة الأحداث ببراعة بتلك المُسْحة الكوميدية المُحبَّبة.

يذكر أن كريستوفر تايلور باكلي كاتب وروائي وهجَّاء سياسي أميركي. ولد في 28 سبتمبر/ أيلول 1952) من بين مؤلفاته: «شكراً على التدخين»، رواية نشرت العام 1994، وتحكي قصة نيك نيلور، تاجر تبغ ذي نفوذ في سنوات التسعينيات، و«فوضى البيت الأبيض».

بعد تلقي التعليم التقليدي في مدرسة دير بورتسموث، تخرَّج باكلي من جامعة ييل في العام 1975.

الهوية... الاغتراب

«عصر إعادة الابتكار» رواية الفرنسية كارين تويل، والتي قام بترجمتها إلى الإنجليزية سام تايلور، تشتغل على موضوع الهوية وحالات الفصام والاغتراب.

تختار تويل في قصتها محامي دفاع جنائي بارز. في أحداث القصة زواج سعيد. ولكن كل شيء تقريباً عن حياة سام (سمير) طاهر هو كذب، بتأثر «سلوكياته... وصوته المشوب بلكنة أرستقراطية»، المولود لمهاجريْن مسلميْن، وضمن صور «التربية وحشية» التي يتعرض لها حيث تقطن العائلة في أحد الأحياء الفقيرة في باريس، في تفاصيل الرواية وتداعياتها، ذلك التحوُّل التدريجي الذي يصير إليه بطل الرواية من مخلوق منحط، يناور واقعه المُر من خلال تقمُّصة شخصية يهودي؛ ما يقود - منطقاً - إلى حضور سؤال الهوية ومحنة الاغتراب وما يترتب عليه.

بين الصديقين «سمير» الذي يموت والده فتضطر أمه إلى العمل كخادمة، و «سام أو سامويل»، وهو الآخر ابن أسرة مهاجرة ولكنها يهودية، وحال التنافس بينهما على «نينا»؛ حيث تختزل الفتاة حال الصراع بين الصديقين في مسائل دينية وطبقية وعرْقية وجنسية، وتواري «سمير» بفعل الصدمة في انكسار. تتصاعد أحداث الرواية، بالعودة المفاجئة لسمير من الولايات المتحدة الأميركية بعد ما يقارب عشرين عاماً، حيث حدث التغيير في الهوية، وانعتاقه من أصوله الإسلامية والعربية، ونهاية فقره، تقمّصاً لليهودي - ادِّعاء - وتتويج ذلك بزواجه من ابنة ثري يهودي من مدينة منهاتن.

رواية كارين تويل دخلت قائمة المرشحين لجائزة غونكور الفرنسية، وقد أثبتت المتعة التي تحويها، إلا أنها لا تقدِّم حالات مبتكرة بما فيها الكفاية، بتجاوز الموضوعات المألوفة، تلك التي تتناول الهوية والنفاق وإعادة ابتكار المعالجات. الرواية لم تخْلُ من امتلائها بالحواشي التي بدت مُقْحَمَة نوعاً ما.

شتاء

في رواية «شتاء، لكريستوفر نيكلسون، هنالك ما أطلقت عليه كارميلا «الرثائية»، والتركيز على موضوعة ضبط النفس. رثائية كريستوفر نيكلسون في رواية ضبط النفس... التأمل في الشيخوخة... الزواج والخسارة، تعمد إلى تخييل فترة معروفة في حياة توماس هاردي. في العام 1924، في دورتشستر بإنجلترا، حيث وجد الروائي البالغ من العمر 84 عاماً نفسه مغرماً بممثلة محلية في منتصف العشرينات من عمرها، جيرترود بغلار، والتي ظهرت على مسرح صغير مؤدية دوراً في عمل Tess of the d›Urbervilles وكان حريصاً على أن يقدمها في إنتاج قادم سيعرض في لندن على رغم خبرتها البسيطة. في ذلك الوقت، كان هاردي متزوجاً بامرأة ثانية تبلغ من العمر 45 عاماً، فلورنس؛ إلا أنه «وجد نفسه في كثير من الأحيان مسكوناً بجيرترود في تلك الأيام الرطبة التي بشرت ببداية فصل الشتاء». ينقل نيكلسون وجهات النظر لكشف كيف أن هاردي يؤثر بافتتان على كل شخصية في العمل؛ ولاسيما بالمعاناة التي حلَّت على زوجته، ومحاولات فلورنس الشرسة لإقصاء جيرترود الساذجة من حياة هاردي.

