شددت فعاليات سياسية واقتصادية على أن «البحرين تحتاج إلى كشف المفسدين بالأسماء، إذا أرادت وقف الفساد الذي يكشف عنه ديوان الرقابة المالية والإدارية سنويًّا»، إلا أن «ما يكشف في التقرير هو رأس الثلج فقط»، لافتة - خلال حلقة حوارية عُقدت في مقر الجمعية البحرينية للشفافية بالعدلية أمس الأول الثلثاء (29 ديسمبر/ كانون الأول 2015) - إلى أن «سياسة التصحيح خطوة بخطوة لا تصلح عند الحديث عن وقف الفساد، بل يجب البدء بخطوات جادة لوقفه فوراً».
من جانبه، قال عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب أحمد قراطة «هذا التقرير هو الثاني عشر الذي يصدره ديوان الرقابة المالية والإدارية، ولاتزال المخالفات متكررة، وما جاء فيه من كشف لأوجه الفساد أقل من الطموح، ولم يتطرق إلى العديد من الجهات التي كنا نأمل في إيرادها».
وأضاف «المادة (11) تشير إلى أنه يحق لديوان الرقابة المالية أن يحيل المخالفات إلى النيابة العامة، ونحن عدلنا هذه المادة لتصبح أنه يجب على الديوان إحالة المخالفات إلى النيابة العامة».
وتابع «نحن في مجلس النواب الخالي من قوى المعارضة، معظم أعضائه من النواب الجدد، ولايزال يصعب علينا عمل لوبي للاستجوابات ولجان التحقيق».
وذكر قراطة أن «الديوان يعطي تقريرًا عن وزارات لكنه يتركها لفترة أربع سنوات، ثم يعود إليها، لذلك لا توجد رقابة دورية منتظمة، كما أن النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء شكل لجنة لمحاربة لفساد المالي والإداري، لكننا إلى الآن لا نجد صدى ملموسا لها».
وواصل «الملاحظات التي لم يشر إليها التقرير متعددة منها، فرض المزيد من الرسوم، وعدم تنويع مصادر الدخل في ظل انخفاض أسعار النفط، ونحن من خلال اللجنة المالية كان هناك قانون يحدد سقف الدين العام، وكان مركونا في اللجنة وحركنا لوبيا نيابيا واستطعنا تمريره، لكي لا يتعدى الدين العام 60 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، لكننا وجدنا أن النواب قاموا بعد ذلك بالموافقة على مرسوم بقانون يسمح للحكومة بالاقتراض حتى10 مليارات دينار، وهو ما يعني أن سقف الدين العام سيصل إلى 78 في المئة من إجمالي الناتج القومي».
وأردف قراطة «اليوم وزارة المالية أصبحت مثل (الكيشر)، تأخذ فلوس وتعطي فلوس من دون أن تقدم سياسات اقتصادية، حاليا مجلس التنمية الاقتصادية هو الذي يضع السياسة الاقتصادية للبلاد من دون أن يتمكن مجلس النواب من محاسبته أو حتى توجيه سؤال إليه».
وأفاد «في 2014 وجهنا استجوابا إلى وزير المالية، لكن تم تغيير آلية الاستجواب التي كانت تتطلب موافقة 21 صوتا نيابيا، والآن أصبحت تحتاج 27 صوتا لكي تتم فقط مناقشة موضوع الاستجواب من عدمه».
وختم النائب قراطة «بصفتي رئيسا للجنة التحقيق البرلمانية في ممتلكات، فقد اكتشفنا قبل أيام أن النظام الأساسي للشركة قد تبدل، وأنه في حال الربح والخسارة لابد أن تعطى مجالس الإدارة مكافآت، وإذا وجدت أرباح للشركات التابعة لممتلكات فقد أجيز لها منح جزء منها للموازنة العامة للدولة، إذ تم تغيير النظام الأساسي وبات ينص حاليًّا على انه «قد يسمح لها بتحويل أرباح إلى الموازنة العامة للدولة».
من جانبه، تساءل رئيس جمعية الاقتصاديين جعفر الصائغ: «هل نريد في كل مرة تكرار المخالفات التي جاء بها التقرير، ونقول إنها متكررة ولا تجد محاسبة؟».
وأجاب «الديوان أسس على أساس الإجابة على سؤال محوري، وهو هل هناك مخالفات جوهرية، وهل ترتقي هذه المخالفات التي يكتشفها الديوان إلى حالات فساد».
وأوضح أن «الفساد سوء استغلال السلطة العام لتحقيق غايات خاصة، وهناك أنواع للفساد الإداري، منها المخالفات التنظيمية التي تصدر عن الموظف مثل التسيب وإفشاء أسرار العمل ومعاملة الموظف، وهناك مخالفات سلوكية مثل المحسوبية، وهناك الانحرافات المالية مثل مخالفات قواعد العمل ومخالفات الأحكام المالية والانتفاع من الوظيفة، والنوع الرابع هو الانحرافات الجنائية مثل الرشوة».
