لم يتوقع أحد أن تهبَّ علينا غيمة اقتصادية سوداء وتقوم بعصف الشريان الرئيسي لدول الخليج بتسجيل خسائر في الطفرة النفطية الهائلة بتدني أسعارها إلى مستويات مخيفة وتجعل حظهم السعيد مثل الكابوس المزعج وقد لا تعاود الارتفاع إلى سنوات مقبلة.

ولسوء حظنا أننا نحن أكثر دولة عرضة للاضطراب والمعاناة، بين الدول النفطية، جراء انخفاض أسعار النفط بسبب محدودية الموارد والفشل في تنويع مصادر الدخل، وبدأت أعراضها تظهر من خلال سياسة التقشف ووضع تدابير مالية لترشيد الإنفاق بمسّ مكتسبات المواطنين وتقليصها وزيادة في الاقتراض لسد العجز في الموازنة.

وقد شاهدتُّ قبل فترة سؤال النائب نبيل البلوشي الموجه إلى وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد عن تنويع مصادر الدخل وكان سؤالاً مدروساً، وقال إنَّ الكل معني بهذا القرار المصيري وأن نصل متأخرًا خيرٌ من ألا نصل لوضع الحلول؛ لكي لا تتفاقم المشكلة مع زيادة عدد السكان. وأن نترك الشعارات البراقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع منذ السبعينات دون أي تقدم ملموس، وطلب أن يكون تعاون مشترك بين الحكومة والنواب، وأن يتم تشكيل لجنة وطنية على أعلى مستوى لإنقاذ الوضع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.

ورد وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد بشكر النائب على كلامه، ووصفه باللطيف، وقد بين أن هذا الموضوع هو أهم موضوع في البحرين، وأنه مستعد والحكومة مستعدة لأن يعملوا ويتعاونوا مع السلطة التشريعية؛ لأنه يقدر أهمية هذا الموضوع.

جميل جدًّا أن نرى مثل هذا الاتفاق التام بين النائب والوزير، ونتمنى أن يستمر مثل هذا التعاون التام، وأفضل من العناد والمواجهات التي توصلنا في الغالب إلى طريق مسدود دون أية نتيجة. لذلك نريد علاقة تكاملية بين السلطتين لكي تخرج بقرارات تبعث الأمل والفرحة للمواطن.

وأنا أثني على مقترح النائب البلوشي بتشكيل لجنة وطنية، وتضم أعضاء من الحكومة والنواب والشورى والخبراء الاقتصاديين وغرفة التجارة والصناعة. والجمعيات السياسية بتلاوينها كافة من أصحاب الخبرة والكفاءة بغض النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم اذا كانت لديهم نوايا صادقة وحقيقية للاصلاح والمشاركة بهذا القرار المصيري بعيدًا عن الاستبعاد، وعقلية الثأر للخروج بحلول ووضع خطط لإصلاح الوضع الاقتصادي، وايجاد البديل لتنويع مصادر الدخل، فالوطن وطن الجميع، والوضع يتطلب وحدة وطنية ورص الصفوف من أجل هذه الجزيرة الصغيرة التي بتكاتفنا يسهل إصلاحها.

ختامًا تنويع مصادر الدخل مهم جدا للحاضر والمستقبل ويجب التوسع والإسراع في برامج تنويع مصادر الدخل الوطني بشكل شمولي، ولنا مثال حاضر في دولة سنغافورة التي هي من أغنى دول العالم على رغم عدم امتلاكها النفط، بل كانت مصادرها شحيحة ومن أهم هذه المصادر المياه إذ إنها آنذاك كانت تعتمد على ماليزيا لتزويدها بالمياه، واليوم هي من أفضل الدول في ترشيد المياه في العالم، فالمطلوب الاستفادة من تجارب هذه الدول الناجحة التي اهتمت بتنمية العنصر البشري وبتطوير التقنية من خلال الاستثمار في الأبحاث العلمية، بالاضافة إلى تمتعها بتنوع الصناعات التي تمثل نسبة كبيرة من اقتصادها.