دار الأطفال

الروائي تشارلز لامبرت، في «دار الأطفال»، حيث لا تركيز على الزمان أو المكان، حيث العزلة، ووضع اليد على ما هو سري، يأخذنا إلى أجواء ضيعة/ ملْكية مترامية الأطراف منها تنطلق أحداث الرواية.

هذه الرواية المثيرة للقلق هي بالتأكيد واحدة من أكثر القصص الغريبة لهذا العام. المكان والزمان غير معروفين. الأطفال المُتخلَّى عنهم في أعمار متفاوتة يبدأون الظهور في ضيْعة مترامية الأطراف حيث العزلة. يتولى مورغان فليتشر، مساعدتهم ورعايتهم. لم يتم الكشف في الرواية عن الظروف التي أدَّت إلى وصول الأطفال إلى تلك الضيْعة. وبحسب تعبير مورغان «كما لو أنهم جاءوا من الأثير»، مشيراً إلى أنهم يتصرفون بشكل غريب، ويبدو أنهم يختفون بحكم مشيئة ما. ومثلهم مثل أي أطفال آخرين، يظلون يجوبون الممرات، ويقومون بمحاولات اكتشاف مثيرة للقلق، ويعثرون على الغرف السرية.

في نهاية المطاف تأخذ محاولات استكشاف الأطفال مورغان إلى ما بعد أسوار الضيعة وصولاً إلى المصنع الذي أسَّسته أسرته، حيث يعمل على مواجهة الأجواء التي أدَّت إلى إبعاد شقيقته المليئة نفسها بالحقد. ثمة قدرة يمتلكها لامبرت بأسلوبه النثري المُضمر والمليء بالمجازات أن يعزِّز حالاً من الرهبة وإشاعة حالات من القشعريرة في الرواية، مع وضوح أنه يتجنب تقديم حلول كاملة أو تبيان عديد من أسراره التي ضمّنها العمل.

وبحسب مجلة «البوتقة» في عددها السادس والعشرين لشهر يوليو/ تموز 2015، في الملف الذي خصصته لترجمة قصته «أريج القرْفة»، ولد تشارلز لامبرت في العام 1953 في بلدة ليتشفيلد البريطانية، ونشأ بها. فاز بمنحة للالتحاق بجامعة كامبريدج من العام 1972 إلى العام 1975. انتقل للعيش في مدينة ميلانو الإيطالية العام 1976. اشتغل عاملاً في المطبخ، ومساعداً في أحد المتاجر، ورئيس تحرير إحدى الصحف الطبية، وكاتباً للكتب السياحية، وموظف استقبال، ومدرساً للعلوم السياسية، وصحافياً في وكالة «أنسا» الإخبارية الإيطالية، ومجلة «تايم آوت». يعمل حالياً في الجامعة، ومترجماً أكاديمياً، ومحرراً للوكالات الدولية.

بدأ لامبرت يكتب الأدب في نهاية التسعينات، وظهرت قصته الأولى «الأموال»، وتلتها بعد ذلك «المنائر»، التي فازت في مسابقة «إندبندنت أون صنداي/ بلومزبيري» للقصة القصيرة العام 1997. له من الأعمال «المريدون»، «كأس القربان المسموم»، «ضياع كل شيء»، «ضوضاء في الخلفية»، «العرْي»، «النمل الجنود»، طفل شتاء»، ورشحت لجائزة ليتشفيلد العام 2004.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً