تنظر المحكمة الكبرى الإدارية في (20 يناير/ كانون الثاني 2016) دعوى مقدمة من أصحاب محلات بسوق المحرق المركزي يطالبون بالحكم بوقف تنفيذ مشروع تطوير سوق المحرق المركزي ووقف قرار الإخلاء إلى حين الفصل في الدعوى.
يّذكر أن المحكمة الكبرى الإدارية قضت في (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015) في سبعة أحكام في قضايا منفصلة بإخلاء 7 محلات بسوق المحرق المركزي.
وتقدم المحامون أحمد المرباطي ويوسف السيد وعبدالكريم النواف باعتبارهم وكلاء لثمانية من تجار سوق المحرق المركزي، والذين يشغلون 19محلا من محلات السوق بالإضافة إلى المركز التجاري، بدعوى أمام المحكمة الكبرى الإدارية ضد كل من وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني ومجلس المناقصات والمزايدات الحكومية ورئيس مجلس المناقصات والمزايدات (بصفته) وبلدية المحرق ورئيس الجهاز التنفيذي لبلدية المحرق (بصفته) والشركة التي أنيط بها تطوير سوق المحرق المركزي، طالبو في ختامها، بالحكم وبصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ مشروع تطوير سوق المحرق المركزي ووقف قرار الإخلاء، إلى حين الفصل في الدعوى، وفي موضوع الدعوى، أولا: الحكم بإلغاء الأعمال التمهيدية كافة التي أدت إلى إبرام عقد تطوير سوق المحرق المركزي من وضع شروط المناقضة والإعلان عنها، وتحقيق شروط المناقصة وإرساء المناقصة، لمخالفة كل ذلك للتنظيم الذي قرره المشرع في قانون تنظيم المناقصات والمشتريات الحكومية، ثانياً: الحكم ببطلان القرار الصادر بإبرام عقد تطوير سوق المحرق المركزي، لمخالفة إجراءات نشأته وتنفيذه لقواعد قانونية آمرة تتعلق بالنظام العام.
وقد تحدث المحامون في لائحة الدعوى عن دور القضاء، واعتباره سلطة فوق السلطات، من أهمية، لمراقبة جميع التعاملات التي تقوم بها أي من مؤسسات الدولة، في حماية الأموال العامة، وحفظ مبالغ مالية طائلة، قد يكون لها الدور المهم في سد العجز الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة، في ظل الإشكاليات الاقتصادية الكبيرة.
وأشاروا إلى المخالفات الدستورية والقانونية التي تخللت عقد تطوير سوق المحرق المركزي، ومن أهمها: أولاً - عدم اتباع المدعى عليهم القيود التي أوردها القانون والمتعلقة بموضوع العقد المبرم بشأن تطوير سوق المحرق المركزي، إذ بين المحامون أن الادارة خالفت كل القيود التي فرضها المشرع، ومن ذلك التزامها بأخذ الرأي والتصريح بالتعاقد، فقد فرض المشرع على السلطة العامة التزاما بأخذ رأي هيئة التشريع والإفتاء القانوني قبل إبرام العقد، وقد أكد تقرير ديوان الرقابة المالية عدم وجود ما يفيد عرض إنشاء وتطوير سوق المحرق المركزي، والعقد الملحق به على هيئة التشريع والإفتاء القانوني لمراجعته، على رغم أن قيمته تزيد على 300 ألف دينار، ما يخالف البند (7) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2010 بشأن إعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية.
ثانيًا - عدم اتباع المدعى عليهم القيود التي أوردها المشرع على حرية الإدارة في اختيارها شخص المتعاقد، إذ إن القسم الفرعي (2/15) من الدليل المالي الموحد قد حدد مستوى صلاحيات تصريح أوامر الشراء والعقود المالية وأوامر تنفيذ العقود للمصروفات المتكررة والمشروعات على النحو الآتي:
«الوزير (من مليون وواحد دينار فأكثر)، الوكيل (من 500 ألف دينار وواحد حتى مليون دينار)، الوكيل المساعد (من 100 ألف وواحد حتى 500 ألف دينار)، المدير (من ألف وواحد حتى 100 ألف دينار)، رئيس القسم (من دينار حتى ألف دينار)».
وقد ثبت من تقرير ديوان الرقابة المالية عدم الالتزام بتوقيع عقد مشروع إنشاء سوق المحرق المركزي البالغة قيمته 5 ملايين دينار وفقاً لمستوى الصلاحية الواردة في القسم الفرعي من الدليل المالي، إذ تبين قيام مدير (المدعى عليها الثالثة) المعين على درجة وكيل وزارة بالتوقيع على العقد وذلك على رغم أن توقيع العقد يندرج ضمن صلاحيات وزير الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني، ما يجعل القرار الصادر بالتوقيع ومن ثم العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً، لمخالفته قواعد قانونية آمرة تتعلق بالنظام العام.