وذكر الصائغ أن «شيوع ظاهرة الفساد كان سببا لأزمات اقتصادية وعدم تحقيق النمو في كثير من الدول، وأخطر ما في الفساد أن القائمين عليه أذكياء جدا، يتشكلون بطرق تتلاءم مع الوضع الاقتصادي ويتغيرون مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، لذلك من الصعب اكتشاف الكثير من المفسدين؛ لأن لديهم القدرة على التخفي والعمل السر، ومثل هذه المخالفات هي التي نبحث عنها في التحقيق، فهل هي موجودة وهل ترتقي إلى مستوى الفساد الإداري، وساهمت في عدم تمكين الدولة؛ لأن الفساد دائما ضد النمو واستقرار الموارد».
وبيّن أن «التقرير يشير إلى تدني نسبة الصرف في وزارة المواصلات، إذ تم تخصيص 18 مليونا لموازنة المشاريع في الوزارة، ثم نأتي في نهاية المطاف ونرى انه تم صرف 3 ملايين فقط منها، وهذا يعني أن هناك عدم استغلال لهذه الموارد، وان هناك إسرافا وتسيبا وعدم احترام للسلطة التشريعية».
وواصل الصائغ «كذلك أشار التقرير إلى أن وزارة الخارجية تجاوزت الموازنة المخصصة للمصروفات المتكررة بمقدار مليونين، وهذا يحدث في كثير من الوزارات، ولا اعتقد أنها ترتقي إلى شبهة فساد، وهذا الأمر شيء طبيعي».
وتابع «في المقابل تقرير ديوان الرقابة يشير إلى تجاوز وزارة الصحة موازنتها بمقدار 14 مليوناً، وهنا نجد تكرار التجاوز في الوزارات المختلفة، ونتوقع استمراره في السنوات المقبلة».
وذكر أن «وزارة التربية أصدرت قرارات لترقية موظفين من دون التأكد من انطباق المعايير عليهم أو التأكد من تقاريرهم الوظيفية».
وختم الصائغ «تقرير ديوان الرقابة المالية قدم مخالفات خطيرة إلا أنه لم يصدر حكما نهائيا بذلك، هناك الكثير من المخالفات التي تحتاج إلى تفسيرات عما إذا كانت ترتقي إلى حالات فساد».
أما الاقتصادي حسن العالي، فذكر أن «المخالفات التي يكشف عنها التقرير هي جزء بسيط من رأس الثلج من الفساد، حقيقة لا مجلس النواب ولا غيره يستطيع أن يواجه هذه الحالة من الفساد، لذلك نحتاج إلى تغيير البنية التشريعية في البلاد ليس فقط لمحاربة الفساد بل للنهوض بالاقتصاد».
وأضاف العالي «أستغرب من النواب بعد إقرارهم الموازنة أن يناقشوا موافقتهم من عدمها على رفع الدين العام، إذ إن إقرار الموازنة بهذه الصورة كان ينطوي على موافقة ضمنية على رفع الدين العام لتمويل العجز، وهنا لابد من إلزام الحكومة ببرنامج لخفض الدين العام على مدى سنوات محددة».
وأردف «موضوع مشروع مرسى البحرين للاستثمار كان مقدرا أن تكون مدينة صناعية وتستوعب 30 ألف وظيفة، وقدرت القيمة الإجمالية للمشروع بين 600 ومليار دينار، ونفاجأ بعد سنوات أن 90 في المئة من ارض المشروع أقيمت عليها مستودعات ومخازن، وأصبح العائد 21 مليونا فقط بدل 600 مليون متوقعة، وبدل أن يخلق المشروع 30 ألف وظيفة تم الاكتفاء بـ 4000 وظيفة فقط لا تتعلق غالبا بوظائف ذات قيمة مضافة».
وأخيرا، أشار الاقتصادي أكبر جعفري إلى أن «هناك علاقة طردية بين تقرير ديوان الرقابة ومنظمة الشفافية الدولية، كما أن هناك مشكلة عويصة في البحرين، وهي تكرار الأخطاء ذاتها، وهناك إحساس نفسي، بأنه لاتزال هناك مساحة للتجاوز».
وأضاف جعفري «خوفي على الأجيال المقبلة، في أن هناك تجاوزاً وأصبح مقنًّا، ونحن نسأل من سيحاسب المخطئين، ولا أعرف جهة ستحاسب هؤلاء، مع الاعتراف بأن التقرير مهني، لكن بالمقارنة مع تقرير الشفافية هناك تذبذب في التعامل مع تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية».
وشدد «لا توجد إرادة سياسية لتصحيح الأوضاع؛ لأنه ليس من الصعب تشخيص الفساد، التقرير يحدد كل المخالفات بشكل واضح، ولم يتبقَّ له إلا أن يذكر فقط الأسماء».
وختم جعفري «التقرير مسئول عن المؤسسات الحكومية، فماذا عن القطاع الخاص، وهو مسئول بدرجة كبيرة عن الفساد أيضًا؟، ويساهم في تضخم الفساد سنة بعد سنة، ونرى المخالفات تصبح أكثر ذكاء، وهذه الظاهرة موجودة حتى في الدول المتقدمة».
العدد 4863 - الأربعاء 30 ديسمبر 2015م الموافق 19 ربيع الاول 1437هـ