يحذر خبير الإصلاح الاجتماعي والداعية الإسلامي مصطفى حسني من مخاطر سيطرة (نزعة البحث عن الكمال في حياتنا)، فهو يصرح بأنه قرأ الكثير من الأبحاث وشارك في العديد من الدورات التدريبية التي نظمها عدد من علماء النفس الذين يطرحون قضية (الضغوط النفسية) التي تثقل كاهل الإنسان، فوجد أن الظاهرة منتشرة في الكثير من البلدان، كما وجد أن الغربيين يحاربون هذه الحالة التي تسمى (البحث عن الكمال) بل إن بعض العلماء يصنفونه من ضمن الأمراض النفسية حين يخرج عن الإطار الاعتيادي ويسيطر على الإنسان.
ويشرح حسني معنى البحث عن الكمال بشكل مختصر بالقول: “هو (عدم قبول النقص بعد بذل الجهد)، أي أن يبحث الإنسان عن المثالية في كل جوانب حياته، وحين يجد نقصًا معينًا بعد إنجاز عمل بذل فيه جهدًا ومتابعةً وقدرًا كبيرًا من الاهتمام، يصاب بالإحباط ويشعر بالهم الشديد، ولهذا يقول علماء النفس: “البحث عن الكمال هو أكثر الأمراض المؤذية التي أصابت الإنسان الحديث”، وهو مرض في عصرنا الحاضر بالفعل بسبب عدم قبول النقص! لكنه يوضح أن النزوع للكمالية سببه أحيانًا دوافع نبيلة حين يكون الإنسان جاداً في البحث عن النجاح والتميز، ولكن حين يقل نجاحه يشعر بالهم عندما يجد نجاحه ليس على ما كان يطمح، وتكبر العقدة حين لا يعرف الإنسان التفريق بين الكمال وبين الإتقان والاجتهاد، فالكمال عكسه النقص أما الإتقان والاجتهاد فعكسه التقصير.
ويلفت إلى أن عدم التفريق بين الاجتهاد الذي عكسه التقصير وبين الكمال الذي عكسه النقص، يجعل الإنسان يميل إلى الكمال وليس للاجتهاد، وحين يحب الإنسان الدقة والتفاصيل والاجتهاد فهذا إتقان، أما البحث عن الكمال فهو عدم قبول أي خطأ، وهذا يشكل عبئًا رهيبًا، فهناك الضغط النفسي حيث لا يذوقن الباحث عن الكمال طعم النجاح ولا يشعر إلا بالتقصير، فالناس تهنئه حين ينجح لكنه يشعر بأنه يريد الأكثر ولا يفرح ولا يشعر بنجاحه كنعمة... الناس من حوله يهنئونه على النعمة التي أنعم الله بها عليه وهو لا يشعر بها، وهذا كله بسبب النزوع نحو الكمال، فعلى الإنسان الذي يعاني من هذه الحالة أن (يحس ويشعر) بنفسه وبما حقق ولا يترك نفسه تسقط تحت ثقل الإحساس بعدم بلوغ الكمال الذي يتبناه ليجعله مستصغرًا ما حققه.
إن من الأهمية بمكان، كما يرى حسني، معرفة الطبيعة البشرية حين يحدث النقص أو التقصير، فلكل الناس عيوب ومميزات والكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وفي السنة النبوية الشريفة ما يؤكد على ذلك، فالنبي محمد (ص) يقول إن الله كتب الإحسان (الإتقان) على كل شيء فالإتقان فريضة مكتوبة، كما إن محرر الهند المهاتما غاندي يقول: “لا يمكننا قيادة النتائج لكن يمكننا السعي لتحقيقها”، لهذا، فعلى الإنسان أن يعمل بإتقان واجتهاد وتقبل النتائج المعقولة بعد أن يبذل الجهد لتحقيق ما أمكن، وهذا هو المفروض، فلم ينتصر قائد بارع عبر التاريخ في كل المعارك، ولم ينجح جراح بارع في كل عملياته، والنجاح الحقيقي هو ألا يبخل الإنسان على نفسه بالمحاولة ثم يتحلى بعد ذلك بالرضا بالمقسوم، فاطرح عن نفسك أوهام الكمال وابحث عما هو مطلوب منك واقبل بما كتبه الله لك فالعناية الإلهية (لها ساعة مضبوطة) في كل شيء.
يلخص الباحث والاستشاري في الطب النفسي بالمملكة الأردنية الهاشمية الدكتور فائق الزغاري في كتابه “هوس التشكك” أسوأ نتائج النزعة الكمالية في النقاط التالية:
انحدار تقدير الذات: عدم الشعور بكفاءة الأداء الشخصي.
مشاعر الندم: إحساس دائم يؤثر على كيفية تحمل المسئولية في الحياة.
التشاؤم والاكتئاب: انخفاض المزاج بسبب الحاجة لتحقيق الكمال.
التصلب: افتقاد المرونة والتلقائية بسبب “تصلب البحث عن الكمال”.
الأفعال القهرية: الاتجاه لتناول العقاقير والكحوليات والانحراف الجنسي في بعض الأحيان.
التجمد: سيطرة المخاوف والقلق تجمد الباحث عن الكمالية، ويفقد قابلية التغير نحو الأحسن.
العدد 4862 - الثلثاء 29 ديسمبر 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1437هـ