ثالثاً - عدم اتباع مجلس المناقصات والمدعى عليهم الإجراءات المتطلبة قانونًا عند طرح المناقصة، فقد نص المشرع على أن التعاقد على شراء المنقولات، وتقديم الخدمات ومقاولات الأعمال، يجب أن يتم عن طريق مناقصات عامة، وقد تطلب المشرع وعند تنظيمه إجراءات المناقصة أو المزايدة العامة الدخول في عدد من الإجراءات القانونية التي يجب اتباعها وإلا كانت المناقصة أو المزايدة باطلة مخالفة لقواعد قانونية آمرة متعلقة بالنظام العام، نظرا إلى كون الأهداف التي قررها المشرع للمرسوم بقانون رقم 36 لسنة 2002 بشأن تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات الحكومية، ووفقًا للمادة الثانية من هذا القانون، هي حماية المال العام ومنع تأثير المصالح الشخصية على إجراءات المناقصة، وتحقيق أقصى درجات الكفاءة الإقتصادية والحصول على المشتريات الحكومية بأسعار تنافسية، وتشجيع مشاركة الموردين والمقاولين في إجراءات المشتريات الحكومية، وتعزيز النزاهة والمنافسة وتوفير معاملة عادلة لجميع الموردين والمقاولين؛ تحقيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص، فإذا حادت أية مناقصة تجريها أية جهة حكومية عن الأهداف التي قررها المشرع فإنها تكون مشوبة بالبطلان، لذلك وتحقيقًا لهذه الأهداف حدد المشرع الإجراءات المتطلبة في المناقصات أو المزايدات العامة ومن أهمها ضرورة اعلان المناقصة، فمبدأ العلانية يعتبر من المبادئ الأساسية الحاكمة للمناقصة العامة، ولا يتحقق هذا المبدأ إلا بإعلان المناقصة وفقا للإجراءات التي حددها المشرع، ومن ذلك ما تطلبته المادة (21) من قانون تنظيم المناقصات والمشتريات الحكومية والتي تطلبت أن تقوم الجهة بوضع مواصفات فنية دقيقة تراعى في إعدادها المعايير التي تحددها اللائحة التنفيذية، ومن ذلك ضرورة تولي لجنة ذات خبرة بالسلع والإنشاءات، وضع المواصفات في كل جهة من الجهات الخاضعة لأحكام القانون وذلك وفقا لما تطلبته المادة (22) من قانون تنظيم المناقصات والمشتريات الحكومية.
ومن ذلك أيضًا ضرورة الالتزام بالشروط التي تطلبها المشرع في الإعلان، والتي تلتزم الإدارة باتباعها، فيتعين عليها احترام أوضاع الإعلان من حيث المدد، وكيفية إجرائه، وعدد مراته، وإلا ترتب على ذلك بطلان المناقصة، وكل هذه الإجراءات لم يتم اتباعها بالشكل الذي تطلبه القانون وفقا لما نصت عليه المادة (23) من قانون تنظيم المناقصات والمشتريات الحكومية.
رابعًا - بطلان المزايدة لتضمين شروطها بنداً يؤدي إلى حصر تنفيذ المشروع في الشركة التي رسا عليها المشروع، فقد قامت المدعى عليها الأولى والثانية والثالثة بتضمين شروط المزايدة بنداً يؤدي إلى حصر تنفيذ المشروع بالشركة التي رسا عليها المشروع بالمخالفة لأحكام القانون والدستور، وذلك حينما قامت بتخصيص إيرادات الرسم البلدي لأحد المجمعات التجارية بالمحرق لتمويل جزء من تكاليف المشروع، إذ ينص البند (4/2) من العقد على أن « تتم تغطية التمويل المشار إليه (...) من المبالغ المستحقة للطرف الأول من إيجارات المحلات بمشروع سوق المحرق المركزي محل العقد، وكذا الرسوم البلدية المستحقة للطرف الأول من المجمع التجاري المقام في نطاق محافظة المحرق، والمخول تخصيص الطرف الثاني وفقاً للآلية التي يحددها الطرف الأول» .
وقد أكد تقرير ديوان الرقابة المالية أن قيام البلدية بتخصيص إيرادات الرسوم البلدية لأحد المجمعات التجارية بمحافظة المحرق لتمويل تكاليف إنشاء السوق يعد مخالفة للفقرة (ج) من المادة رقم (109) من دستور مملكة البحرين والتي تنص على أنه «لا يجوز تخصيص أي إيراد من الإيرادات العامة لوجه معين من وجوه الصرف إلا بقانون».
كما يعد مخالفة لأحكام المادة (13) من المرسوم بقانون رقم (39) لسنة 2002 بشأن الموازنة العامة والتي تنص على أنه «لا يجوز تخصيص أي إيراد من الإيرادات العامة لتغطية مصروف معين من المصروفات العامة إلا بقانون».
كما أكد التقرير أن المشروع الآخر والذي تديره الشركة المطورة وتقوم بتحصيل رسوم البلدية الخاصة به أثناء طرح المزايدة هو مشروع مقام في المحرق، فإن تضمين شروط المزايدة بالبند المذكور قد أدى ضمنيّاً إلى حصر تنفيذ المشروع في الشركة، الأمر الذي يعد مخالفاً لأحكام المادة (36) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات والتي تنص على: «ألا يدرج في وثائق التأهيل أو المناقصة كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التمييز وإعاقة المنافسة العادلة، سواءً في المواصفات أو الخرائط أو الرسوم أو التصاميم التي تحدد التقنية أو النوعية للسلع أو الإنشاءات أو الخدمات المطلوبة». وعليه، ونتيجة لذلك لم تتقدم شركات أخرى ومنها الشركة المدعية الثالثة للمزايدة، ما فوت تحقيق الأهداف التي توخاها المشرع ومن ذلك حماية الأموال العامة، ومنع التحايل، وتحقيق المنافسة العادلة، ما يجعل العقد والمناقصة باطلين بطلانًا مطلقا لمخالفتهما قواعد قانون تنظيم المناقصات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية، ولمخالفتهما قواعد دستورية وهي كلها تتعلق بالنظام العام.
العدد 4867 - الأحد 03 يناير 2016م الموافق 23 ربيع الاول 1437هـ