يتجوّل تجار السلاح، وما أكثرهم، بين الدول وفي مناطق الصراع، بحثاً عن أسواق جديدة لبيع الأسلحة وترويج ثقافة الموت، ونشر الخراب والدمار، ويتجوّل باعة الأوهام بين شبابنا اليوم، وللأسف، بحثا عن عقول خاوية ونفوس ضعيفة يائسة تصدّق ما يعدونهم به من أوهام بعد هذه العملية الانتحارية أو تلك، في صفوف الأبرياء من عامة الناس، من إخوانهم، من أصدقائهم، من عائلاتهم...
لكن يتجوّل أيضا دعاة السلام، على قلّتهم، وإنْ على استحياء وفي مشقّة، من دولة إلى أخرى سعيا وراء نشر ثقافة التسامح والسلام. وشخصية هذا الأسبوع رحّالة لُقّب بابن بطوطة الجزائريّ، وبحمامة السلام وبسفير السلام وغيرها من الألقاب. ذلك هو ابن عطاء الله أحمد الحرزلي أيقونة للسلام وعلم من أعلام التسامح والعيش المشترك.
ولد الحرزلي بمدينة مسعد من محافظة الجلفة الجزائرية العام 1953، علّمته الحياة الحب، فلم يحمل غلا لأحد، خاصة وهو المعلم والمربي حيث عمل مدرّسا للغة الفرنسية قبل أن يتركها ويبدأ أول رحلة مكوكية له مشيا على الأقدام أوبالأوتوستوب سنة 1976، ليجوب مواقع عدة في أكثر من قارة بحثا عن المعرفة واكتشاف ثقافة الآخرين وأعرافهم محبا للسلام.
قد تبدو قصته نسجاً من الخيال، لكنها قصة حقيقية لرجل مغامر له اندفاع لامحدود وإرادة صلبة فقد انطلق في جولة مراثونية قادته إلى نحو ما يربو على 80 دولة، غابت خلالها الحدود الجغرافية بخريطة للعالم ارتسمت في مخيلته على شكل قرية صغيرة بدون حدود. وشارك خلال رحلاته تلك في مهرجانات عالمية مؤيدة لفكرة السلام، بعرض صورٍ وملصقات أو إلقاء أشعار تليها خطابات ومحاضرات ألقاها ولايزال يلقيها طائر السلام.
لم يبخل ابن الجزائر على بلده بجهده في نشر السلام، حين دخلت نفق الظلام مطلع التسعينات وعاشت أسوأ فترات تاريخها الحديث اقتتالا بين الدولة والمتطرفين، إذْ شرع في (نوفمبر/ تشرين الثاني 1994) رحلة السلام بين الجزائريّين واستمر في دعوته تلك حتى تحقق شيء من الوئام والصلح. أسس جمعية أطلق عليها اسم «في خدمة السلام» رافقه صديقه المصري محمود محمد مصطفى لينشط من خلالها في خدمة السلام في العالم كما في بلاده، فيرأب الصدع بين الفرقاء. كما كان له دور كبير في التقريب بين أبناء الشعبين المصري والجزائري عقب مباراة كرة القدم الشهيرة بين البلدين.
الرحالة ابن عطاء الله أحمد الحرزلي رجل عالمي بامتياز، يحب السلام حتى النخاع، لوطنه الجزائر كما للعالم ، وينبذ كل أشكال العنصرية، ويحلم بتوحد الشعوب جميعًا، لا يكل ولا يمل، تراه مميزا عن الآخرين، يضع على رأسه عمامة بيضاء يصفها بشعار السلم وتقليد أهل الصحراء المحبين للخير، وتصاميم بدلته الخاصة وطريقته في الكلام التي حملت ايحاءات عكست جرأته وشخصيته الفريدة بكثير من البساطة.
كرّمه كبار الملوك والرؤساء منهم عبدالعزيز بوتفليقه، ياسر عرفات، نيلسون مانديلا، فيدال كاسترو، المستشار الألماني السابق ويلي برونت الحائز جائزة نوبل للسلام، رئيس الوزراء السويدي الأسبق أولوف بالم، وكذا هو?و تشافيز، الراحل الشيخ زايد، وبعض المشايخ والعلماء والقائمة طويلة... إنه سفير السلام العالمي على رغم أنه لم يشغل أي منصب دبلوماسي؛ فقد كان في كل مرة يستقبل كرجل مميز، على رغم ذلك تجده متواضعا، يحب العيش بحياة البساطة، متمسكا بالاستقامة، محبا للأطفال؛ لأنهم حسب تقديره رمز البراءة.
تحصل داعية السلام ابن عطاء الله أحمد الحرزلي على عدة جوائر دولية، منها ميدالية برلين بألمانيا، والجائزة الدولية للسلام والتضامن في كراكاس عاصمة فنزويلا أثناء مؤتمر دعاة السلام العام 2005، وكذا ميدالية الشباب من أجل السلام لكوريا الشمالية، واليوبيل الذهبي للعلاقات الجزائرية الصينية من طرف الإذاعة والتلفزيون الصينية، والميدالية الثقافية بشنغهاي (الصين).
سئل الرحالة أحمد الحرزلي مرة عن غايته من هذه الرحلات، فأجاب أن هدفه الوحيد هو إرساء السلام في أرجاء المعمورة وتمثيل البلاد أحسن تمثيل، مخلدا لبطولات الشهداء والتعريف بالموروث الثقافي. وقال له الراحل ياسر عرفات إن شعب فلسطين والأمة العربية والإسلامية يفتخرون برجال أمثالكم ستصلون إلى القدس عن قريب إن شاء الله، وحدثه الرئيس السابق نيلسون مانديلا قائلا إن الذي تقومون به ليس من أجل الجزائر وإفريقيا فقط، وإنما من أجل الإنسانية جمعاء، إنه السلام.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4868 - الإثنين 04 يناير 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1437هـ